الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحداثة ومازق الهويات

مهدي النجار

2007 / 1 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من اللافت ان ظاهرة البحث عن الهوية ذات الخصوصية المطلقة في المجتمعات الاسلامية (كل المجتعمات التي يشكل فيها الاسلام دين الاغلبية) وماينطوي عليها من تعصب ومهمات بائسة لعزل المجتمع عن العالم الحديث باتت متسعة ومتفجرة، خاصة منذ التسعينات اصبحت من المواضيع الحساسة وذات الراهنية الشديدة، اينما تنظر تجد الناس في هذه المجتمعات يتساءلون: (من نحن؟!) (لمن ننتمي؟!) (من هو الاخر؟!) (من هو العدو؟!) وهي اسئلة كأنها جوهرية في تحديد الهويات، ولكن كيف يمكن تفسير نشوء مثل هذه الاسئلة الحادة؟ ان عملية التحديث الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الهائلة التي اجتاحت العالم في النصف الثاني من القرن العشرين والتي ميزت عصرنا بخصائص معينة تختلف جذرياً عن تلك الخصائص التي ميزت القرون السابقة منها المناهج الجديدة للدراسات والبحوث في عالم الطبيعة والتقنيات الحديثة والاساليب المتطورة في الانتاج الصناعي واعتماد البحث والتخطيط العقلاني مما أدي الي ارتفاع مستوي الحياة المادية. من جهة ثانية تميز عصر الحداثة باعتماده أسس الرأسمالية والسوق الحرة ونشر الثقافة الديمقراطية والليبرالية التي غلب عليها الطابع الدنيوي العلماني والنزعة الفردية واحترام الفرد والتفرد. ان عملية التحديث (الانفجارية) العالمية تلك اسهمت بشكل فعال في تفجير الاسئلة عن الذات والبحث عن الهويات في المجتمعات المطرودة خارج الحداثة.
اذا صح مانقول عن فعل العامل الخارجي في مسالة الهوية فان عوامل ذاتية داخل المجتمعات الاسلامية فاقمت من ذلك التفجير وصعدت من لهاث الناس المذهولين للبحث عن معني لهوياتهم منها: الضغط السكاني في المجتمعات الاسلامية المصحوب بالركود الاقتصادي وهشاشة الانتاج وضحالة المستويات المعيشية والثقافية وتفاقم استبداد النظم الشمولية السلالية واستطالتها علي مدي التاريخ. كل ذلك جعل الناس يبحثون بعناء عن الهوية والامان، وعن جذور وصلات لحماية انفسهم من الحاضر والمستقبل وتزداد جماهير الاسلام الباحثة عن هوياتها كلما تصاعدت وتائر الحداثة العالمية وكلما ارتفع معدل التزايد السكاني (معدل نسبة الزيادة السنوية 2 بالمئة تقريبا بين عامي 1965 و1990 ونسبة الشباب بين 15- 25 سنة تتخطي 20 بالمئة من عدد السكان) اكثر هؤلاء الشباب ينزحون بوتائر مستمرة ومتصاعدة من البوادي والارياف والاهوار الي المدينة ينفصلون عن جذورهم الريفية والبدوية ويتعرضون الي انماط قاسية من العلاقات المهينة لذا فهم بحاجة الي ملاذ بحاجة الي مصادر جديدة للهوية ليست تلك الهويات القبلية والعشائرية التي كانت تحتضنهم وتحميهم . حين يستسلمون لاضواء التمدين وغوايات الحداثة وحين يقذفهم بؤس الريف وبساطته الي فوضي المدن دون تأهيل ثقافي او حرفي تجدهم يتغربون يتسكعون فاقدي الامل في شوارع العواصم الاسلامية مثل: طهران ، الجزائر، كابل، بغداد، عمان، الرياض، القاهرة يتسكعون مذلولين مذعورين محبطين عاطلين يائسين ، لذا سرعان ماينخرطون في جماعات دينية تقدم لهم اجابات قوية وان كانت التباسية عن ضياع وتمزق هوياتهم وتوفر لهم حاضنات اخوانية (خلايا) عوضا عن تلك التي فقدوها اثناء النزوح الي مراكز المدن كل الاديان كما يقول حسن الترابي تزود الناس باحساس بالهوية وباتجاه الحياة. نلاحظ ايضا ان الميل يتفاقم لدي الشباب وغير الشباب من المسلمين في اوقات الازمات لان يبحثوا عن هوياتهم الاساسية وانتمائهم في المجتمع اي في كيان محدد بالاسلام اكثر منه بأي معيار آخراثني او مكاني.
لم تستطع الحكومات الاسلامية ان توفر مستويات لائقة لحياة الناس في الارياف والبوادي او ان تحتوي جحافل الفقر النازحة الي المدينة ملايين الفلاحين هم وابناؤهم ضاعفوا من عدد سكانالمدن الاسلامية (خاصة العواصم) التي هي نفسها اي مراكز هذه المدن تعاني اكتظاظاً سكانياً وبطالة وركوداً اقتصادياً مخيفاً قد فشلت هذه الحكومات فشلا ذريعا (في الاقل منذ تاريخ نشوئها كدول وطنية) في تحسين اوضاع مجتمعاتها ونقلها خطوة واحدة الي خط الشروع نحو الحداثة المادية والثقافية بسبب استبدادها واحتكارها للثروات وانشغالها في توسيع هيمنتها والحفاظ علي أمنها وأمن عوائلها فهي بصورة عامة من نوع ملكيات انظمة الحزب الواحد ، انظمة عسكرية، ديكتاتوريات شخصية، او بعض من هذه التركيبات مجتمعة تعتمد عادة علي اسرة واحدة اساس قبلي او عشائري من جهة اخري كانت ممارسة هذه الحكومات مضادة في احيان كثيرة (لحقوق الله) و (حقوق الانسان) في آن معا . اضافة الي فقدانها لاي أسس يمكن ان تبرر بها حكمها علي اساس من الشرعية الاسلامية او الشرعية الديمقراطية او القيم الوطنية. ومن توصيفات هذه الحكومات الجوهرية انها غارقة في الفساد المالي والاداري متحجرة وقمعية معزولة تماما عن احتياجات وتطلعات شعوبها ولاتشتري بفلس احمر حقوق الانسان او حرية الناس فهي منغمسة في ذاتيتها وفي كسلها وفي فردايتها ومنغمسة في نهب الثروات وتمكين ابنائها من اقتناص السلطة وتداولها في ما بينهم وهي بصورة واضحة معادية للحريات والديمقراطية وفي احسن الاحوال تمارس هذه الحكومات الديمقراطية بشكل مضحك وهزيل غالبا ماتحقق فوزا ساحقا في صناديق الاقتراع يصل بنتائجه فوق التسعين بالمئة كانها تضحك علي ذقون شعوبها وذقون العالم؟!
نلاحظ بعكس التجمعات (او الاحزاب والكيانات) الليبرالية والديمقراطية استطاعت التجمعات الدينية الاصولية ان تنشط تحت غطاء المقدس واستطاعت من خلال ومن وراء شبكة واسعة من المساجد ومؤسسا ت العمل الاجتماعي والخيري ومن خلال ممارسة الطقوس والاحتفاليات استطاعت هذه التجمعات (الاحزاب والكيانات) ان تهدد امن الحكومات وتقلق راحتها وجعلت الحكومات عاجزة في احيان كثيرة عن تصفيتها وقمعها والاكثر من ذلك جعلت الزعماء السياسيين التقليديين يندفعون بقوة وذعر لتوحيد انظمتهم وانفسهم في الاسلام ففي الثمانينات والتسعينات نجد الملك (حسين) ملك الاردن كان يتكلم عن الحاجة لاقامة (ديمقراطية اسلامية) و (اسلام حديث) وفي المغرب يؤكد الملك (الحسن) انه من سلالة النبي محمد صلي الله عليه وسلم كما راح يؤكد علي دوره (كأمير المؤمنين) ولم يعرف سلطان بروناي من قبل بأية ممارسة اسلامية اصبح (شديد الورع) وراح يعرف نظامه بانه (ملكية ملاوية اسلامية) وفي تونس بدأ (بن علي) يتوسل الي الله بانتظام في خطبه ولف نفسه في عباءة اسلامية ليرضي الميل المتزايد للجماعات الاسلامية وفي اوائل التسعينات تبني (سوهارتو) صراحة سياسة ان يصبح (اكثر اسلاما) وفي العراق قاد (صدام) حملة ايمانية واسعة فخط اسم الجلالة علي العلم وكتب القرآن بدمه وسمي نفسه بعبد الله المؤمن وهرع بعض رؤساء الحكومات (أوزال ، سوهارتو، كريموف) لاداء فريضة الحج بغرض ابراز التزامهم الاسلامي ..الخ.
لم تفكر الحكومات الاسلامية بوضع خطط وبرامج تضمن الحرية وحقوق الانسان وتبرر وجودها دستوريا ولم تبادر بصورة جدية وجذرية لتحسين اوضاع مجتمعاتها المتردية ونقلها الي اوضاع انتاجية حديثة كما حدث علي سبيل المثال في الدول التي تسمي النمور الاربعة: هونغ كونغ ، تايوان، سنغافورة، وكوريا الجنوبية. ظلت الجماهير الاسلامية تتخبط في حالات متدنية واوضاع ظلامية قاسية حياة مائعة ومشوشة ليس امامها الا ان تسأل عن هويتها المفقودة : من نحن ؟!
لابد للهوية بسؤالها المحوري ( من نحن؟!) ان تواجه الاخر بحداثته المتغطرسة وامكانياته الهائلة (المصرفية ، التجارية، العسكرية، التكنولوجية) تواجهه باخفاء حقيقة تخلفها ومشاعر دونيتها وعدم ثقتها بالنفس والخوف من التحديث ، تواجه الاخر بهوية ترجع اغلب مكوناتها الي الماضي السحيق هوية موروثة عن الاسلاف ومكتسبة دون ان تتاح اية فرصة لاختيارها او انتقائها او استبدالها. لذا اصبح التحرر من سطوة الهويات التقليدية الثابتة الانزوائية ونقدها فحص مكوناتها الثقافية وممارسة نوع من التوجس والريبة اتجاهها، تحليلها وغربلتها، اي اصبح التحرر من الهويات المتوارثة ومجابهتها شرطين لازمين لامتلاك هويات معاصرة عقلانية تندرج في مسار الحداثة وتنظر الي منجزاتها وتصوراتها حول الانسان والعالم بعين الاحترام احترام عقلانية الانسان واجلال حريته وعدم الخضوع لاي شيء الا بشفاعة الدليل والبرهان برغم ما في الحداثة من جانب اخر فيه ثغرات وكبوات وللحداثة احيانا مخالب شرسة تفترس اكباد الشعوب!

باحث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah