الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيا بنا نحطم الصخر بمعاول من ورق

جورج شكرى

2007 / 1 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا أدري.. يبدو أننا نحن الأقباط لا يحلو لنا اللعب إلا بأوراق نعرف مُسبقاً أنها أوراقاً خاسرة... لا نضع رهاننا إلا على خيول ندرك دوماً أنها مريضة وفى أغلب الأحايين – أن جاز اللفظ – خيول ميتة.
ولا أجد مثالاً على ذلك خير من مطالبتنا العبثية غير المُجدية بإلغاء أو على الأقل تعديل المادة الثانية من الدستور والتي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع
لقد تحولنا – وسامحوني – إلى مجرد ظاهرة صوتية لا تملك سوى المزيد من (الجعجعة الفاضية) وصيرنا أنفسنا – وللأسف أيضاً –إلى مجرد ظاهرة ورقية.. أهدرنا الأوراق واستنفذنا مداد الأقلام ولعلنا كنا نعلم يقيناً أن الحال سيبقى على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء لأصلب حائط ليضرب رأسه فيه
حطمنا رؤوسنا ولم نستطع أن نحطم صخور واقعنا لأنه وببساطة معاولنا من ورق
أخذنا نُطالب – لمجرد المطالبة – بإلغاء أو تعديل المادة الثانية من الدستور
أخذنا نُصر على الظهور بمظهر السُذج والحمقى والمُختلين عقلياً
لا إنها ليست الإيجابية - أن رأى أحدكما هذا – فما الإيجابية في ضرب الرؤوس في الجدران الصخرية..؟!
لا إنه ليس اتخاذاً أو إعلاناً لموقف صريح وواضح – إن حاول أحدكم أن يشرح لي ذلك – لقد أوضحنا موقفنا هذا مراراً ولم يعد مجرد موقف قبطي بل صار موقف ومطالب عام لكل مصري ليبرالي مُستنير لكن زمان اتخاذ المواقف قد انتهى
انتهى يا سادة..!!
وحتى لا يتحول مقالي هذا إلى مجرد جعجعة أخرى وحتى لا يمثل لي على الأقل إهدار ورقي آخر.
دعونا نتأمل معاً في مجموعة من التصريحات التي لا بد وأن تؤخذ بعين الاعتبار حين نفكر أن نبذل – ولو حتى القليل من حبر أقلامنا في الكتابة عن التعديلات الدستورية المُزمع البت في أمرها ومن بينها - أو ما تمنينا أن تكون بينها - المادة الثانية من الدستور والتي وللأسف لم يأتِ ذكرها لا من قريب ولا حتى من بعيد في الإطار الدستوري الجديد
كان سيادة الرئيس محمد حسنى مبارك قد أورد في خطابه الموجه إلى البرلمان حول التعديلات الدستورية بتاريخ 26/12/2006 وبحسب ما جاء في الموقع الرسمي للحزب الوطني الديمقراطي ما يلي:
"أسس التعديل يأتي مؤكداً لمفهوم المواطنة وقيمها ومبادئها.. فكلنا مصريون.. كلنا أبناء لهذا الوطن.. وكلنا متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.. لا تفرقة بين عقيدة أو دين"
وأضاف سيادته "عندما توجه سعد زغلول إلى فرنسا مطالبا بالاستقلال.. صاحبته نخبة من أبناء مصر.. مسلمين وأقباط.. ضم الوفد المصري آنذاك أقباطاً منهم، واصف غالي، وسينوت حنا، وويصا وواصف، وجورج خياط. وقد خضنا حرب أكتوبر ولم تفرق رمال سيناء المسلمين والأقباط وعندما نمضي في بناء مستقبل الوطن فإننا نحقق ذلك بفكر وسواعد أبناء مصر.. المسلمين والأقباط
الا أن هذه الكلمات المعسولة ستظل – بالطبع المؤسف - في إطارها النظري طالما بقيت المادة الثانية من الدستور جاثمة على صدورنا وعلى صدر الدستور
نعود إذاً إلى تلك التصريحات التي لا بد وأن تؤخذ بعين الاعتبار - كما أسلفنا الذكر - ونقول أن نصف هذه التصريحات تنتمي للحزب الحاكم (الحزب الوطني) ونصفها الآخر ينتمي للحزب اللي مش حاكم (الأخوان المسلمين) وكلاهما - كما يقول الأستاذ مجدي خليل - قوتان رئيسيتان تتحكمان في الحياة السياسية في مصر، كتلة تحكم وهم العسكر وقوى تعارض وتعمل تحت الأرض للوصول للسلطة وهم الأخوان المسلمين

أولاً.. تصريحات الحزب الحاكم (كتلة العسكر)
المادة الثانية من الدستور.. وردة بلدي في عروة جاكت النظام تضاعف من أناقته الدينية ..!!

التصريح الأول هو لسيادة الرئيس محمد حسني مبارك وقد جاء في معترض إجابته للأستاذ عادل حمودة على سؤال بريء عابر في الحفل الذي أقيم بعد انتهاء سيادته من توقيع التعديلات الدستورية... يقول الأستاذ عادل حمودة
"عبرت عن مخاوفي مباشرة للرئيس وأنا أصافحه مثلي مثل غيري ممن حضروا الحفل البسيط الذي أقيم بعد انتهائه من توقيع رسالة التعديلات إلى البرلمان.. قلت له: "أن شعار المواطنة الذي يعيد الثقة فيه من جديد لن يسلم من الأذى في وجود المادة الثانية".. فتيار الإسلام السياسي الذي يصر على تبني تفسيرات واجتهادات دينية لا تحقق سوى حلمه المزمن في الحصول على
السلطة يستغلها للوصول إلى ما يريد "..فقال الرئيس:" سنهتم بصياغة المادة الأولى لعلها تعيد الاحترام في تعبير المواطنة وتلغي مخاوفك"....
إذاً رئيس الحزب الحاكم يستبعد وتماماً حتى مجرد التفكير في إزالة هذه المادة من الوجود...
بل ويقول "سنهتم بصياغة المادة الأولى لعلها تعيد الاحترام في تعبير المواطنة وتلغي مخاوفك".... إذاً هو يدرك أيضاً أن الاحترام مفقود لكن أكثر ما يثير المخاوف وأكثر ما يولد الذعر في ذلك التصريح العابر هو لفظة (لعلها)..!!
التصريح الثاني هو للسيد رئيس مجلس الشعب د.فتحي سرور إذ قال أن "المادة الثانية من الدستور فوق الدستور" وهذا التصريح - وكما علق عليه الأستاذ سليم نجيب - إن صدر من طالب سنة أولى بكلية الحقوق قد يُلتَمس له العذر عن جهله أما أن يصدر هذا التعليق من فقيه دستوري كبير وعميد كلية الحقوق السابق، فهذا غير مقبول شكلاً وموضوعاً وإن دل على شيء فإنما يدل على تعصبه الأعمى وتحيزه ورجعيته وتجاهله لألف باء العلوم الدستورية.
تصريح آخر للدكتور الموقر/ مفيد شهاب وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية وقد صدر عن سيادته إبان أزمة وزير الثقافة، يقول سيادته
"إن الحكومة لا تقبل بأي حال من الأحوال المساس بالدين الإسلامي وتلتزم في كل خطواتها وتشريعاتها بأحكام الدين باعتبار الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع والحكومة تؤكد عليها ولا توافق على أجراء أي تعديل عليها وأن الحكومة والشعب ولا يمكن أن يختلفا على ذلك.."
ولا أدري في الحقيقة أي شعب هذا الذي يتحدث عنه الأستاذ الموقر.. لا بد وأنه يتحدث عن الشعب المسلم فقط أو عن قلة متطرفة منه.
أما الدكتور صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطني وإجابة منه على إحدى الأسئلة التي وجهت له في إطار حواره مع جريدة الأهرام العربي بتاريخ 20 /1 /2006 إذ قال:
"الرئيس مبارك أكد بكل وضوح أنه لا مساس بالمادة الثانية من الدستور والتي تنص على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.. هذه قواعد ومبادئ تحدد أسس وأركان الدولة.. أن المادة الثانية من الدستور - وكما قال الأستاذ/ عادل حمودة عنها - مجرد
وردة بلدي في عروة جاكت النظام تضاعف من أناقته الدينية..!!

ثانياً.. تصريحات الإخوان المسلمين (الكتلة المحظورة)
المادة الثانية من الدستور.. حروب أهلية وجثث وبحور دم والبقية تأتي!!...

أولى هذه التصريحات هي للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وصاحب أشهر طز في تاريخ البشرية إذ قال:
"إن هذه المطالب (يقصد المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور) خطوط حمراء لا يجب الاقتراب منها، ونحذر من السير في هذا الاتجاه"، وأضاف: "نعتبر ذلك عبثاً، والإخوان لن ينزلقوا إلى الرد على هذه المطالب.. لأنها لن تحدث، ولن يكون لنا سوى اللجوء للشعب لحماية معتقداته ودينه".
ولنا أن نلاحظ هنا قفز المرشد إلى أسلوب التهييج وإثارة مشاعر جماهير الشعب بعد أن يوحي لها بأن "معتقداتها ودينها" في خطر من جراء مثل هذه المطالب.
ويذهب الدكتور كمال حبيب أحد القيادات السابقة لتنظيم الجهاد أبعد من ذلك ليقول أن المطالبة بإلغاء المادة الثانية من الدستور بمثابة "خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه، كما أن الاقتراب منه سيفجر حرباً أهلية داخل مصر".
إنه التهديد بالحرب إذاً:
وهذا التهديد يأتي على لسان ممدوح إسماعيل محامى الجماعات الإسلامية بصورة أكثر وضوحاً حيث يقول "إن هذه المطالب لن تكون إلا على جثث الجميع ومعنى ذلك أن أصحاب هذا الرأي يطالبون بحمامات دم في مصر وبرجوع العنف مرة أخرى إلى مصر".
وكل هذا كلام خطير.. ويمثل شكلاً فظاً من أشكال الإرهاب الفكري الذي يتناقض مع روح ومتطلبات الحوار الوطني المنشود كما يقول الأستاذ سعد هجرس، الذي استطراد هنا بقوله "وعندما أصفه بـ "الإرهاب الفكري".. فإني لا ألجأ إلى بلاغة اللغة العربية أو استخدامها على سبيل المجاز، بل أقصد ما تعنيه عبارة "الإرهاب
الفكري" فعلياً

أنني لا احب أن أصيبك عزيزي القارئ بالتشاؤم.. يكفينا ويكفيك حقاً ما نعيشه جميعاً من أجواء سوداوية حطمت كل ما تبقى لنا من أمال حتى صار شعار أغلبيتنا (ما فيش وقت.. ما فيش فايدة.. ما فيش أمل)
وصدقني حين أقول أنني لا أحاول أن اثبط الهمم وأغير القناعات
لكن إنما أدعو إلى ارتداء نظارة الموضوعية والواقعية لتبدو لنا الرؤية – ولو أفضل قليلاً – ويغدو التعامل أكثر حكمة ولا مانع من أن يكون أكثر تحايلاً ودهاءً
وإنما أدعو أيضاً إلى توفير مجهوداتنا إلى معارك أخرى أكثر جدوى وإعادة ترتيب أولويتنا لتتناسب ومعطيات الأمور الحالية
ولا أجد مثالاً على الموضوعية التي أدعو لها هنا أكثر من موضوعية د.سعد الدين إبراهيم في معالجته المنطقية لإطار هذا الموضوع
خاصة كونه واحد من أكثر المطالبين بضرورة إلغاء أو تعديل هذه المادة الملعونة والتي يرى أنها صفقة ساداتية رشوة تبادلية قام بها السادات لتمرير تعديلين آخرين في غفلة من الشعب ـ أحدهما خاصة بمعاهدة السلام مع إسرائيل، والأخرى بإطلاق "المدد الرئاسية" لكي تكون بلا حدود، وكل هذا بالطبع في إطار خدمة أغراض الحكام وليس مقاصد الشريعة
لكن الرجل يقول بعد أن يضع نظارة الموضوعية والواقعية
"إن إلغاء المادة الثانية من الدستور الحالي قد يكون عسيراً في الوقت الحاضر حيث سيكون هناك دائماً من يزايدون ويصيحون
(واسلاماه.. واسلاماه)
ويؤكد الأستاذ/ مجدي خليل على ذلك في مقاله الأخير (رؤية قبطية للإصلاحات الدستورية) بقوله: "من الصعب حالياً الغاء المادة الثانية من الدستور".
وانطلاقاً من هذه الرؤية المنطقية والموضوعية يضع كلاهما حلولاً تتناسب والواقع المعاش
يقول د. سعد الدين إبراهيم: "ولكن الممكن والملح فهو استحداث مادة تقرر "الطبيعة المدنية للدولة والمجتمع، وعلى رئيس الجمهورية وبقية الهيئات السيادية أن تحمي هذه الطبيعة المدنية، ولا نتوقع جدلاً كبيراً حول استحداث هذا النص سواء كإضافة للمادة الأولى أو الثانية، أو كمادة مستقلة. فحتى الإخوان المسلمون، وحزب الوسط، ذو التوجه الإسلامي، يقولون في وثائقهم الأخيرة أنهم "مدنيون ذو مرجعية إسلامية".
ويقول أ/ مجدي خليل "إذا كان من الصعب حالياً إلغاء المادة الثانية من الدستور، فإنه لا بد من إضافة مادة تنص على مدنية الدولة وعلى فصل الدين عن الدولة، وأن المادة الثانية من الدستور لا تمس الحريات الأساسية الواردة في الدستور ولا مواثيق الحقوق الدولية التي وقعتها مصر. "وتستطيع أن تطلع على بقية اقتراحات الرجل والخاصة بهذا الشأن من خلال قراءتك لمقاله "رؤية قبطية للإصلاحات الدستورية"
ولأنني لا أعتقد في نفسي القدرة الفقهية السياسية ولا المقدرة على تفصيل ولو بند دستوري واحد كما يفعل عتاة ترزية القوانين والدساتير فإنني أكتفي هنا بما قاله هذا وبما ذكره ذاك
أشارككم يا سادة بالطبع - كما الجميع - في المطالبة بإلغاء أو على الأقل تعديل المادة الثانية من الدستور.
لكنني أدعوكم بقلب صادق – على الأقل الآن - أن كفانا ما أهدرناه من ورق
وكفانا ما استنفذنا إياه من مداد الأقلام
فلنحاول أن نصنع لنا معاول من حديد
معاول تصلح حقاً لتحطيم الصخور
وقد يكون لحديثنا هذا بقية
وأقول (قد) إن شاء الرب وعشنا
لا أنا بل نعمة الله التي معي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah