الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إبن عربي

رحيم العراقي

2007 / 1 / 29
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مؤلف كتاب :إبن عربي هو الباحث ويليام س. شيتيك المختص بالدراسات العربية والإسلامية. وهو يقدم هنا فكرة عامة ومفصلة عن واحد من أهم فلاسفة العرب والإسلام: محيي الدين بن عربي. فلم يكن متصوفا كبيرا وإنما كان أيضا عالما وفيلسوفا كبيرا. ومعلوم أنه ولد في الأندلس ثم استقر لاحقا في المشرق، بل ومات في دمشق حيث لا يزال قبره يزار هناك وأنه يتبرّك به.
وقد ولد في موريسيا بإسبانيا عام 1165 ودرس في إشبيلية حيث بقي هناك فترة عشرين سنة. ودرس خلال هذه المدة الطويلة كل العلوم الكلاسيكية للإسلام من لغة وعروض ونحو وصرف وفقه إسلامي وأدب وتاريخ، الخ. ثم انطلق بعدئذ لزيارة كبريات المدن الأندلسية والمغاربية بحثا عن العلم أو تكملة له.
ثم غادر المغرب بعد عام 1201 وكان قد تجاوز الخامسة والثلاثين وذهب إلى المشرق للاطلاع على أحواله وعلومه. والواقع أن المغاربة والأندلسيين كانوا قد ابتدأوا يشكون بتوجهه الصوفي الباطني فاضطر إلى السفر إلى مكان آخر لعله يجد في المشرق تفهما أكثر لمواقفه وتوجهاته الروحية والعلمية.
وقد زار مصر أولا ثم سوريا فالعراق فتركيا حيث أغدق عليه الأمراء عطاياهم وهداياهم وشملوه بحمايتهم ونعمتهم. ويبدو أن أمراء السلاجقة أعجبوا به وبعلمه الغزير وفهمه العميق للإسلام الحنيف فلم يبخلوا عليه بالغالي والنفيس.
وفي عام 1225 غادر منطقة الأناضول وذهب إلى دمشق لكي يستقر فيها ويعيش حتى مات بعد خمسة عشر عاما من ذلك التاريخ، أي عام 1240. وكان قد تجاوز الخامسة والسبعين أو ناهزها.
ثم يردف المؤلف قائلا: في الواقع أن عقيدة ابن عربي مشكلة من عدة تيارات: دينية، وفلسفية، وصوفية. وبالتالي يصعب تحديدها بشكل نهائي ودقيق. إنها تعتمد على نظرية وحدة الوجود. وهي نظرية تقول ان الكون كله يصدر عن الله كما تصدر الجزئيات عن الكليات.
ويرى ابن عربي أن كل الأديان السابقة على الإسلام لم تكن إلا مسارا طويلا للوصول إليه، وبالتالي فقد أرهصت به ومهدت له الطريق. ينتج عن ذلك أن الإسلام هو الدين الكوني الذي يشتمل على جميع الأديان، وأن محمداً (ص) هو خاتم الأنبياء والمرسلين.
ولهذا السبب فإن ابن عربي أسس التسامح في الدين الإسلامي لأنه اعتبر أن جميع الأديان تؤكد على حقيقة واحدة هي الحقيقة التي جاء بها الإسلام. وبالتالي فلماذا نكرهها أو نحتقر أتباعها؟ لماذا لا يتسع قلبنا لجميع مخلوقات الله؟
وللأسف فإن المتعصبين لم يفهموه ولم يدركوا أبعاد هذا التفكير الكوني الواسع الذي دشنه، ولذلك فقد انتقدوه بشدة، بل وكفّروه. وهنا تكمن مشكلة الفلاسفة والمفكرين الأحرار في الإسلام، فالعامة لا تستطيع فهمهم والفقهاء الصغار يكرهونهم نظرا لاتساع أفقهم العلمي والعقلي الذي يتجاوز مداركهم، وبالتالي فإنهم يتعرضون للمحاربة العنيفة باستمرار.
ثم يردف المؤلف قائلا بما معناه:
ينبغي العلم بأن الفلسفة العربية الإسلامية لم تمت مع ابن رشد، وإنما استمرت في الوجود من خلال ابن عربي في المغرب والسهرمدي في المشرق. ولكن الحيوية الفكرية في الأندلس ماتت بسبب الفهم المنغلق والحرفي الأعمى للعقيدة ثم بسبب نسيان جوهر الدين والتركيز على القوالب الخارجية القسرية والطقوس الشكلانية الجافة. ولهذا السبب ماتت الفلسفة بعد أن ازدهرت لعدة قرون في الأندلس والمغرب الكبير.
وقد تحدث ابن عربي عن اللقاء الوحيد الذي جمعه بابن رشد الذي كان قد بلغ أوج مجده في نهاية عمره، هذا في حين أن ابن عربي كان لا يزال في أول شبابه. وقال بما معناه: لقد زرت أبا الوليد ابن رشد في بيته بقرطبة بناءً على رغبته في رؤيتي والاستماع إليّ.
وكان قد سمع بالإلهام الذي حباني الله به في عزلتي الروحية. وقد أبدى دهشته مما سمعه عني... ولهذا السبب فإن والدي الذي كان صديقه الحميم أرسلني إليه في أحد الأيام لكي يراني ويعرف من أنا بالضبط.
وما إن دخلت البيت حتى نهض ابن رشد من مجلسه وأقبل عليّ بكل ترحاب وعززني وكرمني بل وقبّلني. ثم أجلسني إلى جانبه لكي يتحدث معي ويرى ما أملكه من علم... ثم قال لي: نعم، (أي نحن متفقان)، فقلت له: نعم...
وعندئذ شعر بالارتياح وبدا الانشراح على وجهه واعتقد أني من تلامذته وأتفق معه في كل شيء. ولذلك استدركت قائلا: لا! فاغتمّ وبان الحزن على وجهه وتغير. وبدا وكأنه يشك في تفكيره والعقيدة الفلسفية التي توصل إليها. وعندئذ سألني: ما هو الحل الذي توصلت إليه عن طريق الإشراق والإلهام الرباني؟ وهل هو متوافق مع ما نتوصل إليه نحن عن طريق الفلسفة أو الفكر البرهاني؟
فأجبته: نعم، ولا! وذلك لأنه بين النعم والـ لا فإن الروح تنطلق حرة خارج مشروطية المادة والأعناق تنفصل عن أجسادها! وعندئذ اصفرّ وجه ابن رشد ورأيته يرتجف وهو يتمتم قائلا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. والواقع أنه فهم مقصدي العميق وما أشير إليه وعرف أنه يتجاوز فلسفته العقلانية المنطقية أو يفترق عنها بعد أن يهضمها ويستوعبها.
ثم يردف المؤلف قائلا: هكذا نلاحظ أن ابن عربي الذي يصغر ابن رشد بأربعين سنة كان أحد تلامذته الذين استفادوا منه في البداية ثم خرجوا عليه. لقد استفادوا من علمه وعقلانيته البرهانية وفلسفته، ولكنهم تجاوزوها بعدئذ إلى ما هو أبعد وأعمق؛ أي الفكر الإشراقي، الصوفي، الروحاني.
بهذا المعنى فإن ابن عربي كان يمثل التيار الآخر من الفكر الأندلسي والعربي الإسلامي في مجمله. كان يمثل التجربة الروحية والصوفية الكبرى في تاريخ الإسلام، في حين أن ابن رشد كان يمثل التيار العقلاني المحض. ولهذا السبب قال له أولا: نعم،
ثم أردف قائلا: لا! (بنعم) كان يقصد أنه متفق معه على أهمية العقل وضرورة استخدامه، و(بلا) كان يقصد أن العقل وحده لا يكفي للوصول إلى الحقيقة الإلهية وإنما ينبغي أن نفتحه أيضا على الخيال والإلهام والتجربة الروحانية العميقة. وهذا ما أهمله ابن رشد بسبب استغراقه بفلسفة أرسطو الواقعية والمادية أكثر من اللزوم.
لقد شعر ابن عربي أن فلسفة ابن رشد قد ماتت أو وصلت إلى نهايتها بعد أن استنفدت كل إمكانياتها وطاقاتها. وبالتالي فإن الفكر العربي الإسلامي بحاجة إلى انطلاقة جديدة، وهذه الانطلاقة الرائعة سوف يكون رائدها وزعيمها محيي الدين بن عربي.
وعلى هذا النحو ظهرت كتبه الأساسية كالفتوحات المكية، والنصوص والحكم، وترجمان الأشواق، وغيرها من روائع الأدب والفكر العربي ـ الإسلامي. بهذا المعنى فإن ابن عربي كان وريثا للأنبياء طبقا للكلام المأثور: العلماء ورثة الأنبياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ..هل يستجيب نتنياهو لدعوة غانتس تحديد رؤية واضحة للحرب و


.. وزارة الدفاع الروسية: الجيش يواصل تقدمه ويسيطر على بلدة ستار




.. -الناس جعانة-.. وسط الدمار وتحت وابل القصف.. فلسطيني يصنع ال


.. لقاء أميركي إيراني غير مباشر لتجنب التصعيد.. فهل يمكن إقناع




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - نحو 40 شهيدا في قصف إسرائيلي على غ