الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار هادىء مع السيدة وفاء سلطان

عبد الرحمن سليمان

2007 / 1 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


السيدة وفاء سلطان من الوجوه والشخصيات التي باتت معروفة اعلاميا خلال السنوات الاخيرة ، وهي أيضا كاتبة محترمة لاينقصها الحجة والبرهان للدفاع عن وجهة نظرها ، علاوة على كونها طبيبة ومختصة في علم النفس ، مما يضفي وفي أغلب الاحيان ، طابع التماسك على خطابها ومقالاتها التي لاتخلو من عقد المقارنات الصحيحة بين أساليب التربية والتوجيه وتأثيراتها البالغة الاهمية في الشخصية الشرقية أو الاسلامية تحديدا ، مع الشخصية الغربية والامريكية على وجه الخصوص . هذا ان علمنا بأنها وليدة العالمين معا . ومن المزايا النادرة والمفيدة والقليلة للهجرة ، هي تلك التي تجعلنا نزن التجربتين بميزان الحيادية والموضوعية اللازمتين لاْية دراسة أومقال أو بحث يتوخى الدقة العلمية حين يتناول مواضيع بالغة الحساسية ، كالدين والتاريخ والهوية !!ا

وبطبيعة الحال لي ملاحظاتي الخاصة على البعض من أفكارها ، والتي وددت تأجيلها لوقت لاحق ، لولا ندائها النبيل في مقالها الاخيرعلى صفحات الحوار المتمدن والذي تقول فيه : " ياكتاب العربية في كل أصقاع الارض ، اني بحاجة اليكم ، ولا أستطيع أن أؤدي رسالتي بدونكم .... " . بدءا أود القول ياسيدتي الفاضلة ، بأنك لست وحيدة ولست الوحيدة في وجه هذا التيار الجارف من الجهل والتزوير والخرافة , فثمة من دفع ثمن مواقفه المشرفة تهجيرا مثل :الاستاذ نصر حامد أبو زيد والاستاذ أحمد صبحي منصور وحصارا كالاستاذين حسن حنفي والسيد القمني ، بل وحتى اغتيالا كالمفكر حسين مروة والكاتب فرج فودة ، ومئات آخرين أمثالهم يظلوا بمثابة الشموع التي تكفي واحدة منها لهزيمة كل الظلام ، غير أن المعركة أعقد بكثير من هذه الصورة المبسطة . كما أن معك الملايين من المسلمين قبل العلمانيين ، ممن تنحصر تجربتهم الدينية في الاطار الشخصي البحت ولايختلفون كثيرا عن غيرهم من الديانات الاخرى في التفسير والتأويل لمفاهيم الخير والشر بعيدا عن الاحاديث والعنعنات والقراءات الاحادية للنصوص الدينية التي وظفت دوما لتفسير سياسي يفرغها من المحتوى الوجداني والروحي الخالص ، ومن هؤلاء آبائنا البسطاء وأمهاتنا يوم لم تكن السياسة موضوعا شعبيا!!ا

لاأعتقد ياسيدتي ، بأفضلية دين على دين آخر حين تقولين : " المسيحية كلغة أثبتت صلاحيتها لخلق انسان مهذب ، خلوق ، منتج ، مبدع ومسالم .." ، ان كنت تعتقدين بأن التهذيب والانتاج والاخلاق والابداع راجعة فقط للديانة المسيحية دونها من الديانات ، فانك تتسرعين في الحكم وتغفلين حقائق تاريخية مهمة ومنها أن خروج أوربا المسيحية من القرون الوسطى مرت عبر حروب دينية مأساوية أستمرت قرونا طويلا لغاية القرن السادس عشر ، وفي عصر الانوار الذي أستمر زهاء قرنين لاحقين ، أستطاع العقل أن يفرض سلطانه على الجميع في النهاية ، وتمكنت العلمانية عبر وسائل متعددة من بينها الاقناع أن تلفت نظر الكنيسة بأن جذور العلمانية ذاتها تكمن في قول المسيح : " ما لله لله وما لقيصر لقيصر " حيث أعتبرته النواة الاولى لفصل الدين عن الدولة ، بل وأقنعت جمهور المؤمنين بأن العلمانية هو جزء من التراث المسيحي ، ومن حينها سجل العقل الاوربي أول انتصاراته الكبرى !!ا

ان التهذيب والابداع تساهم فيه أيضا قواعد العمل وتقسيمه وفق الاختصاص والكفاءة والدقة والانضباط الذي يجد في نهاية المطاف انعكاساته في اللغة التي تقصدين ، والا كيف يمكن أن نفهم هجرة وتواجد البروتستانت في المراكز الصناعية المتقدمة وقوقعة الكاثوليك في الجنوب الاوروبي الاقل تقدما وهما من مسيحية واحدة ؟

قلت أن اللوحة معقدة عندنا ، وما يزيدها تعقيدا هو ما يضاف اليها في كل حقبة وعصر ، من التشوهات التي تنشأ من تضارب المصالح والسياسات التي لاترى في الدين الا تلك المؤسسة البالية التي تنهي وتأمر وتكفر وتفسر كما تشتهي النخب السياسية الفاسدة التي لادين لها ولا ضمير والتي تصر على التحكم برقابنا جيلا بعد جيل . وتعادي عقولنا وتسجنها وتسخر منها في العلن وتصافح من تدعي محاربته في السر . في باريس حيث أعيش ، أصدر المفكر الفرنسي الشهير " ريجيس دوبريه " قبل بضع سنوات كتابا بعنوان : " النار المقدسة " ، في خضم النقاش الذي كان يدور حول مسألة الحجاب وتداعياتها الكثيرة التي جرت مسألة العلمانية لبساط البحث وحيث وجد الخطاب العنصري المألوف ضالته ليهاجم العرب والمسلمين كالعادة ، موضوع الكتاب يدور حول أنطباعات دوبريه وهو الصديق القريب لتشي غيفارا ، أيام ثورة الفقراء اللاتينية في أوائل الستينات ، يقول : " ان معظم الفلاحين المشاركين في الثورة كانوا مؤمنين بايمانات دينية ، ولكنهم كانوا ضد الظلم " ويستدرك في مقابلة تلفزيونية قائلا : " ان الدين ليس أفيونا للشعوب وانما هو مهدىء للفقراء " !! ا

اني أتسائل ربما مثلك ياسيدتي الفاضلة ، كيف السبيل لاْزالة هذه القناعات الراسخة رسوخ الجبال والمتناقلة عبر الاجيال منذ قرون بدون أو بأقل مايمكن من دماء ودموع وأيتام وثكالى وهجرات ؟

ربما أختلف معك بأن العنف والقسوة وأسلوب الصدمة والترويع ، ليست هي السبل المثلى ، ولا يمكن لهذه الامة الا أن تختار طواعية ، وفي اختيارها موتها وفناءها وعبودتها الدائمة وفيه أيضا خلاصها وانعتاقها ودخولها الذي لامناص منه للعصر الذي تبغين ونبغي جميعا .. تحياتي واحترامي والى الامام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج