الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الحوار

أحمد حيدر

2007 / 2 / 1
المجتمع المدني



افتتاحية العدد الثاني من مجلة – نرجس

ثمة بديهية ، بات لزاما علينا إدراكها،واستيعابها،ولم تعد تحتمل المواربة أوالتنصل منها ، نظرا لأهميتها، وحساسيتها في ظل مايشهده الواقع من أحداث وتطورات خطيرة ، وأن أي سعي إلى إلغائها، وتحت أية ذريعة كانت سعي عقيم ، وهي :ان الهوية الثقافية ومكوناتها لا تقوم على المطابقة ، والتماثل ، إنما على التعدد ، والتنوع الذي يفضي إلى إثراء المضمون الحضاري لمفهوم الهوية الثقافية ( ويمكن أن تكون مركبة - حسب رأي الدكتور كريم أبو حلاوة - ومفتوحة ، ومرنة وقابلة لإعادة التشكيل ، وهي مرهونة بقدرة المجتمع على تأمين وإشباع الضروري للحاجات الثقافية والجمالية والروحية لأفراده ،لا عادة صياغتها بما يتوافق مع المهام المطروحة ويستجيب للحاجات المتجددة )
وأمام هذه المعطيات التي تفرض نفسها علينا ، نرى أن الحوار العقلاني – المدخل لفهم الذات أولا ، وفهم الآخر ثانيا – بين مختلف مكونات المجتمع ، وتياراته (واجب عين ) و ضرورة للتواصل الإنساني ، من اجل إزالة الغبش ، وإجلاء الحقائق ، للوصول إلى قواسم مشتركة تؤسس لدينامية مغايرة ، تضمن استقرار وأمن المجتمع ، ونسيجه الاجتماعي والسياسي ، تكون مقدمة لإعادة النظر في الفضاء الثقافي الراهن ، ترفع الأوابد عن الإبداع ، وآفاق الثقافة الجديدة التي تشجع الحوار في كل الحقول والأصعدة ، الحوار الوطني الديمقراطي ، تنبذ القمع الفكري ، والتطرف ، والمغالاة ، وتؤصل الحرية لرأي الآخر ، واحترامه ، بدلا من مصادرته .
وعليه ، فالحوار بحاجة إلى ثقافة جديدة ، وفكر يحترم التعددية والاختلاف ، والإقرار بان
( الحقائق المجتمعية ماهيات مركبة ذات وجوه وأبعاد ، لا جواهر بسيطة مطلقة ذات بعد واحد) إضافة إلى الانعتاق من نزعة الانكفاء ، المقيدة للحوار العلني –يتميز بالصدق والشفافية - بين الثقافات الوطنية الأخرى: الكردية ، والسريانية ، والآشورية ، والأرمنية .. ومن الفكر المسبق القائم على نفي الآخر
( الذي يقطع الطريق على أي تفكير ) كما يرى سيروس .
واعتماد الحوار في إدارة الخلافات المجتمعية ، دليل على نضج ،ورقي المجتمع يتطلب تجاوز خطاب ( الخصوصية الثقافية ) الثابتة ، في عالم متغير ، وإيجاد علاقات جديدة مع الآخر ، ترتكز على مبدأ التعددية وحق الاختلاف، بعيدا عن إقصاء المغاير ، والتفرد في الرأي ، أومحاولة فرضه على الآخر. الذي من شأنه إثارة التفرقة ، والتوتر ، والاحتقان ، لا أحد يتكهن بعواقبه ، تنبه له الإمام علي ابن أبي طالب في مقولته الشهيرة: ( من استبد برأيه هلك ، ومن شاور الرجال شاركهم في عقولهم ) كما ان منطق الاختلاف يتكامل عبر الحوار ، لتحقيق توافق في الآراء ،ولا ينبغي أن يتوقف عند الأحكام القاطعة ، وهذا ما عبر عنه الإمام الشافعي بقوله: ( رأينا صواب محتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب )
والحوار الذي الأصل فيه الاختلاف ، والاختلاف هو التباين في الرأي ، والمغايرة في الطرح ، وقد ورد فعل الاختلاف في القرآن الكريم ، في العديد من الآيات منها قوله تعالى :( فاختلف الأحزاب من بينهم ) مريم ، وقوله تعالى : ( وأرجلهم في خلا ف) المائدة ، وقوله تعالى:( ويحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه مختلفون) البقرة ، وجاء في الحديث الشريف:(اختلاف أمتي رحمة)
وجاء في كتب السيرة ان ابن مسعود اختلف مع أمير المؤمنين عثمان بن عفان في مسألة إتمام الصلاة في سفر الحج ، لكنه لم يخالف ، وقال : الخلاف شر ، قد يودي الى القطيعة ، ثم أتم الصلاة خلفه .
ويرى العلامة ابن القيم: ( ان وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم ، وإفهامهم ، وقوى إدراكهم ، ولكن المذموم بغي بغضهم على بغض وعداواته ) والاختلاف لا يدل على القطيعة بل على بداية الحوار الذي من شأنه تعزيز التقارب ، وإزالة الحواجز المتراكمة من سوء الفهم المتبادل بين الشعوب التي عانت من الويلات ، جراء التعصب ، وسوء الظن ، والعنف ...الخ
ويستلزم في الحوار- الذي من دونه يستحيل تطور الفكر البشري- توافر عنصر الإرادة ، والتحلي بالشجاعة الكافية لمواجهة الأفكار الهشة ( التي تختزنها الذاكرة الشعبية لثقافة شعب من الشعوب عن ثقافة شعب آخر ) ومن المورثات الهشة
( الماضوية) التي تسبغ عليها هالة من ( القداسة ) تحرم النقاش فيها و لا تقبل النقد . وتسد منافذ الحوار . فلا يمكن لأي حوار منشود أن يكون فاعلا ومنتجا ، دون امتلاك أدوات الحوار الحقيقية، الذي يعتبر النقد احد عناصره الرئيسة .
إضافة إلى عناصر أخرى تعين على إزالة التراكمات وتمهد للحوار ( الفضاء الخصب لتبادل المعارف الإنسانية وامتزاجها الخلاق ) على قاعدة التنوع منها :
القبول بالقيم الديمقراطية ، وحقوق الإنسان ، وفتح المجال أمام المنظمات الأهلية ، والمجتمع المدني في صياغة السياسات الثقافية .
من هنا ، تأتي دعوة ( نرجس ) إلى تفعيل الحوار الديمقراطي ، وتوسيع دائرته ، ليشمل النخب الفكرية ، والقوى الثقافية الفاعلة والقادرة على اكتشاف المساحات الحضارية المشتركة ، وبلورتها ، والانطلاق منها في أية مبادرة ثقافية .
ونسعى أن تكون ( نرجس ) منبرا حرا للمقاربات الإبداعية الجديدة ، والرؤى المغايرة التي تساهم في تحريك الساكن ، في الراهن الثقافي .
نؤكد مرة أخرى ، على استقلالية ( نرجس ) وعدم انتمائها سوى للموهبة ، ونرحب بجميع المساهمات ، والآراء التي تسهم في اغتناء الفضاء الثقافي المنشود وتحفظ رسالة الحرف السامية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما


.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: يجب إنهاء الحرب التي تش


.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر




.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..