الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب الغربي المفلس حول الحرية والديمقراطية

سعيد أراق

2007 / 2 / 2
المجتمع المدني



علاقة الإنسان بالحرية هي الوجه الآخر لعلاقته بوضعيته الوجودية. الحرية ليست بالضرورة شرطا بل هي تقويض للشروط, وهي مراودة للمتاح, وهي في نفس الوقت سيرورة بحث عن سبل تنصيب النماذج المتجددة للكينونة الإنسانية الفردية والجماعية. فالديمقراطية مثلا هي النموذج الذي أرست أسسه بعض المجتمعات, وحولته إلى نسق اشتراط فكري وإنساني محدِّد لمستويات التعايش الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. ومن هذه الزاوية, ليست الديمقراطية نفسها سوى ارتهان للشرط الجماعي والإجماعي الذي ارتضته مجتمعات معينة في لحظة تاريخية معينة. لكن الديمقراطية ليست هي المعادل الخالص للحرية, وليست هي الإحالة المباشرة على استيفاء الحق وانتهاج الواجب. ويكشف المآل التاريخي لمجموعة من المشاريع الوطنية التي تستظل مرجعيا بشعار الديمقراطية, أن أكثر الناس دفاعا عن الديمقراطية هم أكثر الناس انتفاعا من تدبيراتها. يقول "فرانسوا غيزو" François GUIZOT : " هذه هي المصادر التي تستمد منها الديمقراطية كل قوتها: إنها راية كل الآمال, وكل الطموحات الاجتماعية للجنس الإنساني, سواء تلك الطموحات الطاهرة أو الدنيئة, الحكيمة أو الرعناء, الممكنة أو الوهمية[1]".

إن المحرك الجوهري لكل نوابض التطلعات الإنسانية على مر التاريخ كان ولا يزال هو العدالة الاجتماعية. وحتى الحرية من حيث هي قيمة إنسانية, لا تطرح إلا باعتبارها الشرط اللازم والملازم لكل عدالة اجتماعية ولكل ديمقراطية. وهذا الفهم التاريخي والتقليدي للديمقراطية, جعلها تنحصر ضمن مفهوم تاريخي وجغرافي ضيق, والدليل على ذلك أن المجتمعات التي أضحت تستند نظريا وعمليا إلى التدبير الديمقراطي, لم تلتزم تاريخيا وإنسانيا بالنهج الديمقراطي في علاقاتها بما يعتبر في رأيها مجتمعات غير ديمقراطية. ومعنى هذا أن الديمقراطية في صيغتها الغربية على وجه التحديد, مارست إشعاعها من خلال ولوجيات العدالة الاجتماعية, لكنها لم تلتزم في المقابل بالممارسة الديمقراطية ذات البعد الأشمل, ونقصد به البعد الإنساني. ومعنى هذا أن الديمقراطية الغربية هي ديمقراطية مجتمعية بحصر المعنى, وليست ديمقراطية عبر-مجتمعية trans-sociétale, بمعنى أنها ديمقراطية تشمل المجتمع الغربي في إطار حدوده الوطنية الضيقة, ولا تنفتح على المواطن الكوني أو المجتمعات الواقعة خارج المركزية الغربية. والأمثلة على ذلك كثيرة: الكيل بمكيالين حين بتعلق الأمر بالتعامل مع الفلسطينيين والإسرائيليين, التضييق على حماس رغم وصولها إلى الحكم من خلال انتخابات ديمقراطية نزيهة, اجتياح العراق دون الالتزام بالشرعية الدولية...الخ.

ونحن نعلم أن هذا الوضع لا يعكس قصورا في فهم الديمقراطية من حيث هي كذلك, وإنما يحيل على ممارسة الديمقراطية وفق منطق انتقائي قائم على الحسابات المصلحية. ومن ضمن الأسباب الرئيسية التي تيسر على الغرب مهمة الضغط على/والتحكم في الأنظمة العربية وتسخيرها وفق أهوائه ومصالحه, هو غياب التدبير الديمقراطي في الدول العربية. والمشروع الذي طرحته الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص نشر الديمقراطية في العالم العربي, ليس سوى مادة للاستهلاك والترويج الإعلاميين. إن إبقاء العالم العربي ضمن منظومة الدول ذات التدبير المزاجي والسياسات الاعتباطية والانتهاجات اللاعقلانية, يجعل الأنظمة العربية في وضع من الهشاشة المستمرة, ويخلق فرص اختراقها وييسر سبل الضغط عليها وتوقع ردود أفعالها, ما دام أن كل ما يهم الحكام العرب هو البقاء في مناصبهم حتى لو كلفهم ذلك التحالف مع الشيطان أو مصادرة المصالح الوطنية والقومية. لقد أثر عن "لابوميل" قوله: " كلما أتيح للسياسي المحنك اقتراف جريمة في مصلحته, تأكدوا أنه سيقترفها دون تردد[2]".

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس مجلس النواب الأميركي: الكونغرس يدرس معاقبة -الجنائية ال


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: المعابر البرية الطريقة




.. أمل كلوني: شاركت بجهود قانونية في قرار اعتقال كبار قادة إسرا


.. ما هي عواقب مذكرات اعتقال الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالا




.. عقبة أمام -الجنائية الدولية- حال صدور قرار اعتقال لقادة إسرا