الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطرف بين الهوس و الخيانة

محمد الخالدي

2007 / 2 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد درج الكثيرون على الربط بين العنف الممارس باسم الدين و التدين ، فكأنما كل ما زاد تدين الإنسان زاد تشدده و تطرفه،مما أثر بشكل كبير على استراتيجيات مكافحة ظاهرة " العنف الديني " سواء على المستوى المحلي أو الدولي، فأصبح الكثيرون يراهنون على تراجع المشاعر الدينية كعامل فعال في مواجهة التطرف الديني، فذهب البعض إلى ضرورة تقليص دور الدين و المؤسسات الدينية كالمساجد و المدارس الشرعية في حياة الناس خصوصا الشباب منهم، إلا أن استمرار ظاهرة العنف الديني رغم كل المحاولات التي بذلت في هذا الاتجاه،و تورط شباب ذو ثقافة دينية محدودة و ماضي سلوكي يعارض تعاليم الدين ، بل و الأكثر من ذلك انتشار هذه الظاهرة بدول قامت على أساس القيم العلمانية الصارمة التي تصل حد معاداة أي تدخل للدين في الحياة العامة ، ومعطيات أخرى تمس منظور الشباب "المتطرف" للدين و الحياة و التعامل مع الأخر ،هذا المنظور الذي كان غالبا ما يبدو مخالفا لمقاصد الدين و مبادئه، مما أصبح يفرض علينا الإجابة بجدية على سؤال نظنه مهما بل و مفتاحا لفهم العلاقة الحقيقية التي يمكن أن تر بط التدين بالتطرف الديني : هل المتطرف إنسان متدين؟
للإجابة على هذا السؤال ينبغي أولا أن نحدد مفهوم التدين.
التدين هو الالتزام بمبادئ الدين و تعاليمه العقائدية و السلوكية ، لكن هل الالتزام بالطقوس و الشعائر الظاهرة يكفي ليكون الإنسان متدينا ؟
إن الاسلام ربط بشكل كبير بين الظاهر و الباطن ، و بين الطقوس التعبدية الخالصة لله و معاملة الناس، فالمؤمن ليس فقط ذلك الذي يُصلح ظاهره بل ينبغي عليه بالإضافة إلى ذلك أن يُصلح نيته و غاياته، فيكون ظاهره و باطنه و أهدافه و غاياته مكونة لكُلِّ منسجم متجه في كل حال إلى رضوان الله.
إن المؤمن بحق ليس ذلك الإنسان الذي يسعى لأداء حقوق الله غير آبه لحقوق الناس، بل إن حرصه ربما كان أشد عندما يتعلق الأمر بحق من حقوق الناس ، لِعلمه بأن باب رحمة الله مفتوح في كل وقت ، أما التقاعس عن أداء حق إنسان أو الاعتداء عليه فأمر ربما يصعب تصحيحه.
هذا إلى جانب أن المؤمن يعرف أن حقوق الناس من حقوق الله.
إن المؤمن لا يتجرأ على المساس بحق إنسان كائنا من كان، وكيفما كان حقه، حياته أو ماله و شرفه أو أمنه أو كرامته.. و لنفهم ذلك علينا أن نتأمل سيرة الأنبياء الذين يمثلون ذروة التدين و الإيمان ، فلقد كانوا يفضلون أن يكونوا مظلومين مقتولين على أن يكونوا ظالمين أو قاتلين.
لقدكان الواحد منهم يمسح الدم عن وجهه و هو يقول : رب اغفر لقومي إنهم لا يعلمون..
إن المؤمن حريص على هداية الناس، مشفق عليهم ، محب لهم ، يتمنى لهم الهداية و النجاة.
أليس من حقنا ان نتسائل :هل المتطرفون يجسدون جوهر الإيمان و التدين ؟
و إن كان الجواب بالنفي فبماذا نصف سلوكياتهم المتلبسة بلبوس الدين؟
هنايلزم أن نميز بين مظاهر الدين و جوهره.
إن الذين قتلوا عثمان بن عفان كانوا يدعون أنهم يفعلون ذلك نصرة للحق و العدل، فهل مثله يقتل؟
و إن الذين قتلوا عليا بن أبي طالب ، وادعوا أنه قد كفر، كانت جباههم تتورم من كثرة السجود ، فهل مثل علي يتهم بالكفر؟
إن ضحايا التطرف و العنف ، كانوا من خيرة الناس و من أفاضل الناس،
من عثمان و علي مرورا بكل الفقهاء و الفلاسفة و المتصوفة الذين اضطهدوا من اجل مبادئهم كمالك و ابن حنبل و البخاري و ابن رشد و السهروردي......
وآخر ما سمعنا محاولة جماعة متطرفة اغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ، بسبب انتمائه الطائفي.
فهل الدين هو الذي يحرك هؤلاء القتلة ؟ حتما لا
ليس الدين هو الذي يحرك المتطرفين بل هو الهوس الديني، إنها رغبتهم في الوصول إلى ما يعتبرونه ذروة الإيمان دون كبير عناء، فجريمة تكفي بالغرض.
إن الهوس الديني في آلياته السيكولوجية شبيه بالهوس الجنسي و الهوس السلطوي ، مركبات نقص تقود إلى التطرف في البحث عن إشباعات حتى لو كانت وهمية.
إختلالات نفسية ممزوجة بالجهل المركب المتمظهر بمظهر العلم المطلق المحيط بالحقيقة، فيتصور المرء نفسه قديسا بعثه الله لتطهير الأرض من الفاسقين.
إن الجهل عندما يقترن بالكِبر يؤدي إلى الكوارث ، خصوصا عندما يحيط نفسه بهالات من القداسة تمنع الآخر من مساءلته بل وحتى من مجرد التشكيك فيه.
إن المتطرف ليس بالمتدين ، بل هو مهووس بالدين ، مسكون بالرغبة في الظهور بالمظهر الديني،واختزال الإيمان في جوانب من الحياة محددة، و التصرف على الدوام بمنطق الوصي على الدين.
إن وصفنا المتطرف بالمهووس دينيا، هو أقل وصف له لأنه يقوم على افتراض حسن النية المطلقة به .
أما لو استدنا فقط إلى التحليل المنطقي للوقائع، دون نظر لأي عامل نفسي، فلا يمكن أن نقول عن هذا الذي يقتل و يُكفر صحابيا إلا أنه خائن،
و لا يمكن أن نصف من يحاول أن يقتل مقاوما إلا أنه خائن و عميل، ولا يمكن أن نتهم من يغتال مفكرا بأقل من اعتباره عدوا.
ولنتأمل ختاما مايلي :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قتال المؤمن كفر وسبابه فسوق، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث أيام
(رواه أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص)
وقال: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما .
(رواه مالك من حديث عبد الله بن عمر)
و قال:من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا(رواه مسلم، كتاب الإيمان )
محمد الخالدي
الخميسات
01/02/2007
02h35
صباحا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah