الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان أولا ... الإسلام ثانيا

حسني أبو المعالي

2007 / 2 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يتسن للانسان العربي عبر تاريخه الطويل ان يعيش حياة اجتماعية وفكرية سليمة، تكتنفها السعادة، وتحتويها الألفة والمحبة، ويمارس فيها نشاطاته وفق مبدأ العمل الجماعي الذي يفرض عليه حالة من التعود على الإيثار والتضحية والذوبان مع إخوته وأصحابه من أجل العمل لمصلحة الجميع. فالنظم السياسية العربية الشمولية المتعاقبة بما في ذلك العهود الإسلامية قد أسست نظاما اجتماعيا وتربويا خاصا رسمت من خلاله هيكلا للفرد العربي وبرمجته بما يتفق ومنهجها الاحتكاري الاستبدادي السلطوي وجعلت منه إنسانا متناقضا ومختلفا مع ذاته، فهو من جهة أناني لا يحب ولا يرى إلا نفسه عندما يكون حاكما؛ ومن جهة أخرى فإنه لا يعرف سوى أن يكون تابعا وذليلا عندما يكون محكوما، وضيعت عليه الفرصة في أن يكون في عمله فردا ايجابيا تفتخر به أمتنا أمام شعوب العالم باعتباره أثمن رأسمال في المجتمع. ومع ذلك فقد خرجت من المجتمعات العربية استثناءات كثيرة تعي دورها الإنساني، وهي تلبي في حدود امكانيتها ما تراه مناسبا لخدمة الصالح العام كالفلاسفة والعلماء في مجالات شتى وكذلك المبدعين والمثقفين بيد أن هؤلاء لم يسلموا من ظلم الحكام ولا من جهل التابعين لهم فأمسوا ضحايا القهر والتخلف على امتداد التاريخ العربي ومن ضمن من نود ذكرهم هنا بعض الذين اجتهدوا في الدين الاسلامي أمثال الامام الشافعي ومالك بن أنس وزيد بن علي وجعفرالصادق وأحمد بن حنبل وغيرهم من الذين بذلوا عصارة جهدهم من أجل تقريب الفكر الاسلامي المتنور من العقول الصماء؛ لكن تلك الاجتهادات لم تمنح العرب والمسلمين سوى مزيد من الخلافات والبؤس إضافة الى التخلف والجهل، لأنهم لم يستوعبوا معنى حرية تعدد الانتماءات المذهبية، ولا مفهوم الاختلاف واحترام الرأي الآخر؛ وخلافاتهم حولها جاءت نتيجة للتربية السياسية المطلقة ولعهود طويلة للحكام العرب والمسلمين ومنسجمة مع – الأنا – العربية التي لا تقبل الرأي الآخر أو تتفق على مبدأ معين ولهذا قيل عنهم – اتفق العرب على أن لا يتفقوا- وقد اختلف الأتباع من كل مذهب أكثر من اختلاف المجتهدين انفسهم فيما بينهم وتعصبوا لطائفتهم اشد من تعصبهم للدين وعبدوا أسيادهم في الحق والباطل بما يوازي عبادتهم لله سبحانه وتعالى؛ وكل يحاول أن يجير الإسلام لمنظوره الخاص ومفاهيمه الضيقة، الشئ الذي فتح عليهم نار الفرقة والتمزق وشوه المعاني الجميلة التي جاء بها الاسلام رحمة بالعباد – وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين - ولم ينته الأمر عند اختلاف وجهات النظر بل ذهب بعيدا حتى وصل حدود القتل والإبادة الجماعية تعويضا عن روح العمل الجماعي فإذا كان المسلم يقتل أخاه المسلم لمجرد اختلافه معه في المذهب – هذا ما عرفناه تأريخا ولمسناه حاضرا - فماذا سيفعل بالمسيحي والمندائي والبوذي والهندوسي الذين يختلف معهم في الدين؟
هذا الفعل التنافسي الحاد الذي لبس المجتمع العربي بفضل سياسة الرأي الواحد أبعد الكثير من مصابيح الكفاءات العربية في الفكر والسياسة والابداع من مزاولة نشاطاتهم داخل أوطانهم ما اضطرهم إلى الهجرة بعيدا عنها طلبا للحرية وحق الحياة، وبالتالي ظلت مدننا عائمة في بحر من الظلام، وشعوبنا ترزح تحت نير الجهل والتخلف، تمارس التقليد لا الإبداع، وتعتمد على نظام الاستهلاك لا الإنتاج، على الرغم من الخيرات الوفيرة التي تنعم بها بلداننا، الشيئ الذي دفع الغرب وأمريكا لأن يطمعوا بها ويختلقوا الحجج والتبريرات للاستيلاء عليها، وهكذا مهدنا بفعل الأنانية والجهل والظلام الطريق المعبد للاحتلال، وقبل ان نتهم الغرب بانتهاكه حرماتنا ونهبه ثرواتنا علينا أن نلوم أنفسنا أولا ونعالج أخطاءنا – لا يغير الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم – فنحن الذين قتلنا عليا وعثمان والحسين والحلاج واضطهدنا السياب والجواهري وأمل دنقل والبياتي وأدونيس وأبعدناهم عن ديارهم وهذه عينات فقط من مئات الشخصيات المضيئة التي سلب منها حقها في الحياة الكريمة، ناهيك عن الكثير من الكفاءات الشريفة في شتى المجالات كالأطباء والمهندسين ورجال القانون الذين سحقتهم آلة البطش العربية ولم نسمع عنهم شيئا؛ تلك هي مأساتنا وهذا هو واقعنا فتأريخنا حافل بالدماء والبطش والمؤامرات وحاضرنا زاخر بالقتل وبالاضطهاد وبالسجون. نعم نلوم أنفسنا لأننا لم نتفق يوما على المحبة تجاه عنصر الانسان الذي ننتمي كلنا إليه فكيف سنتفق على حب الإسلام الذي يفترض أنه جاء من أجل خدمة الإنسانية جمعاء ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي