الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلات حضارية؛الرحالة العرب وبلاد الروس

ناظم الديراوي
(Nazim Al-Deirawy)

2007 / 2 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



1
إذا كانت المدونات الروسية القديمة،ما قبل القرن العاشر الميلادي،لا تقدم معلومات حية وذات شأن هام عن وجود علاقات تجارية،أو سواها،بين سكان روسيا الوثنية والبلاد العربية والإسلامية فإن مصادر الجغرافيين والمؤرخين والرحالة العرب والمسلمين قد أشارت إلى أن العرب تبادلوا التجارة مع بلاد الروس.وجاء ذكر روسيا في كتابات ابن خرداذبة وابن حوقل وابن فضلان والمسعودي والمقدسي والطبري والإدريسي وابن سينان وابن بطوطة وغيرهم الكثير…ففي كتابه الموسوعي(أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم)ذكر العلامة المقدسي(ت:عام 985م)أن المسلمين كانوا يجلبون كثيراً من السلع من جنوبي روسيا وبلدان أوروبا الشمالية،عد منها؛الجلود والفراء والشمع والقلانس والعسل والسيوف.وأشار إلى أن المسلمين كانوا يستجلبون رقيق من الصقالبة.ويظهر في تعداد المستوردات،التي أوردها العلامة المقدسي،أنها كانت من البلغار؛فراء السمور والسنجاب والفاقم وابن عروس والثعلب،بالإضافة إلى جلود القندس والأرنب البري المرقش والماعز البري.كذلك الحديد والسهام والمراكب المصنوعة من خشب البتولا والقبعات الفرو وغراء السمك وأسنان سمك الفظ ونبات الخروع والعنبر وجلود الجياد المدبوغة والبندق والنسور والسيوف والدروع وخشب القبقب والرقيق الصقلبي والأغنام والماشية.وكان أهم ما يحمله التجار العرب إلى الأقاليم النائية المنتجات الزراعية المصنعة بما فيها الأعناب والسمسم والحلويات،والعباءات والسجاد والقماش الخشن والملابس الملونة والتحف والأقفال والأقواس والجبن والخميرة والسمك والقوارب وغيرها من المنتجات.
هذا وسلك التجار العراقيون أثناء تنقلهم بين العراق وبلاد الروم البيزنطيين وشرق أوروبا،عدة طرق،كان أهمها الطريق الذي ربط مدن العراق الكائنة في شمالي الجزيرة الفُراتية والموصل،حيث يصعد الطريق شمالاً حتى ينتهي به المطاف عند مدينة القسطنطينية أو طرابزون.وذهب بعض التجار البغداديين إلى حوض نهر الفولغا،وكانوا يلقون معاملة طيبة،ويدفعون ضريبة قدرها عشر قيمة البضاعة التي يحصلون عليها وكانوا يجلبون من هناك أنواع مختلفة من الفرو والنشاب والسيوف والدروع والعسل والشمع.كما ووصل هؤلاء التجار إلى إمارة كييف(عاصمة أوكرانيا الحديثة)حاملين معهم بضائع بلادهم،وفي مقدمتها المنسوجات الرقيقة والمخملية والناعمة المطرزة،أو المصنوعة من الحرير،التي كانت تصنع في مدينة بغداد والموصل،ونالت تقدير سكان تلك المناطق،وجالبين معهم من هناك أنواع السلع.وتشير المدونات التاريخية إلى أن الكهرمان الصقلبي المحمول من منطقة حوض البلطيق كان يفضله المسلمون للاستهلاك المحلي ويصدرون بعضه إلى الصين.
وخلدت مصادر المؤرخين والجغرافيين العرب صفحات مُمتعة من تسجيلات وانطباعات الأسير العربي مسلم الجرمي،الذي أسره اليونانيون قبل عام(845م)،التي كتبها في الأسر ونقل فيها ما شاهده وسمعه في أراضي اليونان.وروى الجغرافي العربي الفذ المسعودي(ت 346هـ/ 956م)أثناء كلامه عن فداء الأسرى الذي حدث في عهد الخليفة العباسي الواثق سنة(231هـ/ 845م)أن من بين من أطلق في هذا الفداء من أسرى المسلمين لدى الروم مسلم بن أبي مسلم الجرمي(وكان ذا محل في الثغور،ومعرفة بأهل الروم وأرضها-وله مصنفات في أخبار الروم وملوكهم وذوي المراتب منهم وبلادهم وطرق مسالكهم..).ومن علم هذا الأسير الجليل استمد العلامة والرحالة العربي عبد الله ابن خرداذبة قائمته(بنود الروم)وقال نقلاً مسلم بن أبي مسلم:(أن أعمال الروم التي يوليها الملك عماله أربعة عشر عملاً).وتناول العلامة ابن خرداذبة في مؤلفاته التي كتبها في سبعينات القرن التاسع الميلادي،مدونات مسلم الجرمي،مشيرا إلى تجارة الروس ورحلاتهم إلى بيزنطة يقول:فأما مسلك تجارة الروس وهم جنس من الصقالبة فإنهم يحملون جلود الثعالب السود والسيوف من أقصى صقلية إلى البحر الرومي(البحر المتوسط)فيعشرهم صاحب الروم- قيصر بيزنطة-وإن ساروا في تيس(الفولغا-نهر الصقالبة)مروا بخليج مدينة الخزر(مدينة آتيل أو أيتيل)بالقرب من مصب الفولغا فيعشرهم صاحبها(صمدت مملكة الترك-الخزر،التي تأسست في أحواض نهر الدون والفولغا،حتى نهاية القرن العاشر إلى أن دمرها الروس والإسكندنافيون)ثم يغيرون إلى بحر جرجان(قزوين أو الخزر)وربما حملوا تجارتهم على الإبل من جرجان إلى بغداد…
وذكر الرحالة والجغرافي العربي ابن حوقل مخاطر الوصول إلى بلاد الروس يقول:فلم أسمع أحد يذكر أنه دخلها(بلاد الروس)مع الغرباء لأنهم يقتلون كل من وطأ أرضهم من الغرباء،وإنما ينحدرون في الماء ينجرون ولا يخبرون بشيء عن أمرهم ومتاجرهم ولا يتركون أحداً يصحبهم..وتطرق العلامة ابن حوقل إلى طقوس الروس القديمة ومنها حرق موتاهم و(الروس قوم يحرقون أنفسهم إذا ماتوا مع مياسيرهم الجواري منهم بطيب أنفسهم كما يفعلون بغانه وكوغة ونواحي بلاد الهند).
ومن المفيد أن نتوقف عند مدونات أول مبعوث دبلوماسي عربي أرسله الخليفة العباسي المقتدر بالله(بويع بالخلافة سنة(295)هجري)إلى بلاد الروس والبلقان،الرحالة والعلامة العربي الشيخ أحمد ابن فضلان،التي وصف فيها انطباعاته وملاحظاته عن ما شاهده وسمعه ومن رافقه في رحلته الطويلة إلى بلاد العجم والأتراك والصقالبة والروس(الروسية)والخزر،في مطلع القرن الرابع الهجري(309)الموافق(921م).وتعد هذه التسجيلات من أهم المصادر الفريدة في دراسة تأريخ روسيا وبلدان البلقان والمعتمدة في الوسط العلمي،حتى اليوم،لاحتوائها على معلومات قيمة وبالغة الأهمية عن أحوال شعوب السهوب الغربية في القرن العاشر الميلادي.ووقتذاك كان ملوك البلغار الذين اعتنقوا الإسلام منذ عهد قريب يهدفون إلى تقوية الصلات مع الخلافة العباسية من أجل الحصول على العون لمواجهة الإقطاعيين الخزر(يهوديي الديانة).إذ؛(أن ملك الخزر؛كان يعتدي على الصقالبة ويغتصب نسائهم المسلمات؛والخزر هم من اليهود،كانوا يعتدون على ملك الصقالبة وقومه ويفرضون عليهم الضرائب يؤدونها عن كل بيت من المملكة جلد سمور،وابن ملك الخزر يخطب من يريد من بنات ملك الصقالبة ويتزوجها غصباً،والخزري يهودي وابنة الصقلبي مسلمة)… يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا