الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قول في الحداثة

فؤاد بلحسن الخميسي
كاتب وباحث

(Belahcen Fouad)

2007 / 2 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



لا بد لبحث مفهوم الحداثة من تحديد اٍلى ماذا نشير عندما نتحدث أو نناقش هذا المفهوم ، هل اٍلى الحداثة بوصفها حقيقة تاريخية حضارية- مادية("عمرانية" بحسب تعبير ابن خلدون ) أم بوصفها حقيقة تاريخية ثقافية (نظرية) أم اٍليهما معا؛أي بوصفها حقيقة تاريخية وجودية تتضمن الثقافي و الحضاري.
لماذا هذا التمييز؟
لأنه عندما نقصد الحديث عن الحداثة كمعطى ثقافي فاٍننا نستحضر في أذهاننا الخصائص التالية:
- الإتكاء على قدرات العلم و العقل الاٍنساني بهدف مقاربة القضايا الاٍجتماعية.
- التأكيد على مفاهيم معينة من قبيل التقدم ، و الطبيعة ، و التجربة المباشرة.
- أصالة الاٍنسان، وبالتالي أنسنة المجتمع و القطع مع الميتافيزيقا (أنسنة الطبيعة)؛ أو بمعنى آخر نزع الروح الدينية عن العالم .
- الإتكال بشكل أساسي على المنهج التجريبي و الحسي قبال المنهج القياسي و الفلسفي ، فالحداثة هنا تمثل" الوضعية" البنية المنهجية لديناميتها.
بينما عندما نقصد الحداثة كمعطى حضاري فاٍننا نستحضر الخصائص التالية:
- في المجال السياسي ، كان هناك الدفاع عن الحقوق الطبيعية الاٍنسانية بواسطة حكومة القانون و نظام الحيلولة دون الاٍنحراف نحوالاٍستبداد- عن طريق منح السلطة للشعب، والديمقراطية ، و شرعنة التعدد الفكري و السياسي.
ولما كانت الحداثة وليدة تاريخ ما بعد سلطة الكنيسة- أو هي ذاك التاريخ- تكون العلمانية ، باعتبارها أهم إفرازات هذا التاريخ، واحدة من أهم خصائص الحداثة كمعطى حضاري. من هذه الزاوية ، الدين اٍن كان له وجود فلابد من أن يكون مرجعه أمرا شخصيا- مؤطرا في اٍطار العبادات و الأحكام الفردية - لا حاجة اجتماعية.
- في مجال الاٍجتماع ، تم الاٍعلان عن ولادة المجتمع الصناعي على أنقاض المجتمع الاٍقطاعي .
بهذا التمييز نكون قد ابتعدنا عن القراءات الاختزالية التي كثيرا ما عرفت الحداثة بالعقلانية – و كأن خارجها يفتقر اٍلى التعقل – أو بالفردانية – رغم أن هذه الأخيرة مجرد مبدأ من مبادئ التطبيق على حد تعبير الفيلسوف طه عبد الرحمان - أو بالديمقراطية- وهي ليست إلا مطلبا أساسيا من مطالب الحداثة- أو بالعلمانية- رغم أنها لا تمثل سوى خاصية من خصائصها الواقعية - أو بالقطع مع الثرات - و كأن الحداثة ولدت من العدم وهي التي نزعت نزعة سلفية بامتياز بالنسبة للثرات اليوناني في عملية وصال حميمية- وغيرها من التعريفات.
بعد هذا التمييز ، يأتي السؤال عن علاقة التحديث بالحداثة.
لا شك أن التحديث يمثل مطلبا و حاجة دائمتين لكل الكيانات الثقافية المتخلفة؛ وعلى طول التاريخ؛ على اعتبار أنه المدخل الوحيد للتواجد الكريم في أي عصر. و اٍذا كانت الحداثة الثقافية تحديثا على مستوى النظر بلحاظ الفكر القروسطوي ، و الحداثة الحضارية تحديثا على مستوى الواقع نسبة اٍلى المجتمع الاٍقطاعي في أبعاده السياسية و الاٍقتصادية و الاٍجتماعية؛هل يصح القول أن مرحلة ما بعد الحداثة تمثل تحديثا ما بعد حداثي؟
ما دامت السماوات و الأرض ، من يضمن استمرار عصر الحداثة اٍلى ما لانهاية؟ سؤال يطرحه – و عن حق- كل من يريد أن يقول كلمته في استقلال عن اختيار الحداثة. هو سؤال "الثرات و الحداثة و التحديث".
اٍلى أي مدى يجب أن يأخدنا هذا السؤال الأخير. ما لا يمكن اٍغفاله هو أن الحداثة الحضارية- اليوم - هي سيدة الارض. و قديما قيل لا يمكنك أن تكون في مستوى خصمك أو أن تكون في مستوى أعلى منه إلا إذا ملكت قدْر ما لديه او أكثر من ذلك . هنا قد لا نجانب الصواب اٍذا قلنا لا مجال لمن يسعى اٍلى قول كلمته الحرة و تأصيل فعله الحضاري إلا أن يقتبس من الحداثة- كما فعلت هي مع غيرها من قبل. فليست الحداثة ملكا خاصا أو مجالا منغلقا على نفسه ، و اٍنما هي نفسها تراثا مشتركا و مجالا مفتوحا- يقبل الأخذ و الرد؛ و الإقباس و الاٍقتباس. و تبدو قولة أحد المفكرين العرب و المسلمين في هذا الصدد سديدة- و إن بدت من غريب الكلم - جاء فيها "بدون الحداثة يستحيل العرب أعرابا والمسلمين كفارا".
فالموقف السلبي من الحداثة لن يمضي بعيدا ولن يكون ذو أثر كبير إذا انبنى على النقد الأخلاقي لها فحسب - و إن كان هو من أول الأولويات - ما دامت الحداثة لا تتنصل عن الأخلاقية كلية من جانب ، و ما دامت الحداثة هي التعبير الآخر عن حضارة العصر، أي موقع القوة و السلطة من جانب ثاني. فسؤال الأخلاق في تداول الحداثة يتعين ان لا يأخذ أكثر مما يستحق ، فما كانت للحداثة الحضارية أن تقوم لها قائمة بعيدا عن الأخلاق .
بيد أن هذا لا يحجب حقيقة أن العولمة باتت تطرح هذا السؤال بقوة في ظل اجتياح قيم السوق . فاٍعلان استقلال" الدولة" بمعنويات (أخلاقيات) خاصة – متميزة عن تلك التي يعتنقها الأفراد- من قبل ماكيافيلي مثـّل إعـلانا مبكرا باستقلالات مبكرة ستجد لها موعدا مع التاريخ لاحقا . و بالفعل ،ها نحن أمام استقلال جديد من هذا النوع: معنويات السوق .
سؤال أخير: الى أي حد الطريق اٍلى الحداثة أو اٍلى ما بعدها يمر عبر بوابة الغرب؟
لنسمع ما يقوله درس فلسفة التاريخ في هذا المقام :
أما الحداثة – ثقافية كانت أم حضارية- فلا شك أن السعي اٍلى تمثلها في مجال تداولي لكيان ثقافي أو حضاري غير الذي نشأت فيه يمثل عملية استنساخ لن يكون مصيرها بأحسن من مصير النعجة " دُولي". فلا أعتقد أن التاريخ سيختار يوما أن يعود بنفسه اٍلى الوراء. لن يفلح في هذا المسعى لا السلفوي المتدين و لا الحداثوي المتعلمن، باعتبار أن كليهما يمثلان حالة رجعية بامتياز. فالأول يسعى جاهدا اٍلى العودة الى الخلف حيث حضارته التاريخية مستدبرا لتحديات الحداثة، و الثاني يسعى اٍٍلى الاٍحتضار داخل الحداثة معتقدا أنه يحتضنها أو يعض عليها، ضاربا بعرض الحائط خصوصيات مجتمعه. إذ لم يطلعنا التاريخ ، القديم و الحديث ، و إلى اليوم على تطابق مسارين- و بالأحرى أكثر- من مسارات التحديث (سواء في مجال الثقافة أو الحضارة)، و إنما هو يشهد بتواصل بينها تارة لفائدة هذا و تارة لفائدة ذاك.
و أما ما بعد الحداثة فهي بالتأكيد المرحلة التي ستأتي حتما حينما تصبح الحداثة تلي أفعال الماضي في تركيبة الجُمل . مرحلة ستقوم على أكتاف النهضوي - إسلاميا كان أم اشتراكيا أم قوميا - لا الغوغائي من هذا الفريق أو ذاك اللذان يمثلان طَرفَا التطرف بعيدا عن توسّط الحكمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. قطط مجمدة في حاوية للقمامة! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. موريتانيا: مع تزايد حضور روسيا بالساحل.. أوكرانيا تفتتح سفار




.. إسرائيل تحذر من تصعيد خطير له -عواقب مدمرة- بسبب -تزايد اعتد


.. هدوء نسبي مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن -هدنة تكتيكية- انتقده




.. البيان الختامي لقمة سويسرا يحث على -إشراك جميع الأطراف- لإنه