الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حسن عوينة مناضل .. يُقتدى

جاسم الحلوائي

2007 / 2 / 16
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


اسمحوا لي في البداية أن اثمن جهود الأحبة الأعزاء القائمين على ادارة غرفة ينابيع لتحويل هذه المناسبة الى تقليد تحتفي به سنويا، إدراكا منها أن هناك دين في أعناقنا للمناضلين الذين ضحوا بحياتهم، في سبيل سعادة شعبهم وحرية وطنهم ويجب تخليد ذكراهم وكذلك إبراز مآثرهم لإطلاع الأجيال الجديدة عليها للإهتداء والإقتداء بها.

في يوم 7 آذار من عام 1963 أعلن الحاكم العسكري لسلطة الإنقلاب الفاشي عن إعدام ثلاثة رفاق، إثنان منهم من أبرز قادة الحزب وهما: الرفيق حسين أحمد الرضي (سلام عادل)، السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، ومحمد حسين أبو العيس، عضو المكتب السياسي. أما الثالث فهو الكادر الحزبي المتقدم والشاعر حسن عوينة. وسيكون عوينة مدار حديثي في هذه الأمسية.

وقبل الدخول في الموضوع لا بد من الإشارة الى أن الرفاق الثلاثة لم يُقدموا الى أية محكمة ولو صُورية ولم يُعدموا شنقا، وإنما قتلوا تحت تعذيب وحشي بإعتراف البعثيين أنفسهم.

ولد الشهيد حسن محسن عوينة عام 1931 في مدينة النجف، وكان والده رجل دين. إنخرط عوينة في النضال الوطني والثوري منذ أن كان طالبا في المتوسطة، وقد ساهم في وثبة كانون عام 1948 مساهمة فعالة من خلال القاء الخطب والقصائد الحماسية في المظاهرات والإجتماعات الجماهيرية.

تعرض عوينة للإعتقال أكثر من مرة في تلك الفترة مما إضطره الى مغادرة مدينة النجف ليقيم في بغداد. أعتقل في بغداد في عام 1949، وكان آنذاك حلقة الوصل بين بعض المنظمات خارج العاصمة وقيادة الحزب من خلال محل مكوى في علاوي الحلة في جانب الكرخ، وتعرض عند إعتقاله للتعذيب في دائرة التحقيقات الجنائية سيئة الصيت وكان موقفه صلبا فتحَمل التعذيب وخرج من الإمتحان سالما. حكمت عليه محكمة النعساني العسكرية بالسجن لمدة سنتين قضاها في سجن الكوت. كان سجن الكوت آنذاك بمثابة معهد لتخريج الكادر الحزبي. استفاد عوينة من السجن لتنمية إمكانياته بإنخراطه بمختلف الفعاليات بما في ذلك قرض الشعر. ومن شعره آنذاك القصيدة المشهورة التي تحولت الى نشيد للشيوعيين ومطلعها:

حصن حزب أشاده فهد كيف تسطيع هدمه قرد

وبعد خروجه من السجن وخلال النصف الأول من الخمسينيات انتج حسن الكثير من الشعر وشهدت تلك الفترة ذروة عطائه الأدبي وقد نشر الكثير من القصائد في الصحف التقدمية آنذاك كالثبات والعقيدة وغيرهما.

ساهم حسن عوينة مساهمة فعالة في إنتفاضة تشرين الثاني عام 1952. ولم يقتصر دوره في هذه المرة على الدعاية والتحريض، كما كان الحال في وثبة كانون، بل تعداه الى المساهمة في توجيه وتنظيم المظاهرات الجماهيرية والفعاليات النضالية الأخرى. واصبح عوينة بعد الإنتفاضة هدفا ثمينا للإجهزة القمعية فإضطر للإختفاء وترك مقاعد الدراسة.

أعتقل حسن عوينة في بغداد مرة أخرى عام 1955، وكان آنذاك محترفاً للعمل الحزبي، وتعرض للتعذيب فصمد وصان أسرار الحزب. حكم عليه بالسجن لمدة سنتين ونصف قضاها في سجن بعقوبة. وفي هذا السجن التقيت حسن لاول مرة وليوم واحد فقط، وأعجبت بشخصيته وقد خلف لدي إنطباعا حسنا. والتقيت به مرة أخرى، بعد أكثر من سنة في نفس السجن في القسم الإنفرادي ولكن لفترة طويلة نسبيا، فنشأت بيننا علاقة ود متبادلة وراسخة.

كان حسن ممثلنا في السجن أمام ادارة السجن ومديرها علي زين العابدين، الذي إشتهرت ادارته بالقسوة والبطش ومصادرة أبسط الحقوق ومنها القراءة والكتابة بما في ذلك قراءة الصحف اليومية أوحيازة ورقة وقلم ، وإخضاع السجن والسجناء للتفيش الدقيق يوميا وتعريضهم للعقوبات الفردية والجماعية لأتفه الأسباب أو بدون أسباب أصلا. في تلك الظروف الصعبة كان حسن يقوم بمهام خطيرة ومن هذه المهام حصوله على جريدة يومية بشكل سري. وكانت الأدبيات الحزبية تخبأ عنده تحت ملابسه الداخلية لأنه أقل عرضة من الآخرين للتفتيش الدقيق بإعتباره ممثلنا، وقد عرفت هذا السر منه بعد ثورة 14 تموز. فقد كان حسن بعيداً عن الثرثرة وحب الظهور.

بعد ثورة 14 تموز جمعتنا لجنة منطقة الفرات الأوسط، كنت أنا عضوا فيها وهو عضوا في مكتبها ويرأس تحرير جريدة "الفرات الأوسط" ومقرها في مدينة الحلة. كان حسن متفتح الذهن لا يتضايق من الإختلاف في الرأي وعادة ما كان يصغي للآخرين أولا ومن ثم يبدي رأيه بإختصار ووضوح وقد يملّح رأيه بنكتة تسر الجميع.

عندما انتقلت للحلة كسكرتير للجنة المحلية كنت التقي عوينة يوميا. ولم تدم هذه الفترة أكثر من بضعة أشهر أنتقلت بعدها الى الكوت في حين أنتقلت عائلتي مع أخي حميد من كربلاء الى الكاظمية وأصبح البيت المركز الرئيسي للمراسالة وتوزيع الأدبيات بإشراف الشهيد حسن عوينة. وكثيرا ماكنت التقي حسن عند زيارتي لعائلتي. وقد ودعني عشية سفري الى الخارج للدراسة الحزبية في نهاية عام 1961، وكان ذلك وداعنا الأخير. وهكذا يمكن القول بأني عرفت حسن، خلال هذه السنوات، عن كثب.

لم أتذكر بأن علاقتي قد توترت مع حسن في يوم ما، مع أن توتر العلاقة، أحيانا، بين أعز الأصدقاء أمر طبيعي، ولكن أتذكر أن نقاشا حادا حصل بيننا في مدينة الحلة في خريف عام 1959 عندما اختلفنا في الرأي حول قصيدة للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، نشرت في جريدة (صوت الأحرار)، كانت تؤله عبد الكريم قاسم وتصفه بالأوحد الأوحد، وقد اعترضت على ذلك فإنسحب النقاش الى تقييم قاسم و سياسته التي إنتقدتها وكنت أميل للتشائم من مآلها، ولم يتفق حسن معي في الرأي، فتحمست وإرتفع صوتي مشوبا بالتوتر العصبي، وهنا لاحظت بأن حسن خفض صوته دون المستوى العادي وقرأت اللوم في عينيه، فأفقت لنفسي فخفضت صوتي وندمت لتجاوزي على رفيق كنت أعتبره معلمي. وقد اعتذرت له في نفس اليوم عن تصرفي غير الملائم وكان مثلا للتسامح.

إمتاز حسن بنزاهته ومصداقيته وكان خفيف الظل سريع البديهة وحاضرالنكتة وكانت تعليقاته لاذعة ولكنها مهذبة ، فلم أسمع منه يوما لفظة بذيئة. مع بوادر ارتداد قاسم وانتعاش الرجعية اغلقت جريدة (الفرات الأوسط) وفصل عوينة من نقابة الصحفيين بإعتباره (صحفيا طارئا)، وهو الأديب والشاعر ورئيس تحرير جريدة، فأخذ حسن يقدم نفسه لمعارفه وأصدقائه كـ(صحفي طارئ)! متهكما ومدينا الإجراء التعسفي ضد حرية الصحافة والرأي.

تزوج حسن من زهور الحكيم وأنجبت منه ولدأ اسمياه فلاح. تبادلت مع الدكتور فلاح الرسائل عندما كنت أكتب ذكرياتي، وقد نشرت تلك الرسائل على مواقع الانترنيت ولا تزال في أرشيفها، وتضمنها كتابي الذي صدر مؤخراعن دار الرواد في بغداد تحت عنوان "الحقيقة كما عشتها". وقد جاء في نهاية جوابي على احدى رسائله ما يلي :

" فرحنا كثيرا، أنا وأم شروق، عندما قرأنا عنوانك وعرفنا انك أنهيت تعليمك بمستوى دكتور في فرع علمي. فلا عجب، فهذا الشبل من ذاك الأسد. ومن حق أم فلاح أن تفتخر بك.

لا أظنني سأضيف جديداً لمعلوماتك لو كتبت لك إنطباعاتي عن والدك، لأنني متأكد بأنك سمعت ذلك من غيري. فإن رقة أبو فلاح وشاعريته وذكاءه المتقد وإنسجامه مع نفسه وصراحته وتواضعه الجم كان واضحاً للجميع. لقد كان حسن عوينة إنساناً رائعاً وعظيماً. "

المجد والخلود للشهيد حسن عوينة وجميع شهداء الحزب والحركة الوطنية التقدمية.
المجد والخلود لجميع ضحايا الارهاب في العراق.
________________________________________
* القيت الكلمة في غرفة ينابيع مساء 14 شباط 2007، بمناسبة يوم الشهيد الشيوعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكر
دانية علي معين ( 2011 / 9 / 1 - 14:29 )
اشكركم الشكر الجزيل على هذه المواضيع الثمينة

اخر الافلام

.. حشود غفيرة من الطلبة المتظاهرين في حرم جماعة كاليفورنيا


.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس




.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب


.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا




.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في