الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى التسعين لقمة الزمان

عمار بكداش

2007 / 2 / 19
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


هذا العام نحتفل نحن الشيوعيين، ومعنا الكثير من التقدميين المخلصين في شتى أرجاء العالم بالذكرى التسعين لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى. نعم، نحتفل برغم التشكيك من قبل الناقدين، خاصة أولئك الذين كانوا يتهموننا بقلة الثورية أثناء فترة الصعود، مرتدين الأزياء اليساروية الشتى في ذلك الحين ورافعين أيقونات متنوعة من ماو إلى ماركوزيه، مروراً بغرامشي وديبريه. والآن هؤلاء ذاتهم يتهموننا بقلة الواقعية، والجمود العقائدي وبالكلام الخشبي واستعمال القوالب الجاهزة، وهم يرتدون ما فرضته الموضة الغربية من أزياء ليبرالية و (مجتمع مدنية) وصولاً أحياناً وبكل حذر إلى يسارية معتدلة بما لا يؤذي «الرأي الآخر» أي الرأي الإمبريالي، ورافعين أيقونات جديدة، متنوعة أيضاً من غاندي إلى كاوتسكي مروراً بمكسيم رودنسون، وهنري كورييل والياس مرقص (هذان الأخيران على النطاق المحلي). نعم تعددت الأيقونات والهدف واحد وهو أن لا تظهر مثل وأفكار الثوريين الكبار: ماركس، أنغلس، لينين، وستالين. نعم أؤكد وستالين أيضاً، ذلك الثوري ذو رأس مفكر ويدي عامل ولباس جندي بسيط، باني الاشتراكية وقاهر الفاشية وحامي الحركة الثورية من سرطان التروتسكية وإيدز الاشتراكية الديمقراطية. نعم الهدف من كل حملة الندب هذه والبحث عن طريق آخر، هو حرف الحركة الثورية والجماهير الكادحة عن الطريق القويم، طريق النضال اللا هوادة فيه ضد الإمبريالية، ضد النظام الرأسمالي العالمي.
نعم، إن تاريخ ثورة أكتوبر لم يكن فقط ملحمة بطولية لجبابرة استطاعوا أن يقتحموا السماء، ليس مجازاً بل وفي الواقع، بل كان بدءاً فعلياً للأزمة العامة للرأسمالية، ذلك النظام المتوحش الفاسد القائم على الاستغلال الشامل للإنسان. وبذلك لم تكن ثورة أكتوبر أكبر حدث في القرن العشرين فحسب، بل أكبر مأثرة في التاريخ البشري كله. فقد بينت هذه الثورة العظيمة إمكانية قيام نظام اجتماعي بديل لكل الأنظمة القائمة على استغلال الإنسان من خلال الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. وهو نظام العدالة الاجتماعية، نظام الاشتراكية، القائم على الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج.
وبالرغم من كل حملات التعتيم والتشويه، من الواضح تماماً، أن ثورة أكتوبر كانت الدافع الأساسي في انهيار النظام الكولونيالي العالمي. نظام الاستعمار المباشر الذي كانت ترزح تحت نيره غالبية شعوب العالم. ونحن السوريين، المميزين بالعرفان بالجميل، نكنّ كل الشكر والامتنان لبلد ثورة أكتوبر لدعمها لنضال شعبنا الباسل في سبيل حريته وسيادته الوطنية.
وقد أصبح الفيتو السوفييتي لصالح الاستقلال التام والناجز لسورية والجلاء الكامل للقوات الأجنبية عن ترابها الوطني في عام 1946، صفحة لا تمحى من التاريخ الوطني السوري. كما يذكر أحرار العرب بامتنان الدعم السوفييتي للنضال التحرري العربي، والمحطات الهامة لهذا الدعم مثل وقف العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، ومساعدة الثورة الجزائرية بين أعوام 1956 ــ 1962، ودعمه الثابت لحركة التحرر الوطني العربية في تصديها للعدوانية الصهيونية وللحروب المتتالية التي شنتها إسرائيل الصهيونية المدعومة من قبل الإمبريالية العالمية على الشعوب العربية.
ولم يقتصر الدعم السوفييتي، دعم دولة ثورة أكتوبر، لنا على المجال السياسي فقط. بل قدمت للدول العربية المتحررة مساعدات متنوعة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهناك نـُصبٌ لهذا التعاون مثل السد العالي في مصر وسد الفرات في سورية. وبفضل التعاون مع الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى حصل عشرات الآلاف من أبناء الكادحين في دنيا العرب بما فيهم أبناء وطني سورية على تحصيلهم العلمي العالي ليساهموا في تنمية بلادهم.
إن كل ما أوردناه وغيره الكثير في شتى بقاع العالم ليس كلام أمنيات، بل وقائع عملية، قامت بها دولة أكتوبر العظيم. نعم، لقد انهار الاتحاد السوفييتي، بلد ثورة أكتوبر، بسبب عوامل متعددة، يأتي في مقدمتها التآمر الصهيوني المستند إلى التيارات التحريفية من شتى المشارب من التروتسكية إلى الاشتراكية الديمقراطية. نحن نقول ذلك ولا نخاف من اتهامنا بتبني «نظرية المؤامرة»، التي يتسلح بها المرتدون لتبرير ارتدادهم. أوليس ما يجري الآن في العالم من مآسٍ هو نتيجة تآمر الإمبريالية والصهيونية على الشعوب من أجل رسوخ الاستعباد المتوحش؟
ولكن مهما قيل ويقال فقد أدت ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى رسالتها الكبرى والمتجسدة في تبيان واقعية بناء مجتمع العدالة الاجتماعية، أي واقعية وموضوعية نضال الشعوب في سبيل حياة أفضل. وهذا يكفي لكي تستحق ثورة أكتوبر أن تحتل المكان المشرّف في التاريخ البشري. والنافي لذلك إما جاهل مغفل أو حاقد لئيم.
يقول المشككون من رفاق الأمس: ألا ترون أنتم الشيوعيون البكداشيون المتغيرات التي جرت في العالم؟ نجيبهم: نعم نراها ونحللها، ووثائقنا وأبحاثنا خير دليل على ذلك. ولكن كل هذه المتغيرات تثبت أن البشرية تزداد معاناتها بسبب الرأسمالية المتجسدة حالياً بالإمبريالية المتوحشة. فكل المآسي الكبرى التي تعاني منها البشرية ناتجة عن طبيعة النظام الرأسمالي: الحروب على الشعوب، إفقار غالبية البشرية، أزمة البيئة، زيادة الاستقطاب الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء إلى جانب مئات من المآسي المشتقة من استبداد هذا النظام المتوحش مثل موت ملايين الأطفال بسبب الجوع، وتجارة الرقيق المشينة وغيرها وغيرها.
فإذن التطور بذاته بما فيه المتغيرات الأخيرة التي يشهدها العالم، تدلنا على صوابية الاتجاه العام لنضالنا. نحن نناضل ضد الرأسمالية طارحين بدلاً عنها الاشتراكية التي لا يمكن أن تقوم بدون الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، ومن أجل تحقيق ذلك لابد من سلطة الكادحين، ومن أجل تحقيق سلطة الكادحين لابد من حزب ثوري يسترشد بنظرية متكاملة وذي موقف طبقي واضح يضم في صفوفه خيرة المناضلين تجمعهم وحدة الإرادة والعمل. هذا هو منهجنا في النضال من أجل تحقيق العدالة والحرية لكل البشر.
ونحن لسنا متقوقعين على أنفسنا، بل نمد يد التعاون لكل الأحرار في وطننا وفي العالم، من أجل النضال المشترك كتفاً لكتف ضد العدو المشترك. وكان من أكبر مآثر الفكر اللينيني ومن أحد عوامل النجاح الذي حققته ثورة أكتوبر على النطاق العالمي هو تبيان الدور الكبير الذي تلعبه حركة التحرر الوطني في مقارعة الاستعمار، وضرورة إبرام أوثق أواصر التحالف بين الحركة الاشتراكية والثورات الوطنية التحررية. وهذا ما حدث.
وهنا نستذكر ما قاله يوسف ستالين في نهاية العشرينات من القرن الماضي بأن ملك الأفغان أكثر تقدمية من حكومة رامزي ماكدونالد العمالية في بريطانيا. والآن يمكننا أن نقول وبكل ثقة أن المقاومة الوطنية العراقية هي أكثر تقدمية، ليس فقط من طوني بلير (هذا الشيء مفروغ منه) ولكن من كل الاشتراكيين الديمقراطيين في العالم. وأن السيد حسن نصر الله أكثر تقدمية ليس فقط من إلياس عطا الله (مع أنه لا يجوز مقارنة عملاق بقزم) بل من كل الاشتراكيين ــ الديمقراطيين و«اليساريين الحداثويين» في دنيا العرب. نعم، حليفنا نحن الشيوعيين في المعركة الكبرى ضد الاستعمار هم هؤلاء المناضلون المقدامون وليس أنصار الليبرالية المهترئة في ظل الوصاية الأجنبية.
نحن الشيوعيين، ماديون ــ دياليكتيكوين، ونعرف أن الحياة تتطور. ونقول أنه في نهاية المطاف ستدخل الماركسية ــ اللينينية إلى مكان الصدارة في متحف التاريخ البشري، ولكن فقط بعدما سيرمى بالنظام الرأسمالي إلى مزبلته. أما حتى ذلك الحين فسنبقى مناضلين ثابتين تحت راية العدالة الاجتماعية. فنحن نرفع إلى جانب رايتنا الوطنية، رمز حرية وسيادة شعبنا، الراية الحمراء التي حملها القرامطة وثوار كومونة باريس وفرسان ثورة أكتوبر. هذه الراية التي ترمز إلى المستقبل الوضاء للبشرية، مستقبل العدالة الاجتماعية، مستقبل حرية الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة