الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمة....مغتصبة هذه المرة!!

طارق حمو

2007 / 2 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإطلالة الجديدة التي ظهر بها "الفكر المقاوم" (في شخص الفتاة العراقية المغتصبة!) على الجماهير العربية المشحونة والمتحفزة من "المحيط الهادر للخليج الثائر"، كانت محاولة نوعيّة للعب على العواطف وإستنهاض الهمم، وحث الشباب العربي والمسلم المؤمن على السفر إلى أرض العراق للإقتصاص من "الحكومة العراقية العميلة" التي "إعتدى رجالها على عرض المحصنات". هو إذن، وفي سياق متجدد ومكرر، نداء آخر بٌث من على أشهر منبر فضائي عربي، تعوّد مخاطبة غرائز الدهماء بغية تعبئتهم وجرجرتهم إلى "معركة الأمة المصيرية ضد الغزو الصليبي الإستعماري لأرض الإسلام"، كما يلعلع ليل نهار، أو يتلفظ مفكروا ومثقفوا الأمة نيابة عنه. وفي كلا الحالتين يتحقق المراد ويصل الخطاب المحبوك والمحكم للمتلقي. وهو الخطاب الذي لايبتعد كثيراً عن أدبيات تنظيم (القاعدة) الإرهابي، كما هو بين.

عملية إعداد وتجهيز الفتاة العراقية التي ظهرت على شاشة الفضائية إياها، أثارت غضب الملايين من العرب والمسلمين، وربما تنجح في جذب عدة آلاف منهم للعراق، فيتجهزون بالمفخخات والقذائف قاصدين العراق، لينسفوا الأسواق المنتقاة بعناية لقتل أكبر عدد من النساء والأطفال من "العملاء، حلفاء أميركا وإيران"!!.


إظهار "صورة الأمة" وهي مغتصبة هذه المرة أمر خطير، المراد منه هو تأزيم الوضع والدفع به نحو الصدام وتوسيع الشرخ الطائفي، وتسعير الصراع العبثي لإفشال الجهود الرامية للمصالحة وبناء الوحدة الوطنية في العراق. ولعل تزامن هذا الحدث الفريد في بذاءته مع الخطة الأمنية الكبرى، والتي راهنت عليها الحكومة العراقية يثير أكثر من سؤال، ويوحي لنا بأن وراء الأكمة الإعلامية هذه جماعات التحريض والتفخيخ إياها!!!.

المصالحة بين الشيعة والسنّة في العراق يجب ان تتم رغم كل شيء. ويخطئ من يظن من كلا الفريقين ان الشحن الطائفي وإثارة الأحقاد سيصب في مصلحة اي منهما، أو سيثمر عن دعم خارجي و"ظهر" اقليمي لسحق الفريق الآخر. ماسيحصل ستكون ناراً قوية تلتهم الكل. الرهان على الشحن والتحريض، الذي يبرع فيه الجوار ووسائل إعلامه المشبوهة لن يصب في مصلحة العراق ولن يحقن الدم العراقي المسفوح من جراء الكلمة والقنبلة القاتلة التي تصنع في بلدان الأشقاء القريبة.


الآن وبعد الفيلم/ الفضيحة ذاك، ازداد التوتر في العراق، بل وفي كل المنطقة التي تتقسم وتتخندق مذهبياً وطائفياً بشكل رهيب. وتصريحات بعض المسؤولين العراقيين الذين من المفروض انهم جزء من العملية السياسية تصب هي الأخرى المياه في طاحونة دعاة الفتنة. سمعنا وشاهدنا التهديدات بالتخوين والإنتقام من ناس في هرم الدولة العراقية، لمجرد مشاهدة الفيلم، قبل التأكد من صحة الأدعائات المقدمة أو كذبها.

اميركا سترحل من العراق كما يطالب العرب والعجم آجلاً أم عاجلاً، وستترك خلفها العراقيين وهم في حالتهم هذه. ومع الإقرار بالأخطاء التي تسببت فيها أميركا منذ اللحظة الأولى لإسقاطها النظام الديكتاتوري السابق، إلا ان الثابت في الأمر براءة اميركا وإدارة بوش من تحمل مسؤولية القتال المجنون الحاصل حالياً بين سنّة وشيعة العراق. فبوش لم يحرض معاوية بن ابي سفيان على محاربة علي بن ابي طالب، ولم يكن المحافظين الجدد هم من دفعوا يزيد ضد الحسين في موقعة الطف الشهيرة. مايحدث الآن هو فصل مستعاد من التاريخ العربي الإسلامي. خلافات عميقة وغائرة تظهر على السطح بسبب الصراع على السلطة واقتسامها. وهي ظهرت في العراق بعد زوال الموت الذي كان يهدد كل من ينطق بكلمة مغايرة لإرادة النظام. خلافات مرشحة في كل بلد عربي للظهور، فكل "قطر عربي هو مشروع حرب أهلية"، على رأي الصحفي الأميركي توماس فريدمان، والحالة الكردية غير بعيدة عن هذا الكلام على فكرة.

المهم في الأمر الآن، هو تطويق هذه الخلافات والإتفاق على صيغ مناسبة للتعايش على الأرض الواحدة دون إزاحة أو إبادة أي طرف للطرف الآخر. أما "الدفاع عن كرامة الأمة المهدورة"، والتي يصورها العرب كل يوم بصورة وتشخيص جديد، فليس من مهمة العراقيين الذين ذاقوا الموت الزؤام من وراء افكار العرب القومية سابقاً، ومفخخاتهم ومجاهديهم وسموم اعلامييهم لاحقاً...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب