الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليهودي في الذهنية الاسلامية

مهدي النجار

2007 / 2 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


" الفطام عن المألوف شديد"
الغزالي


ما زالت الثقافة الاسلامية التقليدية ساكنة في سياج قارّ ومغلق يحتضن في داخله الممنوعات اكثر من المباحات : التفكير بالظواهر الطبيعية والاجتماعية والتاريخية ، البحث عن عللها واسبابها ، مراحل نشوءها وتطورها ، لماذا اصبحت هكذا ولم تصبح على ذلك النحو ....الخ حتى تكونت داخل هذا السياج الممنوعاتي حزمة هائلة من الاضابير المغلقة والمهملة ، بات نفض التراب عنها وفتحها ، اشكلة مضامينها وطرح الاسئلة عليها ، من الامور العصية والمستهجنة والمستفزة ، رغم ان اهمال مثل هذه الاضابير يشكل عقبة كأداء في مصير هذه المجتمعات وتطور ثقافتها وبالتالي يؤدي الى غض الطرف عن اسئلة العصر الملحة التي تـقول : كيف يمكن ان نعيش سويا ومختلفين ؟ وهل يمكن ان تحافظ كل مجموعة دينية (او مذهبية ) على طريقة ايمانها وطقوسها التقليدية ، وعلى نظرتها المميزة الى العالم ، مع اتاحة الفرص لمزيد من الحوارات من اجل فهم معتقدات الاخرين والوقوف على رؤيتهم الثقافية والاستفادة من تجاربهم الروحية !؟
يظل الاقتراب من مسألة اليهودي في الذهنية الاسلامية التقليدية من المسائل الاكثر اثارة للجدل والاكثر استفزازا للمشاعر خاصة المشاعر الشعبية حين ينظر اليها بمنهجية تاريخية /واقعية تتجاوز المناهج الميثية والاعجازية والتبجيلية والاطلاقية ، وبالتالي يصعب زحزحة العلاقة( مسلم/ يهودي) الى علاقة جدلية ابرز ما في جدلها انه لايرفض الاختلاف ، ولا يدين التعدد ، لانهما ضروريان لعالم خاصيته الكبرى انه قابل للنمو والتغيير ابدا ، او كما في تعبير ابن خلدون :(( فان احوال العالم والامم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر انما هو اختلاف على الايام والازمنة وانتقال من حال الى حال )) .
مثل هذه الزحزحة من حالة العداء الازلي الى حالة : تعايش /تسامح / حوار /قبول الاخر .تقع ضمن الخط الاحمر الغامق في التصورات التقليدية المغلقة والافكار الاصولية المتشددة التي تنعت (الطبيعة اليهودية )بالطبيعة الثابتة وتوصفها بمجموعة خصائص ابدية شائنة وخصال اخلاقية ذميمة وتدعو الى ذبحهم ورميهم بالبحر وترفض باطلاق التعايش معهم ، يعني ان الخوض في هذه المسالة مغامرة وخروج على (المقدس) والويل لمن تسول له نفسه ان يحيد عن تلك التصورات قيد شعرة !... فهو بلمحة بصر سيستحيل الى : خائن الوطن /خائن الشعب / كافر / متواطئ مع العدو .....الخ وكأننا نحن الذين خلقنا هذا الانسان (اليهودي ) وليس الله جل وعلا ؟!! (من الجدير بالذكر أننا لا نتطرق الى التيارات /الحركات /المنظمات السياسية الدينية المتشددة في كلا السياقين الاسلامي واليهودي لأنه ليس من شأن ورقتنا ) .
بالطبع ان تصورات الشك والريبة ازاء اليهودي من قبل العرب والمسلمين والنظر اليه نظرة دونية وتحقيرية مليئة بالضغائن والاحقاد ، لم تات من فراغ تأريخي ، وأنما تقع في صلب التاريخ وتطوره حيث نجد تبلورها منذ نشوء الدعوة الاسلامية بعد الهجرة (القرن السادس الميلادي )وتمركزها في يثرب (مقر اغلب اليهود ) وما صار بعد ذلك من صراع ونزاع بين اليهود من جهة والمسلمين المؤسسين بقيادة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم )من جهة ثانية مما ادى الى ضرورة تطهير عاصمة الدولة الفتية وتصفية كثير من المعارضين من المنافقين والمشركين واليهود بعد غزوة الخندق حيث كان يعلم النبي يقينا (كما يذهب سيد محمود القمي ):ان وجود يهود بكتاب مقدس ، ومأثور تأريخي ، وسلسلة ون النبوات قفت بعضها بعضا ، يعني وجود منكر دائم لنبوته وداخل مدينته ، وفي عقر دار دولته الصغيرة ، فاقتضت البداية قتل الراس اليهودي الكبير (كعب ابن الاشرف )الذي هاله امر قتل المشركين في بدر وأفصح بالعداء للمسلمين (اصابته الاوس ) اما الراس الثاني فكان رأس (ابن ابي الحقيق )وهو بخيبر (اصابته الخزرج ) ثم تاتي غزوة قريظة بأهم وأخطر النتائج وهي تحرير يثرب تماما من العنصر اليهودي حيث قضت عليهم وجعلت المنافقين عرايا من اي حلفاء ، مما اضطرهم في النهاية للخضوع التام للسلطة الاسلامية الجديدة ، ويشرح رجالاتنا من اهل السير والتاريخ كيف تم القضاء على بني قريظة ، وتطهير المدينة تطهيرا كاملا (الطبري /تاريخ الامم والملوك ج2 ، البهيقي /دلائل النبوة ،البلاذري /فتوح البلدان ) .من هنا سيطر النبي (ص) سيطرة تامة على يثرب ، مع نمو هائل في ثروة المسلمين وقوتهم العسكرية .
ان هذه النظرة العدائية لليهود وتصفيتهم ابان نشوء الدعوة الاسلامية لم تكن كذلك الا بسبب موقف اليهود السلبي الرافض بتشدد للنبوة ومحاولة زعزعة دعوتها وسلطتها الفتية ، من جانب اخر نعتقد ان من العوامل الحاسمة التي كوّنت علاقة العداء بين (المسلم /اليهودي )هو التحول السريع للنشاط الاقتصادي في منطقة يثرب اثناء تلك الفترة المتفجرة بالاحداث ، التحول من النشاط التجاري /الربوي /الحرفي /الزراعي الذي كان يحتكره ويزاوله اليهود بمهارة فائقة ودون منافسين اقوياء له الى النشاط العسكري (الغزوات الاسلامية )الذي بدأ يجتاح المنطقة مما ادى الى انكفاء اليهودي وتخوفه وقلقه البالغين من فقدان ثروته وهدرها وارتباك عمله المتماسك والمغلق سيما كان اليهودي يعيش في طبقة متميزة في ثرائها وطريقة حياتها المترفة والمنعزلة ، لذا فالعداء بين المسلم / اليهودي هو ظاهرة تاريخية (اجتماعية اقتصادية )وليست حالة ابدية توجد اينما وحيثما يوجد مسلم / يهودي وبالتالي فهذه الظاهرة يمكن ان تتطور الى حالة ايجابية ، من حالة عداء الى حالة تصالح متى توفرت لها ظروف انسانية صالحة ، فاليهودي كما يقدمه التاريخ الواقعي هو انسان ،شأنه شأن بقية الناس اصحاب الديانات الاخرى ، فحين تمت هجرة الرسول الكريم الى يثرب ، لم يجد العنصر اليهودي اية مشكلة في استضافة الخزرج لابن اختهم وصحبه ، واحتضانهم لدعوته تأسيسا على موقف عملي تكسيبي ، ادى اليه نجاحهم السابق في احتواء الهجرة اليمنية (الاوس والخزرج )وتوضيفها لصالح مزيد من المكاسب وترويجا لصناعتهم الحربية ولم يشكل ضعف المهاجرين الظاهر اي خطر عليهم . وهي عوامل دعت الى اطمئنان اليهود وأمكان احتواء هذا الوافد الجديد ، وهو الموقف الذي دفعت اليه وأذكته الايات الكريمة التي سبقت الهجرة في الوصول الى يثرب ،تتحدث عن مكان بني اسرائيل في التاريخ السياسي للمنطقة ومكانتهم في التاريخ الديني بصياغة تكريمية عظيمة ،تقدم احتراما واضحا أيضا للتوراة اليهودي كما في قولها :
((أنّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور )) المائدة /44
ويؤكد تلك العلاقة الايجابية بين المسلم / اليهودي الموقف العملي للنبي (ص)عند وصوله يثرب ، حيث استقبل قبلة اليهود في الصلاة (اورشليم القدس )بل وصام الغفران (يوم كيبور/عيد الفصح )ثم عقد الصحيفة مع اليهود للتعاون والامن والدفاع المشترك مع كفالة حرية الاعتقاد التامة ،وبهذا المعنى حسب ((سيرة ابن هشام ))تشير احد فقرات الصحيفة : ((ان اليهود امة من المؤمنين ، لهم دينهم وللمسلمين دينهم ، وبينهما النصر والنصيحة والنفقة ضد من حارب اهل الصحيفة )). اضافة الى ذلك فان ايات كثيرة تذكر بعدم التقاطع بين الاعتقاد الاسلامي والاعتقاد اليهودي :
((وهو الحق مصدقا لما معهم ))البقرة /91
((وهو ربنا وربكم ولنا اعمالنا ولكم اعمالكم ))البقرة /139
ويستنتج سيد القمني في كتابه (الاسلاميات ): ان يهود يثرب وهم يهيؤن انفسهم للكسب ، اكتشفوا – خاصة بعد بدر الكبرى – خطأ حساباتهم القاتل حيث تحدد الموقف تماما بعد ما كسبه المسلمون من قوة مادية ومعنوية ، لم تجعلهم في حاجة الى مثل ذلك التحالف النفعي ،حيث اثبت التجار المهاجرون حذقا وحنكة مما جعلهم منافسين اقوياء ليهود يثرب .
ان صورة العدو /اليهودي التي تكونت من خلال مشروطيات تاريخية واجتماعية معينة ما زالت سائدة ومهيمنة في الذهنية الاسلامية التقليدية وكأنها صورة ازلية لايمكن تغييرها الى صورة تصالحية سوية ،تلك الصورة نابعة من المخيال الميثي الذي يعتقد برداءة النوع اليهودي وجلبته المخادعة والماكرة وبالتالي يرفض هذا التصور رفضا حادا ونهائيا اي تصالح او تسوية معه او عقد علاقات سوية مع افراده ويجعل (المعركة) محتدمة الى ما لا نهاية بين الاسلام واليهود ويعلق كل اسباب تدهور وتدني اوضاع العرب والمسلمين وانشقاقاتهم وتصادمهم على عاتق العدو ،العدو اليهودي الذي يّخيل ان اصابعه الخارقة والاسطورية مثل (بعبع )هي السبب في كل صغيرة وكبيرة من مشاكل الامة وازماتها واختناقاتها .

ان التصور العدائي المزمن بين اهل الديانات او (المذاهب ) فيما بعضهم البعض وخاصة بين المسلم /اليهودي لا يتفق مع سلوك اصحاب الرسالات ،فكما يذكر عبد المجيد الشرفي في كتابه ((الاسلام بين الرسالة والتاريخ )): بأن النبي كان يذكّر مخاطبيه بأنه لاياتي بدعا من الامر وأنما هو يسلك طريق الانبياء ، أنبياء بني اسرائيل بدءا بأبراهيم ، وأنبياء المنطقة العربية مثل صالح وأن الذي يأتيهم به (مصّدق ) لما بين يديه ولما مع بني اسرائيل ، الم يكتب الله منذ رسالة موسى : ((في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء)) الاعراف /145. فهل نستغرب بعد ذلك ان يكون التوحيد الخالص هو جوهر رسالةالانبياء جميعهم ، وان الاحسان والبر وفعل الخير وأتيان الاعمال الصالحة هو ما دعوا اليه من دون استثناء ، مثلما دعوا الى نبذ الشرك والظلم والتكبر والعداوة والشر عموما ؟!
كذلك يتنافى ذلك التصور العدائي مع الوقائع التاريخية التي تذكرها كتب التاريخ من حيث تأكيدها على امكانية دحر العلاقة العدائية مسلم / يهودي وأقامة علاقة ايجابية كتلك التي اقامها (الاسوة الحسنة ) النبي الكريم مع النساء اليهوديات ،علاقة محبة وزواج ، وهي علاقة كما تؤكد التشريعات والكتب الدينية من العلاقات السامية والنبيلة (بل والمقدسة )التي يقيمها البشر فيما بينهم وقد تم توصيفها في القرآن بأروع توصيف : ((هنّ لباس لكم وانتم لباس لهن ّ)) البقرة /187.
ويذكر ابن سعد في كتاب الطبقات ج2 والواقدي في كتاب المغازي ج3 : "ان رسول الله (ص)أصطفى ريحانه بنت عمرو لنفسه ،وأمر بالغنائم فجمعت ،فأخرج الخمس من المتاع والسبي ، وأمرّ بالباقي فبيع فيمن يزيد وقسمه بين المسلمين " أما ريحانه بنت عمرو ، التي اختارها النبي فقد قال بشأنها أبن كثير : " عرض عليها النبي (ص) أن يعتقها ويتزوجها فأختارت أن تستمر على الرق ،ليكون أسهل عليها، فلم تزل عنده حتى توفي عنها عليه الصلاة والسلام".
أما الزوجة اليهودية الثانية فكانت صفية بنت حي بن أخطب سيد النضير ،التي لم يعلم النبي بجمالها الا بعد ان قتل زوجها بالفعل لنقضه العهود والمواثيق (لا كما يذهب الذهن الكائد للاسلام ونبيه الكريم الى ان قتل زوجها كنانة ، كان للاستيلاء على صفية ) وتتفق جميع كتب الاخبار حول رواية أنس بن مالك الذي قال : ((قدمنا خيبر ، فلمل فتح النبي (ص)الحصن ، ذكر له جمال صفية بنت حي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا فأصطفاها لنفسه )) ابن كثير /البداية والنهاية ج4 ،وقد قدرت الاقدار ، ان تحظى صفية بالاكرام ، فتحظى بسيد الخلق اجمعين (ص)رغم انها بنت عدو الله حي بن أخطب الذي حزب الاحزاب ، وزوج زعيم يهود خيبر كنانه بن ابي الحقيق .

ان اقامة علاقة ود ومحبة بين مسلم /يهودي مثل علاقة الزواج يمكن ان نستدل بها بصفة خاصة على امكانية نبذ الصورة التقليدية : العدو/ اليهودي ، المتجذرة في الذهنية الاسلامية واستبدالها بصورة انسانية افضل يتجلى فيها الحوار والتفاهم وقبول الاخر ، وهذا يجعل العرب والمسلمين ان يبحثوا اولا عن اسباب فشلهم ورداءة اوضاعهم من داخلهم قبل ان يعلقوها على شماعة الاخرين !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah