الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وفاء سلطان و العقل العربي الإسلامي

بشار السبيعي

2007 / 2 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ أكثر من شهر و أنا أتابع مقالات الدكتورة وفاء سلطان على موقع الحوار المتمدن. قرأت بشغف كل ماكتبت عن "الشيخ محمد و ظاهرة اللسان الداشر" و حتى أنني كنت أستغل ساعة غذائي الخاصة خلال نهاري العملي لأتصفح الموقع و ماكتب فيه من ردود على مقالات الدكتورة فيها من الثناء أو الهجاء ما طاب لأصحابها من كلام.

كوني موجود في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من عقدين و نصف من الزمن، شعرت أن كلمات الدكتورة في كل مقالة كتبتها كانت تحمل ما جنيته من علم ومعرفة منذ قدومي إلى العالم الغربي و حتى اليوم. لم أستطع أن أخفي إعجابي و إمتانني لها على ما قدمته إلينا فأرسلت لها رسالة شكر تحمل محبة صادقة و إمتنان متواضع.

ناقشت ماكتبت الدكتورة مع أصدقائي المثقفين و حاملين الشهادات العالية من جامعات الغرب. كنت دائماً وحيداً من بينهم ذو الرأي المعاكس ممن يُحمّلَ الدين الإسلامي المسؤولية الأولى في سبب تخلف الإنسان العربي المسلم، فكان كل نقاش يثبت لي صحة ماكتبته وفسرته الدكتورة عن عقلية الإنسان العربي المسلم.

صعقت عندما سمعت أحد أصدقائي وهو يردد ماسمعه من شيوخ المسلمين عن صفات القياس الجسدي للنبي إبراهيم عندما قال أن طوله كان عشرات الأمتار و قياس قدمه كانت تتجاوز المتر. كان قد تحدث صديقي الدكتور الأخصائي في طب الأطفال بجدية و إيمان أعمى و كأن كل ما تعلمَهُ في جامعات الطب الأمريكية من علم البيولوجيا و الأحياء قد نُسِخَ من عقلِهِ و فِكرهِ في لحظة خاطفة أخذت معها اخر ماتبقى من عقلانية عنده! فكيف من الممكن لإي إنسان ممن تشبع من أفضل ماقدمه العالم الغربي من العلم و المعرفة أن يؤمن بتلك الخرافة التي لاتحمل أي إثبات علمي كان أو أثاري؟ فوجود إنسان أسمه إبراهيم بتلك الصفات الجسدية هو من المشكوك بصحته في أي من مجالات العلم إن كانت Archeologyأو Anthropology.

حدثني صديق مقرب مني يعمل كمهندس في إحدى الشركات العالمية لصناعة أحدث أدوات الطب الجراحية، أنه عندما كان يذهب لتأدية صلاة الجمعة في إحدى الجوامع الموجودة هنا في مدينة ميامي في ولاية فلوريدا الأمريكية بصحبة صديق عمل، يدخل للوضوء في الجامع مع صاحبه. و كالعادة بعد أن ينتهوا من تأدية الطقوس المعتادة للوضوء يتناول صاحبه قضيب من المسواك الموضوع على الرف لخدمة جميع المصليين فوق إحدى محطات الوضوء المائية و يبدأ بدعك أسنانه و فمه و كأن القضيب هو فرشاة الأسنان الخاصة به!!
لم أستطع أن أخفي إشمئزازي و قرفي من هذه القصة، و سألت صديقي إن كان قد نبه صاحبه عن مخاطر عمل من هذا النوع. قال لي صديقي أنه قد ناقش الموضوع معه عدة مرات و لكنه على يقين أن الله يحميه من أي مرض أو عدوى طالما أنه يتبع سنة الرسول محمد بإستعمال ذلك المسواك!!! سألت نفسي ماهذه الديانة التي تجعل سلوك الإنسان الخاص بنظافته يقوده إلى وضع حياته في الهاوية من دون ريب أو خوف؟ كيف من الممكن أن تغير ذلك السلوك المعتوه عند ذلك الإنسان إن لم تبدأ بتغير أفكاره و عقائده؟

عندما تكتب الدكتورة وفاء سلطان أن
" الواقع الذي يعيشه أيّ انسان هو ناتج حتميّ لسلوكه وتصرّفاته، وسلوك الإنسان وتصرّفاته، هي بدورها ناتج حتميّ لبنات أفكاره!
لكي تغيّر الواقع، أيّ واقع، عليك أن تسعى لتصحيح السلوك البشري المسؤول عن هذا الواقع، ولكي تفعل ذلك عليك أن تحفر عميقا في البنيّة الفكريّة للانسان كي يتسنّى لك أن تقلع الفكرة التي ساهمت في تشويه ذلك السلوك.
لاتسطيع أن تغيّر الواقع المخزي الذي يعيشه العالم العربي والإسلامي إلاّ بتغيير سلوك الفرد المسؤول عن خزيّ هذا الواقع، ولكي نفعل ذلك علينا أن نعيد النظر في البنيّة الفكريّة والعقائديّة لهذا الفرد. " ( ظاهرة اللسان الداشر -6)
توضح بالورقة و القلم ما يجب عمله لإعادة بنية الهيكل الفكري والعقائدي للإنسان العربي المسلم.

يصّر صديقي العربي المقرب مني بعد رحلة من الصداقة من أكثر من عشرون عاماً في نقاشنا أنه يوافق الدكتورة بكل ماكتبت من تحليل علمي رائع للبنية العقلانية للفرد العربي المسلم، و لكنه يقف بضعة سنتيميتر بعيداً عن وضع اللوم على الديانة الإسلامية، و يصّر على أن اللوم يجب أن يقع على تفسير القرأن و السنة من قبل علماء المسلمين. طبعاً عندما أواجهه بأيات قرأنية تثبت وجهة نظري يلجاْ إلى الدفاع عن الإسلام بالطريقة التقليدية التي نسمعها تتردد على مسامعنا من جميع المسلمين و يقول "هذا ليس الإسلام"!!

عندما قرأت مقال الدكتورة الأخير في سلسلة "اللسان الداشر" الذي يُشَبِّهُ حالة المسلمين العقلانية اليوم كالبراغيث داخل قطرميز الزجاج و التي تقول فيه " المسلمون اليوم يعيشون داخل هذا القطرميز!
حاول البعض منهم أن يقفز خارجه، ففرّ هاربا أو مات مرتطما بسيف التكفير. والبعض الآخر مازال إمّا قابعا في قاعه، وإمّا مراوحا في المسافة التي تفصل بين القاع وبين الغطاء متمثلا بسيف التكفير!
لاأحد فيهم يمتلك رؤية واضحة!
الكلّ محبط، والكلّ يرفض التغيير مقتنعا بحالة الموت البطيء التي يعيشها داخل حدود القطرميز!"
تذكرت صديقي ضاحكاً ملىء قلبي، فتلك الكلمات الواعظة النابعة من أُسُسس علمية و معرفة عقلانية تتحدى كل ما كتب النقاد ردا على كل مقالاتها. فصديقي اليوم يرفض أن يأخذ تلك القفزة النوعية إلى عالم الفكر و المعرفة التي تتحدث عنها الدكتورة وفاء و لو كان ذلك اليوم من أسهل القفزات في حياته. فهو قد إستطاع أن يُحَصِّلَ أعلى درجات العلم في العالم الغربي و أنْجَزَ من الشهادات الجامعية العالية لتثبت ذلك، وعاش في العالم الغربي أكثر من نصف عمره، و لكنه مايزال عاجزاً عن القفز خارج ذلك القطرميز الإسلامي و هو على معرفة كاملة أن الغطاء قد رُفِعَ عنه!

تذكرت ماكتبت الدكتورة وفاء بسلسلة "اللسان الداشر-7" عن صديقتها أم عمر و مفهوم النجاسة عندما أخبرني صديقي المقرب أنه كان مستائاً من الذهاب مرة أخرى إلى حلقة الدروس الدينية الإسلامية الذي إعتاد أن يحضرها مع زوجته مرتين شهرياً على مدة من الزمن. كانت هذه الدروس الدينية تجذب حلقة صغيرة و خاصة جداً من الأصدقاء العرب المسلمين الذين يعيشون هنا في ميامي، فلوريدا. عندما سألت صديقي عن سبب إستياءه من تلك الدروس، أجابني أن المواضيع المطروحة أصبحت من السخافة مالايحتمل. ثم إستطرد قولاً أن من أخر المواضيع الذي طرح خلال ساعة الدرس كان عن النجاسة و الطهارة في الإسلام عندما سأل أحدهم "ماهي نسبة ( الضرطه) التي تفسد وضوء المسلم؟"!!! تفجرت خواصري ضحكاً على ذلك السؤال و كدت أن أقع من على الكرسي الجالس عليه. لم يكن قول صديقي مزاحاً أو إهتراء و أخبرني أنهم قد انفقوا مايزيد من ربع ساعة على نقاش الموضوع خلال ساعة الدرس و حاولوا إجتهاداً أن يجيبوا على السؤال ممتدين من الحديث النبوي ماكان متوفراً.
سألت نفسي مرة اخرى كيف من المعقول أن يدنو تفكير الإنسان المسلم بتعريف النظافة ويستمد مفهومها من خلال مفهوم النجاسة و الطهارة عند شعب عاش منذ 1400 عاماً؟!! إذا كان المسلمون يقضون معظم أوقاتهم بتأدية فرائضهم الدينية و تفسيركتب السنة هل من المعقول لهم أن يحلموا بعالم متحضر مبني على العلم و المعرفة؟ إذا كان همُّ الإنسان المسلم معرفة درجة نسبة (الضرطة) في فساد وضوؤه فكيف له أن يستوعب نظريات أينشتاين النسبية التي شرحت القوانين الكونية ووضعتها لخدمة وإرادة عقل الإنسان؟ إذا اصبح الإنسان المسلم يعرض حياته للخطر بإستعمال مسواك عاماً كان قد إستعمل من قبل من ماهب و دب من رواد الجامع لتنظيف أسنانه، متعامياً متعمداً عن مخاطر عمل مثل هذا النوع لأنه يريد ان يتبع سنة رسول الله فكيف لنا أن ننقذ هذا الفكر و العقل من سباته و هذيانه الديني؟

ثناءً لك أيتها الدكتورة العظيمة على كل كلمة و كل سطر و كل جملة أتيت لنا بها في سلسلة "اللسان الداشر". لقد قرعت الطبول و أنذرت العقول، و أيقظت فينا ممن حَكّمَ العقل منا ماوضعه الدين عنده في سبات الظلمات.
إطمئني فأنت لست وحيدة اليوم، فنحن أيضاً نرفع صوت العلم فوق الخرافة والعقلانية فوق التعصب الديني، ونمشي معك في مسيرة العلم و المعرفة نفتح أبواب كل زنزانة رجعية لنضيئها بالعلم و العلمانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - للتاريخ
كارلوس السوري ( 2011 / 3 / 6 - 08:09 )
سأعلق على ما مقالتك بالرغم من قدم الطرح وهذا للتاريخ فقط...
أولا أشد على يدك لطرح هذه المقالة الشيقة و الدليل أنها لم تجذب منذ 2007 أي تعليق أو مشاركة !

ثانيا هل تعتقد و تؤمن فعلا أنك ستذكر يوما ما ؟ للأسف ستنسى كما نسى غيرك من -التنويريين- كأمثال وفاء سلطان و غيرها...و لن يتبعك أحد للأسف فخطابك مسئ للمسلمين أما الاسلام فهو علي يستحيل الوصول إليه...و بما أن الشعب السوري أغلبيته مسلم (متسامح مع كل الاقليات و الديانات الأخرى) فسيتعدى عن كتاباتك و يلفظها لأنها تسئ إليه...

لن أرد على تفاصيل المقال فلا جدوى من ذلك...

لكن نصيحة لك يا بشار السبيعي إن أردت فعلا أن تكون معارضا تلتف حوله الجماهير عليك أن تستوعبها في بادئ الأمر، و لا تتعدي جهلهم و حكمتك...فهذا إساءة أخرى لأهل بلدك فأنت لا تحترك الحكمة و المعرفة !

يا بشار السبيعي أنا لك ناصحك و عليك مشفقك...تفهم مطلب الجماهير و إلا ستنسى كغيرك

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah