الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشاركة السياسية في المجتمع العربي

صلاح عبد العاطي

2007 / 2 / 26
المجتمع المدني


تعد المشاركة السياسية في أي مجتمع هي محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعني ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذي بات معلماً رئيساً من معالم المجتمعات المدنية الحديثة، المجتمعات التي أعاد العمل الصناعي تقدم العلوم والتقانة والمعرفة الموضوعية والثقافة الحديثة بناء حياتها العامة وعلاقاتها الداخلية، على أساس العمل الخلاق، والمبادرة الحرة، والمنفعة والجدوى والإنجاز، وحكم القانون، في إطار دولة وطنية حديثة، وهي تجسيد لعمومية المجتمع وشكله السياسي وتحديده الذاتي.
بعبارة أخرى، المشاركة السياسية مبدأ ديمقراطي من أهم مبادئ الدولة الوطنية الحديثة؛ مبدأ يمكننا أن نميز في ضوئه الأنطمة الوطنية الديمقراطية التي تقوم على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، من الأنظمة الاستبدادية، الشمولية أو التسلطية التي تقوم على الاحتكار. مبدأ يقيم فرقاً نوعياً بين نظام وطني ديمقراطي قوامه الوحدة الوطنية، وحدة الاختلاف والتنوع والتعارض الجدلي، ونظام شمولي أو تسلطي قوامه التحاجز الاجتماعي والحرب الأهلية الكامنة التي يمكن أن تنفجر عنفاً عارياً وتدميراً ذاتياً في أي وقت، مبدأ سياسي وأخلاقي يقيم فرقاً نوعياً بين الحرية والاستبداد.
ويمكن القول إن المشاركة السياسية هي التعبير العملي عن العقد الاجتماعي الطوعي، لا في مفهومه فحسب، بل في واقعه العملي أيضاً، إذ تعيد المشاركة السياسية إنتاج العقد الاجتماعي وتؤكده كل يوم؛ أي إنها تعيد إنتاج الوحدة الوطنية وتعزها كل يوم، وهذه أي الوحدة الوطنية من أهم منجزات الحداثة، ولا سيما الاعتراف بالحقوق الناجمة عن الاعتماد المتبادل بين مختلف الفئات الاجتماعية وإسهام كل منها في عملية الإنتاج الاجتماعي على الصعيدين المادي والروحي، نعني الإنتاج والاستهلاك والتوزيع والتبادل. وهي، من ثم، تعبير عملي عن المواطنة، أي عن صيرورة الفرد، من الجنسين بالتساوي، عضواً في الدولة الوطنية متساوياً، بفضل هذه العضوية، مع سائر أفراد المجتمع وأعضاء الدولة في جميع الحقوق المدنية والحريات الأساسية. ويمكن القول إن المشاركة السياسية هي جوهر المواطنة وحقيقتها العملية، وهي التي تحدد الفارق النوعي بين الرعايا والمواطنين وبين الامتيازات والحقوق. ذوو الامتيازات، في كل عصر وفي كل نظام، لم يكونوا مواطنين، بل رعايا. وذوو الامتيازات اليوم ليسوا مواطنين، بل هم رعايا وموالون وعبيد، فمن يظن نفسه سيداً على جماعة من العبيد هو أكثر منهم عبودية.
وذوو الامتيازات اليوم ليسوا وطنيين، لأن الوطنية تتنافى مع الامتيازات على طول الخط، والنظام الذي يقوم على الامتيازات وتسلسل الولاءات ليس نظاماً وطنياً بأي معنى من المعاني، الوطنية هنا مرادفة لكلية المجتمع وعمومية المجتمع وسيادة الشعب، وليست حكم قيمة أو صفة أخلاقية.
المواطنون فقط هم ذوو الحقوق المدنية، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي يعترف بها الجميع للجميع بحكم العقد الاجتماعي، ويصونها القانون الذي يعبر عن هذا العقد.
ومن البديهي أن المشاركة السياسية، في زمان ومكان محددين، تتوقف على معنى السياسة وقيمتها ومدى حيويتها وعقلانيتها، في المجتمع المعني، أي على نحو تفهمها مختلف الفئات الاجتماعية، وعلى القيمة التي تمنحها لها هذه الفئات، وعلى مدى إدراجها في تحديد ذواتها، لا على نحو ما تفهما وتعقلها النخبة فقط.
فحين يكون الأمر مقصوراً على نخبة لا تزال حداثتها وعقلانيتها موضع شك تغدو أفضل المبادئ والنماذج النظرية بلا قيمة عملية. ومن ثم، فإن عنصر التحديد الحاسم هو النظر إلى السياسية، إما على أنها شأن عام، وصفة ملازمة للمواطنة، أي على أنها علم إدارة الشؤون العامة بوصفها علاقات موضوعية، أو "علم الدولة"، وإما على أنها شأن من شؤون النخبة، وجملة من الأهداف والمطالب والتطلعات والرغبات الذاتية والفئوية، وهو المعنى الغالب على السياسة في بلادنا حتى اليوم، إذا صرفنا النظر، هنا فقط، عن مقاصدها الأساسية التي كشفت عنها الدراسات الأنتروبولوجية والتاريخية، أعني "الغنيمة والعشيرة والعقيدة"، بتعبير الجابري.
وتجدر الملاحظة أن مفهوم المشاركة السياسية مفهوم حديث، وافد على الثقافة العربية، وعلى الفكر السياسي خاصة، ولم يتبياً بعد، ولم يستوطن؛ أي إن الثقافة العربية لم تتمثل هذا المفهوم وما يتصل به من المفاهيم الحديثة، وتعيد إنتاجها وفق معطيات الواقع وحاجات المجتمع. بل إن جل ما فعلته، حتى يومنا، هو غمس هذه المفاهيم في مستنقع التقليد، ومحاولة تكييفها مع "التراث"، أو إعادة إنتاجها فيه، بحسب ما يرغب محمد عابد الجابري وبشارة وغيرهما من المثقفين ، من دون أن تدرك أنها تعزز التقليد، وتحد من القدرة التنويرية والتحريرية والتوليدية الإجرائية لهذه المفاهيم، إن لم تخصها؛ وبوجيز القول، لا يمكن الحديث عن مشاركة سياسية إلا في نطاق مجتمع مدني حديث وسلطة وطنية حديثة لا تبدو لمواطنيها من الداخل سوى بصفتها سلطة حق وقانون، لا سلطة حزب، ولا سلطة نخبة ولا سلطة طغمة ولا سلطة عشيرة، ولا سلطة طائفة أو جماعة دينية أو عرقية.
لذلك نميل إلى القول إنه لا يوجد لدينا في المجتمع العربي والفلسطيني سوى ضرب من مشاركة سياسية سلبية تتجلى في التأييد السلبي، أو القبول التام، وفي المعارضة السلبية أو الرفض التام، لا مشاركة سياسية إيجابية وخلاقة ، فقد كتب جان جاك روسو " السلطة الأكثر شمولا وقمعا، هي التي تتغلغل حتى داخل الإنسان وتمارس القسر على إرادته و أفعاله"ونقول أن السلطة الأكثر ذكاءاً هي التي تجبر معارضيها على محاورتها .
و الديمقراطية كنظام، وحقوق المواطنة كحالة ووضع ، والمشاركة كفعالية ، مفاهيم ثلاثة مرتبطة بشكل حميمي وعميق؛ الثلاثية تطرح إشكاليات جدية وذات دلالة بالغة ، فإما تترجم وتتضح من جهة، أو تزيد من التعتيم على الفكرة التي نبحث عنها" المشاركة"، أو تحدث انشقاقا معرفيا وأيديولوجيا هاما.
فبين الديمقراطية والمواطنة علاقة داخلية ، ووفقا لكليهما ، المبدأ الذي يقود أو يرشد الديمقراطية هو المواطنة ، ويتضمن في نفس الوقت القانون والحقوق لكل كائن إنساني أن يعامل من قبل الآخرين بالمساواة والعدل ، وخاصة فيما يتعلق بالتجمعات والخيارات الجماعية ، و إجبار الحكام أن يكونوا مسؤولين أمام كل أفراد المجتمع السياسي، دون أدنى شك إن نماذج و إجراءات ومناهج المواطنة لدينا تطبق وتستخدم في المؤسسات السياسية بطريقة تكاد تكون من إرث القرون الوسطي ، وهي محاصرة بمبادئ عمل و إدارة تقليدية " الخضوع القهري للعادات الاجتماعية، الحكم البيروقراطي الفشل الإداري، والاستبداد"، أو أنها اتسعت لتستوعب الأشخاص أو الجماعات الذين ليس لهم أي حق في ممارسة فعل سياسي أو غيره بشكل قانوني.
وهنا لا بد من التفريق بين المشاركة كسياق موجهة نحو نهاية ما ، لها إنتاج واضح ، وبين المشاركة كعلاقة بين الفاعلين. فالمشاركة " كسياق" يمكن أن تقود إلى قرار يلامس الجوهر " جوهر السلطة ذاتها " . أما المشاركة " كفعل" لا تحدث أو تشكل قرارا بشكل أوتوماتيكي، ومثال ذلك، أن يسمح لك بالانتخاب ولكن الممثل السياسي لك هو ما من يتخذ القرار الذي يراه هو صحيح، فالمفاهيم القديمة للمشاركة لا بد من تدميرها، ليحل مكانها الأفكار الجديدة التي تبعد الدولة عن التدخل في مجالات عدة أهمها، الفرد والعائلة والمجتمع ، ويكون أساسها المواطنة، وذلك من خلال الصراع لأجل التغيير " لا الانقياد " ، تغيير العلاقات الاجتماعية . ووضع قواعد لعلاقات منظورة لا ضبابية، ثم العمل لصناعة مفردات سياسية جديدة ؛ فمقاييس نظام سياسي ما يمكن تحديدها من خلال حدة أو كثافة أو قيمة المشاركة، كأن تكون التعددية الحزبية ضد سياسية الحزب الواحد ، حرية الصحافة في مواجهة الرقابة ، الديمقراطية الثقافية في مواجهة النخب، رقابة الأمن على حماية أمن المواطنين، مجتمع حرية الفرد بدلا من مجتمع الفوضى والعادات والتقاليد.
لذا يجب أن تتحلى المشاركة السياسية بخصوصية أو موقع خاص في حياة المجتمعات ، وذلك من خلال ربطها بشكل قانوني بنظرية ديمقراطية، كما على المحاورين الجدد أو الساعين لاقتسام السلطة، وليس بالضرورة السلطة السياسية ، ويمكن أن تكون كذلك ، أو سلطة المعارضة ، أن يفهموا جيدا ماهية العلاقات الاجتماعية والسياسية التي تعاقبت على التاريخ والتي أحدثت عمقا وكثافة ومن ثم شرعنت المشاركة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #