الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعوب جائعة وكرامة ضائعة

بلال العقايلة

2007 / 2 / 26
المجتمع المدني


في ظل التطوير الإداري و التنمية السياسية التي تنادي بها الحكومة الاردنية هذا الأوان ، و في الوقت الذي تتسابق فيه الحكومات العربية لتنفيذ املاءات خارجية و سياسات داخلية تطال كافة مناحي الحياة المختلفة ، فإن معظم الحكومات العربية قد اسقطت من حساباتها ما تعانيه امتنا من ويلات اقتصادية واجتماعية ونفسية ، إضافة إلى الروح الانهزامية التي تولدت لدى الجماهير العربية بسبب النكسات التي تمر بها الأمة ، مما افقدها الثقة بقرارات القمم المتعاقبة التي أثبتت فشلها الذريع وعدم جدواها للتصدي للقضايا المصيرية و الخطيرة التي تحدق بالأمة من كل جانب ، وكذلك القرارات المتلاحقة التي تصوغها تلك الحكومات ، و المتمثلة بالتضييق على الحريات العامة و الرقابة المسبقة على الصحف ، وتقويض دورالنقابات المهنية التي تشكل أصوتا وطنية صادقة تعبرعن مشاعر و مكنونات الجماهير .

في مثل هذه الأجواء المتخمة بالاحباطات ، تشرع الحكومات العربية و بشكل مباشر بانتاج مجالس تشريعية هزيلة و عليلة و فاقدة للدور و المضمون كونها افرازات لنتائج الغش و التزوير كما هو المجلس النيابي الاردني الحالي الذي سماه الشعب مجلس ( المكوى ) حيث فعل فعلته هذا الاخير في تزوير البطاقات الشخصية و حسم نتائج الانتخابات النيابية .

كل هذه المعطيات ادت إلى تكريس الهوة ما بين القمة و القاعدة ، و خلقت حالة من المباعدة بين الحاكم و المحكوم ، الأمر الذي جعل الجماهير عاجزة عن ممارسة حقها و ابداء رأيها و المساهمة في تقرير مصيرها و مراقبة افعال حكامها .

ففي تلك الاجواء المفعمة بيأس الفقراء و جشع البرجوازية كان من الطبيعي أن تتنازع طبقات مسيطرة و مستغلة تستحوذ على خيرات البلاد و العباد ، و المؤسف حقاً أن يتم ذلك بغطاء و شرعية مستمدة من تلك المجالس التشريعية التي خرجت من رحم الشعب بالتزوير ،فكان من الطبيعي ان تتنكر له وتدير له الظهر وتنقلب عليه عندما صادقت على حزمة التشريعات و القرارات التي تمس قوته و رزقه ، وشرعت بتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة الوطنية و السير ضمن اطر ضيقة لا تعتمد المنظور البعيد .

ولعل اكثر ما يمتعض منه المرء محلياً هو تهافت بعض النواب على صناديق المعونات و الصدقات و الجهات المتبرعة في الدولة ، وأعداد قوائم بأسماء زمرة من المحسوبين عليهم بغية الأستفادة من تلك الدوائر ، غير آبهين بتلك الجيوش من الفقراء ممن أغرقتهم ظروفهم الصعبة في غائلة العوز و الحاجة ، الأمر الذي يضطرهم إلى الإلتحاق بطوابير المصطفين أمام أبواب هذه المؤسسات على أمل الحصول على قليل من النقود و الغذاء الذي لا يكفيهم لبضعة أيام .

وهنا تسوقني العجالة لأورد موقفاً حدث لأحد الزملاء الصحفيين ، عندما أقحم نفسه ذات يوم في أحد الطوابير المصطفة على أبواب الحكومة لتلقي بعض الفتات ، فما كان من هؤلاء المتبرعين أن شملوه بكرمهم السخي ورعايتهم الكريمة عندما فاز منهم بمبلغ ضخم قيمته خمسة دنانير ، بعد عذاب وطول عناء ، دون تنبههم بوجوده كصحفي في مهمة صحفية ، وهذا أبلغ دليل على الآليات المتخلفة و السياسات الترقيعية القاصرة التي تنتجها الحكومة للقضاء على جيوب الفقر عند ملايين المسحوقين أو كما حصل قبل نحو أسابيع عندما اصطف المئات من أبناء محافظة معان المعدميين في العراء تحت و طأة العاصفة الثلجية لتلقي بعضا من فتات الفتات .
في حين أن ثمة طغمة فاسدة قد اتخمت من مال الشعب وثرواته ، وصعدت على اكتافه ما زالت تقبع في بروجها العاجية غارقة في الملذات و الشهوات ولا يحلو لها الرقص إلاّ على جراحات الشعب وفقره و الطرب لسماع توسلات الأرامل و بكائهن و عويل الثكالى في وطن ينعم فيه الفاسدون ويجوع فيه المخلصون .

هكذا أصبح الإنسان في بلادنا مرغم ومجبراً على التسول و التكسب على حساب ماء وجهه وكرامته التي صانها له رب العزة حينما قال جل وعلا : { ولقد كرمنا بني آدم وحملناه في البر و البحر ورزقناه من الطيبات وفضلناه على كثير ممن خلقنا تفضيلا } صدق الله العظيم .
هذه الآية نزلت بحق الإنسان بغض النظر عن جنسه ولونه و مركزه ، فكيف به أن كان عربياَ مسلماً صاحب رسالة خالدة ، فلا يجوز أن تهدر كرامته بهذه الصور المبتذلة ، وأن يتمعر وجهه من الإلحاح و السؤال بهذه الطريقة المحرجة و المبتذلة التي يسلب خلالها الشعب مما بقي لديه من كرامة على ايدي أولئك المجرمين .

لقد كان من الأولى أن تضع الحكومة الاردنية إستراتيجية وطنية ثابتة لمعالجة تلك الحالات من الفقر و البطالة وقبل ذلك وذاك عليها ان تشرع سريعاً باسترجاع الأموال التي نهبها دهانقة السياسة و مصاصي الدماء من وزراء و مسؤولين سابقين بدلاً من الحلول الترقيعية الانية التي سرعان ما تفقد جدواها وفعاليتها وتعرض المواطن للضيق و الحرج ولاسيما ونحن نعلم أن هناك الكثير من الفقراء الذين يتعففون ولا يسألون الناس الحافاً ، وتأبي نفوسهم طرق أبواب خلق الله لنيل الفتات ولسان حالهم دائماً ،
يقول : ( لا تسقني كأس الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضابط شرطة أميركي يشعل سيجاراً أثناء اعتقال مشتبه


.. بايدن: ليس هناك تكافؤ بين إسرائيل وحماس ونرفض تطبيق المحكمة




.. تونس.. منظمة حقوقية توثق 20 حالة انتحار خلال شهر أبريل


.. تداعيات إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق إسر




.. بتهمة ارتكاب جرائم حرب.. الجنائية الدولية تسعى لاعتقال نتنيا