الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فذلكة في تاريخ الإستعراب الجامعي ببطرسبورغ/الحلقة الثالثة

ناظم الديراوي
(Nazim Al-Deirawy)

2007 / 2 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الجمعية الأُرثوذكسية والحجاج الروس
في نهاية القرن التاسع عشر أوردت الدوريات والتقارير الدبلوماسية والدينية الروسية معلومات كثيرة عن تعاظم سيل الحجاج الروس الذين أموا الأراضي المقدسة في المشرق العربي وبروز تبادل تجاري نشيط بين روسيا والبلدان العربية إذ بدأت سفن شركة الملاحة والتجارة الروسية،التي تأسست عام(1857)،تتردد بانتظام على الموانئ العربية.وساهم إنشاء الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية في الأرض المقدسة في(21/أيار/1882)بإشراف الرحالة الروسي فاسيلي خيتروفو،مؤلف عشرات البحوث والدراسات التاريخية عن فلسطين والشرق الأوسط،في تعضيد التقارب الروحي بين الروس والعرب(إذ كان لها الفضل في بناء شبكة من المدارس في فلسطين وسوريا ولبنان ظلت تتسع باطراد حتى بلغ عددها(114)مدرسة تضم(15)ألف طالباً وطالبةً عام1914).وقد اعتمدت هذه المدارس على أفضل المبادئ التربوية الروسية،وعنها قال المستشرق الروسي كراتشكوفسكي في كتابه الشهير (مع المخطوطات العربية):ومع أن هذه المدارس الصغيرة كانت فقيرة الأثاث إلا أن لوجودها مغزى عظيماً.فلقد وصلت إلى هناك من روسيا وعن طريق مدارس الجمعية الفلسطينية الوصايا العظيمة والأفكار العالية لبيروغوف وأوسبينسكي.وكثيراً ما كانت المبادئ التربوية للمدارس الروسية في فلسطين وسوريا أعلى مما لدى المؤسسات التبشيرية المختلفة لغرب أوروبا وأمريكا على الرغم من جودة تجهيز هذه المؤسسات.
كما وسجل الأديب اللبناني ميخائيل نعيمة،الذي تعلم في مدارس الجمعية وواصل دراسته الجامعية(1905-1911)في مدينة بتروغراد (بطرسبورغ) ومدينة بلتافا في أوكرانيا(زارها كاتب المقال عام 1989 بمناسبة احتفال المستشرقين السوفيت بمرور مائة عام على ميلاد الأديب ميخائيل نعيمة)انطباعاته عن المدرسة الروسية الجديدة في بلدته(بسكنتا)يقول:(ما كان لنا نحن الصغار أن نعرف من أين جاءتنا تلك النعمة وكيف.وكل ما عرفناه أن(المسكوب)قوم أشداء وكرماء يحكمهم قيصر تهتز لكلمته جميع ملوك الأرض.وإنهم يقطنون بلاداً شاسعة وباردة في الشمال.وإنهم "روم" مثلنا، ولذلك يعطفون علينا ويحرصون على الدفاع عنا وعن "ديننا"…أما دولتنا "العلية" كانت قد بلغت من الهرم والتفكك حد الانحلال وإن الدول الغربية، تحت ستار الدين راحت تتسابق إلى بسط نفوذها في أجزاء تلك الدولة المتداعية،فكان لنا فيض من المدارس الفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية والروسية وغيرها في فلسطين ولبنان–أما ذلك كله فكنا غافلين عنه،وغير شاعرين بوجوده).
وتشير المصادر إلى أن المؤرخ الروسي خيتروفو زار فلسطين في بداية الثمانينات من القرن التاسع عشر وقام بجمع مصادر قيمة من الكتب عن فلسطين،ورثتها الجمعية بعد وفاته، وقبل تأسيس الجمعية بعام واحد أصدر خيتروفو العدد الأول من (المجموعة الفلسطينية)- حتى عام(1917)صدر(90)عدد من المجموعة– ومن بين الرحالة والعلماء والأدباء الذين أشرفوا على نشاطات الجمعية هم:فيليبوف،كوتوزوف،أوليانتسكي،بونوماريوف.وبلغ عدد أعضاء الجمعية في نهاية القرن التاسع عشر حوالي خمسة آلاف شخص.وآنذاك انصب اهتمام علماء الجمعية الروسية– الفلسطينية على دراسة تاريخ العلاقات الاقتصادية والثقافية والدبلوماسية بين روسيا والشرق الأدنى منذ العصور القديمة،وقد خلف الرحالة والحجاج والفنانون والمستشرقون الروس دراسات ومذكرات ذات قيمة حضارية رفيعة عن الشرق العربي والبلدان المجاورة.
المسالة الشرقية
لا شك أن الاستشراق الروسي،نهاية القرن التاسع عشر،شأنه شأن الأوروبي عموماً،نما وترعرع بفعل الأحداث التي ألمت بالشرق الإسلامي وخصوصاً(المسألة الشرقية)التي كانت إحدى المشاكل العظمى في السياسة الأوروبية آنذاك.كما وأدت موجة مناهضة الاستعمار إلى تغيير في النظرة الشاملة تجاه الشرق العربي وقضاياه العادلة.وطرح تزايد اهتمام روسيا بهذه المنطقة وتعاظم نفوذها في بعض الولايات العثمانية أمام الاستعراب الروسي مهام جديدة،وأخذت نخبة من العلماء والرحالة والدبلوماسيين تعالج التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للعالم العربي،وفي الوقت نفسه ازدادت الاتصالات مع العلماء والأدباء والمترجمين من أبناء البلاد العربية والإسلامية وكان لهذه النخبة مكانة هامة في تطوير مؤسسات علم الاستعراب الروسي ومنهم العلماء والمدرسين:قلزي وصروف والخشاب والشيخ الطنطاوي وبندلي الجوزي وعطايا وغيرهم الكثير.وكان من نتائج هذه التطورات إعادة تنظيم الاستعراب الجامعي في بطرسبورغ،بعد أن تم إقرار اللائحة الجديدة للنظام الداخلي للجامعات الروسية عام(1884).و آنذاك تم التركيز على تطوير وتعزيز اتجاه البحث العلمي في عمل كلية اللغات الشرقية ورفد الكلية بالاختصاصيين ذوي التأهيل العلمي العالي للنهوض بالمهام الجديدة.وبرز من بين هؤلاء العلماء:فاسيليف و مينايف وغالسنوفسكي وبانكانوف وغيرغاس وروزن(1849-1908)مؤسس مدرسة الاستشراق الروسي قبيل ثورة أكتوبر(1917).
كما وركز البرنامج التعليمي في كلية اللغات الشرقية بجامعة بطرسبورغ على تدريس المواد التالية:اللغات الشرقية،الآداب الشرقية،تاريخ بلدان الشرق،وشملت المادة الأخيرة تاريخ شعوب آسيا الوسطى والصين وبلاد فارس وتركيا ومصر. وجرى تدريس هذه المواد بطريقة اتسمت بالتناسق والانسجام بين الأهداف العلمية – البحثية والتطبيقية.لأن»مصالح روسيا كانت دائماً على ارتباط وثيق بالشرق« والشرق بالنسبة للمستشرقين الروس،في رأي البروفيسور مينايف،لا يمكن أن يقتصر على ذلك الشرق المطروح في الكتب.واعترافاً بدور الاستشراق الروسي في تطوير علم الاستشراق الأوروبي عقد في مدينة سانت – بطرسبورغ عام(1876)المؤتمر الدولي الثالث لمستشرقي العالم.
مواضيع جديدة في الإستعراب
مع تخوم القرن العشرين برزت مواضيع جديدة احتلت موقع الصدارة في دراسات وبحوث المستشرقين الروس وهي:دراسة الشرق على ضوء المكتشفات الأثرية الحديثة في أراضي روسيا وبلدان الشرق(وكان من بين ممثلي هذا العلم:ماير وأربيلي مدير متحف الأرميتاج لاحقاً) ودراسة الاتجاهات الجديدة في الآداب الشرقية،وفي هذا الحقل نشر العلماء سميرنوف، فيسيلوفسكي…عشرات الأبحاث، ويعتبر العلامة كراتشكوفسكي أول عالم أوروبي يكتب عن الأدب العربي الحديث،حيث وضع عام(1909)دراسة بعنوان(الرواية التاريخية في الأدب العربي المعاصر)وصف فيها آثار أبرز ممثلي الاتجاهات الأدبية الحديثة:جرجي زيدان وجميل الزهاوي وأمين الريحاني ومحمد تيمور.كما وأعار المستشرق كراتشكوفسكي اهتماماً بالغاً لمبادئ ومناهج دراسة الأدب العربي.ويعود الفضل في دراسة تاريخ الثقافة العربية في العصر الوسيط إلى المؤرخ المعروف بارتولد،إذ أدخل حيز التداول العلمي مادة علمية كبيرة من المصادر العربية والفارسية والتركية ووضع بدايات الدراسات الأساسية لمسائل التطور الاجتماعي والسياسي في الشرق الأوسط في العصور الوسطى.وترك العلامة الأوكراني كريمسكي أبحاثاً وتحقيقات هامة في تاريخ وثقافة ولغات الشعوب السامية وأنجز دراسات منوعة في تاريخ الأدب العربي وعلوم اللغة العربية.
ويرى المؤرخ الأكاديمي بارتولد(1869-1930)أن دراسة الشرق في روسيا،حتى بداية القرن العشرين،حققت من الإنجازات الكبيرة ما فاق إنجازات علم الاستشراق الغربي في هذه الفترة.ورغم هذه الإنجازات لوحظ قلة اهتمام المستشرقين الروس بالقضايا والأحداث التي آلمت بالشرق نهاية القرن التاسع عشر وتاريخ واتجاهات الحركات الوطنية في الشرق عموماً.وقد فتحت الحرب العالمية الأولى وما تبعها من أحداث عاصفة في روسيا،مرحلة جديدة في التعامل مع العالم العربي،ويشير المؤرخ المستعرب نيكولاي دياكوف إلى أن الحماس الثوري بعد الحرب قد حدد بوضوح اتجاه الحركة التحررية في البلدان العربية،ودفعها نحو الاقتراب من روسيا السوفيتية على أساس العداء للاستعمار. فحكومة روسيا الجديدة قد تخلت علانية عن التزامها مع حلفائها في مسألة تقسيم تركيا الآسيوية لدرجة أنها نشرت الوثائق الدبلوماسية السرية لاتفاقية سايكس– بيكو(مايو/1916)التي نصت على خلق مناطق نفوذ في ممتلكات(الباب العالي)العربية.
وهكذا وبعد انتهاء الحرب بدأ عهد جديد في تاريخ الاستشراق الروسي بعامة والاستعراب بخاصة.وكانت المراكز الرئيسية لدراسة اللغة العربية والأدب العربي قبل ثورة أكتوبر عام(1917)في مدن بتروغراد وموسكو وقازان.أما في العصر السوفيتي أصبحت اللغة العربية - كما يذكر المستعرب غريغوري شرباتوف- تدرس أيضاً في المعاهد العليا المنشأة في الجمهوريات غير الروسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة