الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة في المنطق: نقد المنطق الأرسطي 6

محمد انعيسى

2007 / 3 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هكذا فالنقد الموجه للمنطق الأرسطي هو نقد موجه لمذهب القياس أو التدليل المنطقي الذي اعتمده ،ويمكن ان نجمله في كون المقدمة الكبرى تحتاج الى تدليل أو تعليل أكثر ،فعندما نقول مثلا كل انسان فان ،فان هذه العبارة عبارة ذاتية محضة وليست عبارة موضوعية ،وقد كان أرسطو ذكيا عندما وضع سقراط في مقدمته الصغرى ،فالكل يعرف ان سقراط قد مات مسموما في محاكمة تاريخية ،فلماذا لم يقل مثلا أرسطو في مقدمته الكبرى ان انسان المستقبل انسان فان؟طبعا لان أرسطو لم يضمن ذلك،بل انه اعتمد في مقدمته الكبرى على مسألة اعتاد عليها الناس .والنتيجة التي نصل اليها عن طريق منهج أرسطو في القياس هي نتيجة معروفة سلفا،والحقيقة ان منهج القياس يمكن ان نقول انه منهج للتأكيد من فرضية معينة وليس منهجا للوصول الى الحقيقة النسبية التي يدعيها أرسطو، وفي هذا الصدد بالذات يؤكد وليم جيمس على ان الحقيقة ماهي الا فرضية يفترضها الانسان كي يستعين بها على حل مشكلات الحياة.
ـ نقد مبادىء العقل التي يستند عليها الانسان في تفكيره عند أرسطو:
رفض مجموعم من الرياضيين مبدا الثالث المرفوع واعتبروه عائقا للتفكير الصحيح ،فمبدأ الثالث المرفوع عند أرسطو يقر على ثنائية القيم او ثنائية الشيء او النقيض ، وهذا ما يتنافى مع وصلت اليه البحوث الفزيائية المعاصرة ،كما ان المفكر برتراند رسل قد هاجم بشدة ثنائيات أرسطو وتوصل بتفكيره وبمنطقه المناقض لمنطق أرسطو الى نقد مبدأ الثالث المرفوع وقد اعطى رسل مثالا واضحا وهو كالتالي :
( ان العبارة التالية على هذه الصفحة ،جملة كاذبة)
ان هذه العبارة (ولنطلق عليها اسم ع ) تشير الى نفسها ،وتقول عن نفسها انها كاذبة .ولكن اذا كانت ع كاذبة ،فان ما تقوله لابد وان يكون كاذبا ،ومعنى هذا ان ع ليست كاذبة .ولما كانت كل عبارة اما ان تكون صادقة او كاذبة ،فان معنى هذا ان ع لابد من ان تكون صادقة ولكن، اذا كانت ع صادقة ، واذا كانت تقول عن نفسها انها كاذبة ،فلا بد اذن من ان تكون كاذبة.ولو اننا افترضنا ان ع كاذبة لكان علينا ان نسلم بالضرورة انها صادقة .وهلم جرا...
هذا هو مثال بتراند رسل الذي انتقد به مبدا الثالث المرفوع ،اذا ان العبارة ع صادقة وكاذبة في نفس الوقت ، وبهذا المثال فقد ضرب رسل مبدا الثالث المرفوع عرض الحائط .
هذا بالاضافة الى ما توصلت اليه الفيزياء المعاصرة حول طبيعة الضوء،فقد كان هناك نقاش كبير بين الفيزيائيين ،فقد كان هناك معسكر يؤكد على الطبيعة المادية للضوء ،في حين ذهب المعسكر الآخر الى اعتبار الضوء موجة وهو ليس بالمادة اذ ان المادة تتميز بالحجم والكتلة .وقد انتهت الأبحاث الى نظرية جديدة وهي ان الضوء ذو طبيعة جسيمية ، اذ ان الضوء مادة وموجة في نفس الوقت ويمتاز بخصائص المادة والموجة في نفس الوقت .
وقد انتقدت المبادىء الأخرى التي يستند عليها العقل الارسطي ، خاصة مبدا العلة والمعلول ،او ان لكل سبب مسبب يقول علي الوردي في كتابه مهزلة العقل البشري :
(..مثال ذلك قولهم كل شيء له سبب،وهذا يعد في نظرهم قانونا بديهيا لا يجوز لاحد ان يشك فيه ،وهو ما يعرف بقانون السببية ،فهم يرون كل شيء في محيطهم له سبب،واعتادوا على ذلك حتى صار متغلغلا في صميم تفكيرهم المنطقي ،فاذا اعترض عليهم احد وقال:كيف عرفتم ان لكل شيء سبب؟ هل استطعتم ان تفحصوا كل الأشياء الموجودة في السموات والأرض وتكتشفوا الأسباب المختفية ورائها؟ضحكوا وقالوا هذه سفسطة...)
كما قلنا فقانون السببية يسيطر على عقول البشر ويحول دون البحث العلمي الجاد ، والغريب أن الناس يعتمدون قانون السببية للتدليل المنطقي على امور معينة ،لكن يتناولون عنه ويهاجمونه عندما تخرج المعرفة عن حدود اطارهم الفكري.
وعموما يمكن القول ان قانون السببية استفادت منه العلوم الحقة خاصة العلوم الفيزيائية ، خاصة الفيزياء الكلاسيكية التي كانت تبحث عن أسباب الحركة وعلاقتها بالقوى المطبقة على الجسم ،اما العلوم الانسانية فانها خسرت الشيء الكثير باعتمادها على هذا القانون اذ ان البحث في الظواهر الانسانية والاجتماعية لها اسباب متعددة وليس سبب واحد وفقط ،لكن الاطار الفكري والتكوين النفسي والديني يحول دون استيعاب هذه الاسباب المتعددة.
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها