الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفحات من نضال اليسار -4 في الذكرى الخمسين لإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية

ابراهيم حجازين

2007 / 3 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


دخلت القوى الوطنية الأردنية الانتخابات ويمكن القول أنه رغم التباينات فإنها كانت متفقة على العديد من من المواقف المشتركة ، خاصة فيما يتعلق بإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية وترحيل القوات البريطانية نهائيا من الأردن وقبول بالمعونة العربية بدلا من عن المعونة البريطانية . وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية كانت الاطراف متفقة على أهمية إبقائها حية وعلى مقاومة الصلح والتوطين ومن أجل عودة اللاجئين الفلسطينيين . ويلاحظ أيضا أن هذه القوى أجمعت على ضرورة تسليح الجيش العربي من مصادر موثوقة والمقصود الاتحاد السوفياتي . ومن هنا نستنتج أن الخلافات الانتخابية كانت ذات طابع ذاتي إذ أن مساحات الاتفاق السياسية كانت واسعة وجاء ذلك الاختلاف على حساب المصلحة الوطنية .
كذلك الأمر بالنسبة للاوضاع الداخلية كانت أطراف الحركة الوطنية مجمعة على أهمية تطهير جهاز الدولة من الفساد والنهوض بالاقتصاد الوطني وتحريره من التبعية والعمل على تطويره . كما كان هناك اتفاق على نشر التعليم على أساس إلزامي ومجاني ، كما أشارت كافة القوى إلى ضرورة احترام الحريات العامة وإلغاء القوانين الاستثنائية .وهذه عناوين تصلح اليوم لتكون أساس لتحالف وطني عريض في الانتخابات العامة القادمة في نهاية هذا العام .
جرت الانتخابات النيابية يوم 21 تشرين الأول . ويقول بعض المؤرخين أن الجميع اعترفوا بنزاهتها ووقوف السلطات الرسمية موقف الحياد إلا أن هناك من يؤكد أن الانتخابات في عمان خاصة لم تكن كذلك ، لأنه في العاصمة لم يكن سهلا أت يتم السماح بنجاح ممثلين للمعارضة.فلم ينجح مرشح الجبهة الوطنية الدكتور عبد الرحمن شقير الشخصية الوطنية ذو الشعبية الواسعة .
كانت الانتخابات مع ذلك انتصارا هائلا للاحزاب الوطنية ، فقد حصل الحزب الوطني الاشتراكي على أكثر من 72 ألف صوت ، وحصل حزب البعث على 34 ألف صوت أما الشيوعيون وحلفائهم فقد حصدوا أكثر من 51 ألف صوت وبالتالي كانوا في الموقع الثاني من حيث عدد الأصوات بعد الحزب الوطني الاشتراكي ، ووصل إلى قبة البرلمان ثلاث نواب إثنان منهم أعضاء في الحزب الشيوعي هما المناضلان يعقزب زيادين عن القدس وفائق وراد عن منطقة رام الله ،و الثالث كان السيد عبد القادر الصالح عضو الجبهة الوطنية عن منطقة نابلس .
جرى تكليف المرحوم النابلسي زعيم الأغلبية بتشكيل الحكومة الجديدة وتجدر الإشارة انها كانت المرة الاولى التي يجري فيها تكليف زعيم الأكثرية النيابية بتشكيل الحكومة في الأردن حتى الآن، الأمر الذي يشكل سابقة لتبادل السلطة على هذا الأساس .حرص الرئيس المكلف في تشكيله للحكومة على تمثيل كافة ألوان الطيف الوطني فالمرحلة كانت تتطلب ذلك واستجاب الزعيم الوطني سليمان النابلسي لتلك اللحظة الهامة من تاريخ النضال الوطني في الأردن . مما يشير إلى أن هذه التجربة كانت قابلة لإرساء تقاليد جديدة في الحياة السياسية الأردنية .
ضمت الحكومة ستة أعضاء من الحزب الوطني الاشتراكي وثلاثة من المستقلين ووزير واحد عن حزب البعث هو السيد عبدالله الريماوي ، ودخل الحكومة نائب نابلس عن الجبهة الوطنية السيد عبد القادر الصالح القريب من الشيوعيين . ولعل اختيار الصالح في الحكومة كان أكثر انسجاما
مع معطيات الوضع آنذاك فهو من جهة يرضي الشيوعيين والجبهة الوطنية ومن جهة اخرى يتجنب اشراك أي من النواب الشيوعيين في الوزارة ، لأن الاوضاع لم تكن مهيئة لذلك خاصة في ظل قانون مكافحة الشيوعية الذي كان نافذا منذ فترة الهيمنة البريطانية على الأردن .
كانت التشكيلة الحكومية تمثل انعكاسا لطموحات الحركة الجماهيرية داخليا وتتمتع برؤية صائبة للأوضاع العربية خارجيا . كما ان تشكيل هذا الائتلاف الحكومي يعكس النهج الوحدوي لرئيسه الذي كان يدرك بنظرته الثاقبة أهمية الوحدة للقوى الوطنية في التمهيد للمعركة القادمة ضد النفوذ البريطاني في الأردن والمنطقة ،وفي ظل الأوضاع الدولية والعربية والمحلية .
وإذا كان العدوان الثلاثي على مصر وفشله قد أسهم جوهريا في ضمور الهيمنة البريطانية على المنطقة ، فإن مصير هذه الهيمنة كان قد حسم بعد افشال دخول الأردن إلى حلف بغداد وتعريب الجيش بطرد كلوب ، وها هي التطورات الداخلية في الأردن تشير إلى قرب إلغاء المعاهدة المشؤومة على يد الحكومة الجديدة وتكنيس النفوذ البريطاني نهائيا من المنطقة .
مع انتهاء الوجود البريطاني تشكل فراغ سياسي حسب الرؤية الأمريكية عملت الإدارة الأمريكية على ملئه بنفوذها الاستعماري الجديد ، فيما رأت الحكومة وعلى رأسها النابلسي أن المهمة الملحة هي الحفاظ على الاستقلال الوليد . إن مسيرة وتطور الاحداث وصراع المتناقضات الفريد إبان حكم الوزارة الوطنية قد جرت ضمن هذه الابعاد ، اي التخلص من الهيمنة البريطانية ومقاومة التوجه الأمريكي للسيطرة على المنطقة ضمن استراتيجية مبدأ أيزنهاور في ملئ الفراغ .
بدأت الحكومة عملها في جو من الحماس بسبب الروح التي سادت بعد الانتصار الانتخابي وفي ظل النهوض القومي السائد في المنطقة ، ولا بد ان قيام إسرائيل وبريطانيا وفرنسا بشن عدوانها على مصر في يوم تشكيل الوزارة قد أضفى مزيدا من الالتفاف الجماهيري حولها .إذن منذ اليوم الأول جابهت الحكومة مسألة العدوان الثلاثي على مصر مما أتاح لها ان تعمل بحرية اكبر على تنفيذ برنامجها وخاصة فيما يتعلق بإنهاء المعاهدة واستبدال المعونة العربية بالمعونة البريطانية حسب السياسة التي انتهجها الحزب الوطني الاشتراكي ولاقت الدعم من الأحزاب والشخصيات الوطنية وخاصة الشيوعيين الذين أبدوا ترحيبا بهذه السياسة ، وتجدر الإشارة أن الحكومة اعلنت انها كانت تدرس توصيات مجلس النواب بإقامة العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي وغيره من الدول .
كان الموقف السوفياتي الداعم للعرب وخاصة ضد العدوان الثلاثي أثره الإيجابي في اتخاذ قرار إقامة العلاقات مع هذه الدولة الصديقة . وكان الشيوعيون الأردنيون داعمون لهذا التوجه . باشرت حكومة النابلسي خطوات عملية فب تنفيذ سياستها الرامية لتحقيق هذا الهدف ، فسافر المرحوم شفيق ارشيدات وهو من قادة الحزب الوطني الاشتراكي وواحد من الوزراء المهمين في الحكومة سرا إلى دمشق للقاء السفير السوفياتي لبحث المسالة ، وهنا يبرز دور الحزب الشيوعي الذي اوفد في حينه أحد قيادييه وهو المناضل عيسى مدانات إلى هناك لتسهيل مهمة الوزير الأردني ، مما يد أن الشيوعيين كانوا قد بذلوا جهودا في دعم هذا التوجه الحكومي الذي سيصب لا محالة في مصلحة التخلص من النفوذ الاستعماري وهو الهدف الذي عملوا من اجله .
في جانب أخر دعم الحزب الشيوعي الحكومة بكل وسائله البرلمانية والصحفية والجماهيرية . وقامت الجبهة رغم نشاطها المحصور بدعم الحكومة وسياساتها بتشكيل لجان في المدن والقرى والمخيمات خلال العدوان على مصر للدفاع عن المكتسبات الداخلية ومؤازرة الحكم في مصر ،كما دعمت الجبهة توجهات الحكومة لاستبدال المعونة البريطانية تمهيدا لإلغاء المعاهدة ، ووقفت الجبهة امام الهجمات الداخلية التي تعرضت لها الحكومة من جانب المعسكر الأخر .
في تلك الأيام عمل الشيوعيون بشكل شبه علني وكانوا يرفعون شعارات الحزب على اليافطات في المظاهرات الجماهيرية وسعى الحزب حيينها إلى فرض علنيته كأمر واقع مما كان يثير خصوم الحكومة ويدفعهم للخلاص منها .وحاول الحزب أن يصدر رسميا جريدة ناطقة باسمه "الجماهير" وكان قد أصدر عددين منها إلا ان الأمر لم ينجح لأن القوى المعادية قد تكتلت في جبهة لمنع ذلك وإحراج الحكومة في وقت كان يسود في البلاد قانون مكافحة الشيوعية وكان من الصعب إلغائه في تلك الظروف لأن الأولويات كانت مختلفة حسب رأي الحكومة خاصة وأنها تلقت رسالة من رأس الحكم تطالبها بوضع حد لنشاط الحزب الشيوعي وصحافته . بينما كان موقف الشيوعيين ضرورة اتخاذ موقف واضح من جانب الحكومة والموافقة على إصدار الجريدة ،لأن المنع سيكون الخطوة الأولى ومن ثم ستكون الحكومة هي الهدف .إلا أن الحكومة رأت أن الأولوية مختلفة ولم تستجب لطلب الحزب الشيوعي رغم تدخل الأصدقاء المشتركين لابد أن هذه التناقضات قد أرست نوع من سوء الفهم بين الحكومة والحزب الشيوعي وانعكس ذلك على العلاقة بين أطراف الحركة الوطنية .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يكون قانون -الحريديم- في إسرائيل سببا في إنهاء الحرب؟ | ا


.. فيليب عرقتنجي ولينا أبيض: رحلة في ذكريات الحرب وأحلام الطفول




.. مصر: مشروع قانون الأحوال الشخصية.. الكلمة الأخيرة للمؤسسات ا


.. هآرتس: استعداد إسرائيل لحرب مع حزب الله بالون أكاذيب




.. إسرائيل تؤكد على خيار المواجهة مع حزب الله وواشنطن ترى أن ال