الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صداقة المفاهيم

عصام عبدالله

2007 / 3 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في كتابه "ما الفلسفة" عرف جيل دولوز الفلسفة بأنها " صداقة المفهوم " ناقضا التعريف التقليدي " حب الحكمة ". ورغم ان لفظة philia الاغريقية تعني الحب والصداقة ، معا ، فإن الفارق بينهما كبير، فالصداقة تسمح بمسافة مناسبة تمكننا من رؤية الامور علي حقيقتها لا الذوبان والاستغراق فيها أو الانفصال و الانعزال عنها . و هذه النقلة من "الحب " الي " الصداقة" ومن " الحكمة" الي " المفهوم " هي جوهر كل فعل نقدي و المحرك لكل نقد اليوم ، إذ لم يعد ينظر الي المفاهيم من منظور " مع " أو " ضد " ، الحب والكره ، التوله والعداء ، الانصياع والرفض .
ان الفلسفة تساؤل يعيد النظر فيما تراكم لديه من أجوبة ، وهي إبداع المفاهيم، وتعريف الفلسفة من منظور إبداع المفاهيم، ينقل الفلسفة " من البحث عن الحقيقة ، إلي حيز أدوات البحث إذ أن المفاهيم لم تكن مفردات للحقيقة، بقدر ما هي أدوات أو مفاتيح تتعامل مع أجواء الحقيقة. وما حاول"دولوز"بلورته ، في إطار فكر ما بعد الحداثة في الفلسفة ؛ هو أنها ثورة على الجاهز، وسؤال لا يبحث عن إجابات بقدر ما يعمل على اختراق الحدود دون أن يدّعي الوصول ، فهي ، نقض لذاتها وتجاوز لمفهومها الأوّل"المبادئ الأولى"التي قالت به الفلسفة الأرسطية ، وإنّما هي مفاهيم لا متناهية ، هي الاختلاف والمغايرة ، وهي في ارتحال مستمر واغتراب دائم عن جسدها المصطلحي

هذا من ناحية ، من ناحية أخري أنتفت صفة القداسة عن الكلمات لانها لم تعد "حكمة" ، ولا يوجد مفهوم مطروحا للتداول والنقاش علي بساط البحث الفلسفي لايطاله النقد أو غير قابل للنقد .
وعلي سبيل المثال فإننا جميعا مؤمنون بالتعددية وبالتنوع والاختلاف ، ونسر كثيرا عند سماعها أكثر من الأحادية والشمولية والتماثل ، لكن المسالة ليست في هذه الكلمات ذاتها وإنما في" عبادتها " !. وكما لاحظ " رسل جاكوبي " في كتابه " نهاية اليوتوبيا " ، فإن هذه الكلمات أصبحت " مقدسة " أو أريد لها ذلك ، ومن يرفضها أو ينقدها فسيحرق علي خازوق ، تماما مثلما أحرق جيوردانو برونو قبل أربعة قرون .
لم يسأل أحد أو يسائل نفسه : ماقدر التعدد والاختلاف داخل التعددية و الاختلاف ؟ ماذا تعني كلمات مثل " تعدد" و"تنوع" و"أختلاف" أساسا ؟
علي العكس تماما مما هو شائع ، تكشف الفلسفة المعاصرة عن أن الأمور ليست كما تبدو لنا ، وإنما هي تمضي دون توقف نحو "التماثل" و" التشابه " لا التعدد والاختلاف ، وهنا مكمن المفارقة ، وإن شئت المراوغة ، فهي تقر وتعترف بالتعدد والاختلاف والتنوع ، ولكن من أجل إلغائه ودمجه في "وحدة " هي "وحدة معني" أو "هوية مبني" .
ان " منطق الشبيه والمثيل " The Same - Exemplar إذا استعملنا لغة دريدا في "سياسات الصداقة" هو منطق استعلائي يرفض الآخر وينبذ الأختلاف . و قد دشن إيمانويل ليفيناس – Levinas ( 1906 -1995 ) ومدرسة مابعد الحداثة النقد الجذري لفكرة الشبيه ، ذلك ان تحويل الذات الي موضوع أو في التعامل مع الاخر كموضوع يعد عملا تعسفيا . وسبق لإدوارد سعيد في كتابه " الاستشراق " الصادر عام 1978 ان نبه الي ان هذا التحويل للذات الي موضوع يحط من انسانية الآخر ، وهو رفض لحقه في الوجود كانسان له تاريخه وثقافته وطريقته الخاصة في الحياة .
ويري انه إذا ما كانت هناك من أخلاق خالصة فهي تلك الاخلاق التي لا تبغي إمتلاك الآخر لان كل معرفة هي سيطرة . وهي نفس الفكرة التي دافع عنها " ليفيناس " حين تحدث عن ضرورة الحفاظ علي مسافة أو قطيعة بين الأنا والآخر ، فكل معرفة سلطة وكل سلطة عنف .
من هنا دعا الي أخلاق تتأسس علي " الآخر " وعلي المسئولية تجاه الآخر ، وبلغه ليفيناس نفسه : علي علاقة " وجه – لوجه " وليس " كتف – لكتف " التي تسود المجتمعات الأخواتية .
وهي نفس الفكرة التي عمل دريدا علي تفكيكها سواء في قراءته لأخلاق نيقوماخوس عند أرسطو أو لصداقة شيشرون أو في نقده لكتاب مفهوم السياسة للفيلسوف كارل شميت أو للمقال الافتتاحي لهيدجر إبان تسلمه عمادة جامعة فرايبورج .وهي فكرة أو تقليد لا يسود الفلسفة الغربية وحسب ولكن أيضا كل المجتمعات الأخواتية والقبائلية والعشائرية التي تمجد "الاخ" وتعلي من شأن "الاخوة".
فقد حذر في كتابه " سياسات الصداقة " كما في كتابه " مارقون " من الديمقراطية القادمة ، ودعا الي نبذ منطق الأخ والشبيه . يقول " لا خطر علي الديمقراطية القادمة إلا من حيث يوجد الأخ ، ليست بالضبط الأخوة كما نعرفها ، ولكن حيث تصنع الأخوة القانون ، وتسود دكتاتورية سياسية بأسم الأخوة " ....فالدعوة الي الأخوة العالمية اليوم قد تلغي الغيرية وكل حق في الاختلاف ، وهو ماتنبهنا إليه الفلسفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحافظون في إيران ذاهبون إلى انتخابات الرئاسة بمرشح واحد


.. توتر الأجواء بين بايدن وترامب قبل المناظرة الرئاسية | #أميرك




.. هل العالم يقترب من المواجهة النووية؟


.. انتخابات فرنسا.. استطلاعات رأي تمنح أقصى اليمين حظوظا أكبر ف




.. فيديو أخير.. وفاة مؤثرة تونسية خلال تواجدها في صقلية الإيطال