الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات بريئة في تجارة العلاقات الإنسانية .. الخبيثة!!

مصطفى فؤاد عبيد

2007 / 3 / 13
المجتمع المدني


عندما نتأمل في النظريات الحديثة في علم الإدارة سنجد الكثير من المزايا التي لم يكن قد تم اكتشافها بعد في العقود الماضية، وقد ساهمت تلك النظريات بشكل فاعل في تطور الفكر الإداري بشكل عام في شتى المجالات، الأمر الذي أدى إلى الكثير من التقدم والتطور في هذا الشأن، بدءاً من تنظيم العمل وانتهاءاً بوفرة الإنتاج، وقد كان لذلك التطور الأثر الكبير في تسيير الشئون الإدارية بشكل متطور، الأمر الذي يؤدي غالباً لتحقيق الأهداف التي يتم العمل من أجلها.
وإذا صح لنا، كغير متخصصين، تصنيف تلك النظريات إلى مجموعتين تحتوي الأولى على كل ما يتعلق بالفكر الإداري كفكر نابع من عقلية منطقية خالصة والثانية تحتوي على سائر الأمور الأخرى المتعلقة بالشق الإنساني فإننا سنكتشف وفق هذا التصنيف أن هذين الشقين قد تسببا بجرح عميق في الشأن الإداري في الوطن العربي بل وفي المجتمع العربي برمته، وذلك من خلال استيراد واتباع الفكر الإداري الحديث، الذي لا يخلو كما أسلفت من الإيجابيات، والذي يتم استيراده بشكل متكامل ككتلة واحدة وبدون غربلة وانتقاء ما يناسب العرب من ناحية إنسانية.
وفي الوقت الذي أثّرت شخصيات علماء الإدارة الغربيين "العمليين" على صياغتهم للنظريات الخاصة بالشق الإنساني في علم الإدارة الحديث وجعلتها تبدو بهذا الشكل، إلاّ أن هذا الأمر بدا معكوساً في الوطن العربي بحيث أثّرت تلك النظريات الحديثة على شخصيات علماء الإدارة العرب، الذين يفترض أن يكونوا أكثر إنسانية، عند تعاطيهم وهضمهم لتلك النظريات وتدريسها في محاضراتهم من جهة، أو العمل بها كإداريين من جهة أخرى، أو حتى الأخذ بها في مناحي الحياة اليومية بشكل عام.
وتتجلى تلك الظاهرة بشكل واضح في الشق الخاص فيما يسمى بالعلاقات العامة في علم الإدارة، وبالرغم من أنه أمر إنساني خالص من الصعب ضبطه أو التعامل معه كعمليه إدارية أو منطقية ثابتة، إلاّ أن المتخصصون في هذا المجال والعارفون في نظرياته الحديثة، المستورَدة، يعلمون تمام العلم أنه أصبح بالإمكان توجيه القدرات في التواصل وبناء العلاقات الإنسانية المزيفة بطريقة تخدم أهدافاً إدارية خالصة، وتتدرج تلك القدارت بدءاً من توزيع الابتسامات، كأحد اللمسات البسيطة في هذا المجال، وانتهاءاً بفبركة وخلق علاقة متينة وقوية لكسب الزبون، بل وتمتد أيضاً لتصل إلى مرحلة أخرى أكثر عمقاً وخبثاً، والمتمثلة في استثمار العلاقة مع هذا الزبون ليصبح نصيراً للشركة ومسوّقاً لها ولمنتجاتها من خلال الدعاية لصالحها في عالمه الخاص وبدون مقابل!
وإذا كنا بصدد الحديث عن خطورة تهدد المجتمع ككل، فإنه من الواجب إظهار الوجه الآخر لتلك المسألة، ذلك الوجه الذي لا يمكن اعتباره مجرد حالة من حالات الرغبة في التسويق الذي قد يكون مشروعاً بشكل مجازي لمنتجٍ ما بهدف زيادة المبيعات ومن ثم الأرباح، فقد تعدّت أهداف تلك المهارات المزيفة هذا الإطار وأصبحت أحد أهم الوسائل لتسويق الذات أكثر من تسويق أي شيء آخر، حتى أننا نستطيع أن نجزم في عصرنا هذا بأن النجاح وتحقيق الطموحات المهنية بكافة أشكالها المعروفة الآن أصبح مقترناً بمدى النجاح في مهارات العلاقات العامة أكثر من ارتباطه بالكثير من الأمور الأخرى الأكثر أهمية. والغريب في هذا الشأن، وعادة ما تكون الغرابة في الوطن العربي المليء بالعجائب، أنه بالرغم من استيرادنا لتلك المهارات من الغرب كأحد فروع العلوم الإدارية الحديثة، إلاّ أن الغرب أكثر ما وظّفها، وخلافاً للعرب، في محلها الحقيقي وفي سياق ما يمكن أن يعزز من النجاح التجاري، بل ولا يعيرونها نفس الاهتمام في المناحي الإنسانية والحياة المهنية واليومية مثلما يحدث في الوطن العربي، وهذا ما تجسّده هجرة الكثير من العقول العربية إلى الغرب بهدف تحقيق الطموحات المهنية وحتى الاكتشافات الفردية الخالصة.
إن الطامة الكبرى في المجتمع هي أن يكون نجاح ووصول الفرد مرتبطاً بما لديه من العلاقات الإنسانية الطبيعية أو حتى المصطنعة الزائفة الوصولية والتي يحاول جاهداً بناءها من أجل تحقيق أهداف شخصية، كأن يصبح مديراً أو محاضراً في جامعة أو قاضياً في محكمة أو حتى بائعا متجولاً، وهو يسعى لتحقيق ذلك حتى وإن تطلب الأمر بناء هذا النوع من العلاقة مع موظف بسيط متنفّذ أو حتى كاتب أو مراسل في تلك الأماكن. وما لم يكن بالحسبان، بكل أسف، أن يصل الأمر إلى حد أن يكون ذلك مطلباً مهماً أيضاً لما يمكن أن يسمى بالتسابق لاعتلاء المنابر الثقافية، والإعلامية بكافة اشكالها، في هذا العصر، والتي تعاني حالياً من ضغوط شديدة وزحام أشدّ نظراً لما آلت، وأفضت، إليه تلك الأوساط من أهمية وسعة في الانتشار والزيادة في آن معاً، على صعيد كل من عدد القرّاء أو الكتّاب على حدٍ سواء، أو حتى تفاعلهما معاً.
والمثير للجدل حقاً أنه بإمكانك، إذا كان باستطاعتك، أن تكتشف العديد من السلبيات الخفية التي تؤسس لتلك النظريات المستوردة في المنابر التي تدّعي الثقافة والفكر الحر وتنادي بإصلاح الأمة، بخاصة تلك التي تعج بالمقالات الناقدة للفساد والوضع السياسي وصراعاته وتتناسى أن فيها من الصراعات والفساد وحتى الترهل الثقافي أحياناً ما يمكن أن يُكتب فيه كتب ومجلدات وحتى أمثال شعبية على شاكلة "باب النجار مخلّع" وليس مقالات فقط!!
لكن العجيب والمؤسف حقاً أن تتعدى تلك الطامة هذا الحد لتصل إلى أمراً قد لا يصدقه البعض، وهي أن يتم استثمار العلاقات الإنسانية والإتجار بها مثلها مثل أي سلعة تباع وتُشترى، وقد اكتشفت هذه المسألة عند قرائتي بالصدفة لأحد الإعلانات في موقع عربي، والذي قد يكون الأكثر استحقاقاً لبراءة الاختراع بحسب تقديري الشخصي، ينشر فيه المُعلن عن استعداده لشراء واستثمار العلاقات التي يملكها أي شخص مع مسئولين مقابل مبلغ من المال يتم تحديده بحسب كل حالة ومقدار الاستفادة من العلاقة!.. وسأترك للقاريء تصور الوضع العربي برمته بعد تسجيل هذا الاختراع وانتشار استخدامه.
ويبقى الجانب المضيء في هذا المقال، لكي نبشّر فيه المفلسين مادياً، وليس فكرياً، بأن هناك أملاً ينتظرهم في ظل مثل تلك الاختراعات، وما عليهم إلا البدء ببناء واختزان بعض العلاقات "وتحويشها" وتنميتها تدريجياً تمهيداً لبيعها في المستقبل في المزاد العلني، لكنني سأهمس لهم سراً بأن مثل تلك العلاقات، وحتى تكون قابلة للإستثمار، يتوجب أن تكون مع أولئك الأشخاص الذين يتقنون فنون العلاقات العامة الحديثة!!

* خبير واستشاري تحليل المعلومات والتنقيب في قواعد البيانات - فلسطين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مصري رفيع المستوى: أحد بنود مقترح الاتفاق يتضمن عودة ال


.. الاحتجاجات تتصاعد.. الاعتقالات في أميركا تتجاوز ألفي طالب




.. شاهد: المجاعة تخيّم على غزة رغم عودة مخابز للعمل.. وانتظار ل


.. مع مادورو أكثر | المحكمة الدولية لحقوق الإنسان تطالب برفع ال




.. أزمات عديدة يعيشها -الداخل الإسرائيلي- قد تُجبر نتنياهو على