الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزعاترة والهروب على نحوٍ واعٍ أو غير واعٍ

رشيد قويدر

2007 / 3 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ورد في صحيفة "السبيل" الناطقة بلسان الأخوان المسلمين نسخة الأردن (عدد 6 ـ 12/3/2007) مقالاً كتبه الأخ ياسر الزعاترة عضو شورى الجماعة بعنوان "الرد المتوقع من الجبهة الديمقراطية"، ورد في مطلعه "نشرت في 25/2/2007 مقالاً في جريدة الدستور حول هجاء نايف حواتمه لحماس، فجاء الرد بعد أيام بقلم أحد أعضاء الجبهة، أو ربما أصدقاء زعيمها ـ لا أدري ـ رشيد قويدر". وهو يقصد بذلك ردنا على مقالته المعنونة "حواتمه إذ يتفنن في هجاء حماس !!"، بمقالتنا المفاهيمية بعنوان "الزعاترة وتسويق كوابيس الثنائية الحديّة"، مفاهيمية حاولت أن ترتقي معه بالسياسة طالما أنها ليست نصية دينية، وقد طالبناه وبما ورد من افتراءات وأكاذيب؛ بالعودة إلى كتب حواتمه وبالذات كتابه "أوسلو والسلام الآخر المتوازن ... فلسطين إلى أين ؟"، والعودة إلى البرنامج السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، بحسن نيّة مفاهيمية، في سياق نظرة هذا البرنامج لعملية تحقيق الهدف النهائي "فلسطين الديمقراطية الموحّدة من بحرها إلى نهرها"، فجاء رده الذي نتناوله الآن وملخصه "فالج لا تعالج".
وإذ أعيب عليه نكوصه وتراجعه بالإدعاء أنه "كاتب مستقل"، أي سحب صفته من جماعة الأخوان، وقد يعتقد البعض أنه باحث عن "الهدوء والسكينة الروحية"، لكن هذا الهروب ليس بالأمر المستهجن، بل هو الأمر الواضح في فقه "الضرورة أو المرحلة"، والمستخدم في فقه "التمكين" وتكفير " الأنظمة الوضعية وجاهلية المجتمع"، هي ما حرمته من دفء الروح والتأمل والمصارحة والتفكير بمنطق، حين تتمثل هذه كطوق نجاة من المادية الصاخبة للحياة، فارتطم مرة أخرى في متاهة لها أول بالتأكيد، ولكن من الواضح أنه ليس لها آخر، حين واصل التبسيط والتسطيح والتغليط، الذي يزدري بعقل القارئ، ويفترض فيه فقدان الذاكرة. أما الفارق فيبرز حين يحيل وصفي بـ "الكاتب الديمقراطي" باعتباره عيباً، فلا انسحب من موقعي كما فعل لأؤكد تمثلي وانتمائي، وبأنني ديمقراطي جداً، وأنتمي إلى ذلك الفكر الثوري المعاصر، التقدمي والانساني، مركز اهتمامات المجتمع المدني الفلسطيني والعربي والعالمي الحديث، بعيداً عن الإيديولوجيا ومظاهر سخطها، ولا يمكن لهذا الفكر وفصائله وأحزابه أن تكون وفق اقتباسه "برسم الانقراض"، بل ما هو برسم الانقراض هو وهم الدولة القائم على الفتوى لهذا الشخص أو ذاك، في مواجهة الدولة الحديثة بمؤسساتها الاجتماعية القادرة على التبادل والتعاون وحكم القانون والأمن والسلام، وعليه؛ ليس بالأمر المستهجن إصرار صاحب الوصاية الدينية على "الإفتاء"، والتماساً مني للبركة لثقافة الاختلاف التي لا تقود إلى خلاف، سوى حملة الفكر التصادمي وبناء دولة الخوف والبطالة، لنتبين الآن كما بيّن التاريخ لهؤلاء، بأن غلالة الدين والحضارة رقيقة، أما النكوص فهو من فتوة السلف إلى فتوة الانتحال لصاحب الوصاية. فالانحطاط بسيط والتراجع هيّن، مثال ما جرى مع الشيخ الهلالي الذي أفتى في سيدني استراليا ـ لاحظ ـ بنظرية "القطط واللحم المكشوف"، تخيل بالله عليك في سيدني، ليعود ويعتذر في الخطبة التالية، ولا أدري راغباً أم راغماً، حالة صاحبنا على نحوٍ واعٍ أو غير واعٍ.
ولصاحب الوصاية الدينية أخونا الزعاترة، أقول حقاً لقد صبرت عليه صبر المؤمنين، فهذه ليست الأولى أو الثانية ... الخ، حين يستعمل الإيديولوجيا التي لا تعدو أن تكون مجموعة من الأوهام، تعاكس قانون الحياة، باعتبارها الوعي الزائف، ولكن الأمر المضاعف حين يتخذ من الدين شعاراً، ثم يحوله إلى إيديولوجيا دثاراً، ثم يلبسه لبوساً في حالة المدعي التاريخ، وتوظيفه بحلقات التنظيم مع رفقاء الأدلجة، وصولاً إلى "نظرية الفسطاطيّن" الشهيرة، والتي تبغض وتحارب وتعتدي على كل من خالفها، ومنهم مَنْ هم أتقياء بررة. عملاً في "التسويغ الشرعي" للتعامل المؤدلج مع ثنائيتين "الموالي والمخالف"، تزيدها شحناً وتركيزاً سيطرة الذرائعي البونابرتي للجماعة على المستوى الوطني، والفتاوي الدون كيشوتية بهذا الخصوص جاهزة. الإسقاط بدون حياء وتعقل، حينها تصبح "الفتوى توقيعاً عن رب العالمين"، حتى وإن كانت من مُضَلل أطلق لحيته، مثال جريمة الكاتب العربي العالمي نجيب محفوظ، الذي لم يشفع له إبداعه أو شيخوخته من النحر على يد الفقه الأسود المدعي بالإسلام، بلسان الشيخ عمر عبد الرحمن "لو تم قتل نجيب محفوظ لما كان سلمان رشدي"، رؤية عوراء متجنية، اختزالات للمجتمعات والدول والثقافة والأحداث المعاصرة، مبنية على منظومة من الخرافة العصائبية. أما القاعدة الشهيرة في حلقات تنظيم أصحاب الوصاية فهي "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه" ذرائعية تخرج من الخطاب الديني نحو الحلقي، مصطلحات تنشأ في بيئة ما تحاول أن تفرض نفسها على المجتمع، وفيما تفرض تلغيه وتقصيه أو تهمشه.
هذه هي المسألة التي يفترض عليك تناولها بالبحث والتفكير، فالإخوان ينشدون قيام دولة الخلافة الإسلامية، وهذا هو خطاب الدين السياسي في كل الأقطار العربية، فلا يوجد تنظيم واحد، بمن فيهم الإخوان في العراق "الحزب الاسلامي العراقي" الذين أتوا على ظهر الدبابات الأمريكية الزاحفة نحو بغداد (آذار/ مارس 2003)، ثم يشاركون في السلطة (نائب الرئيس طارق الهاشمي) والحكومة، يعلن أن هدفه التحرير وتعزيز الديمقراطية والحريات والتعايش السلمي والعدالة والمساواة بين المواطنين أمام القانون، بغض النظر عن دين أو إثنية المواطن، والعراق الآن تحت رحمة المذهبية الأصولية السياسية، وتشهد التجربة أن هذه السلطة الدينية ستقام على قمة تورا بورا، لأن الحتمي لهذه التوجهات هو نسف وتدمير كل ما هو قائم من تنوع وتعدد على امتداد التاريخ السحيق، ميكافيلية "نعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيه".
لقد أغضب أخونا الزعاترة اصطلاحي لـ "ثقافة تورا بورا"، وها نحن قد فسرناه، وللعلم هي كلمة سريانية وصلت إلى أفغانستان تسمي الجبل تورا، أما بورا فالأرض القحط؛ بوراً، وشائعة منها بالعربية "الأرض البور"، وقصدنا منها ثقافة القحط والتصحر والجلمود، التي تحولت في عصر الفضائيات إلى إنسان الكهوف الذي يتعلم مشافهةً بإلهام الصورة، ولمن أُعجب بها، فمن الأفضل أن يعود إلى نوم الكهوف. قد لا تنصف المشابهة حتى مع عصر الخلافة العثمانية، حين أفتى "الفقهاء" في عهد السلطان مراد بخنق إخوته التسعة عشر "خوفاً من الفتنة" على المُلْك، أو حين حاول أحد السلاطين إلغاء الرق، فخرجت الدهماء والعوام في الأمصار احتجاجاً، لأن القرار "يخالف الشريعة". (إقرأ علي الوردي) فلا غرابة أن تنتصر مفاهيم متشددة ومأزومة بدلاً من متسامحة متعايشة متراحمة، ولكن إن حدث هذا فلن يدوم، في سياق الفهم للعالم والأحداث من حولنا، وقيّم المجتمع المدني العالمي.
يحق للزعاترة أن يختار نظارته التي ينظر بها إلى العالم، وبالتأكيد هي سوداء تحاول أن تتفاعل مع بعض من سياسة مسطحة، لكنها لا تستطيع أن تفرض هيمنتها على الرؤية والتفكير، والحرية والديمقراطية، لما فيها من ظلال سوداء وقصور وابتسارات وسياقات وتوظيفات، تفترض بأن حل الاحتقانات السياسية ـ الاجتماعية، هي بالعودة إلى الأصولية الدينية السياسية، وبالتأكيد هي المتسيّدة على المغرر بهم، كحاضنة لجماعات العنف الديني، بما فيها من انحدار مأساوي لمفهوم السلطة والخلافة والتحزب، والحاكمية والجاهلية، ومثلها شعارات إلغاء الآخر، والذي يتطلب فهماً جديداً للبيئة التي يترعرع فيها الإرهاب، من فنادق عمان إلى شوارع مدريد وغيرها، من أجل جهاد منقوص الأركان، فهي ليست روح الإسلام في شيء، بل ضد مبادئه الحقيقية، وكيف يستمرئ البعض قطع الرؤوس في العراق المذبوح أمام الكاميرات، والصرخات من حولها "الله أكبر"، فأيُّ إسـلامٍ هـذا بربك ؟! ومما يشق على الأنفس أن كل جريمة تمارس باسم الدين؛ ينبغي أن ترد بوجه مجرمها، فلا علاقة به بالأصل، فالدين رحمة على الحيوان والنبات والطبيعة مثل الإنسان، مقامٌ على نسيج وعمق العلاقات الإنسانية، وليس على الجثث التي تشتكي إلى الله إجرام البعض وقلة عقله، وضيق أفقه وتعصبه الإجرامي المجنون في الضياع والتيه الكبير.
لم يصدمنا هذا على حين غفلة، وهو ليس إعادة عابثة، بل هو قدر البعض الثقافي والوباء الفكري والإفلاس الأخلاقي، تبثه رؤوس تلبس عمائم ولفائف وطرابيش، للمغررين من الغوغاء والدهماء والحرافيش، فيمنحوهم البركات والليرات، ويمنحوهم الدماء وصكوك غفران وقطعة من الجنة، بتوقيع صاحب الوصاية الدينية الذي قيّد المطلق، وأطلق المقيّد، إذ يروم احتكار السلطة، فيحتكر معها الحقيقة فهما لا يعيشان إلا معاً، في رحلة انقلاب انتكاسي في محاور الزمن أبعد من مشاهد العصور الوسطى.
يتساءل أخونا استنكاراً ومقارنة بانتمائي بوصف ذاته بأنه "لا يعمل موظفاً عند قائد فصيل فلسطيني" ... وأقول له، قديماً قيل بهذه الحكمة "المال يفرّق والعلم يجمع"، وليس لدى قائد الجبهة الديمقراطية المال، ولديه الشق الثاني وهو "العلم"، وقد قال صاحب السيف والقلم:
ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله وأخو الشقاوة في الجهالة ينعمُ

لكن لدى أصحاب الوصاية الدينية الكثير من شرايين المال الدافقة الإقليمية، التي لا تخفى على المواطن المكدود برغيف الخبز، من مال دول النفط في العالم العربي والاسلامي إلى الخُمْس والصدقات وبيت مال الزكاة السياسي، ولكن هل هذا الثراء مسخر للناس وللقضية وللعلم، أم مسخر لعلاقات زبائنية ؟ بل هل من أحد يطعم الناس في حصارها الظالم، أو ثورياً على طريقة روبن هود أو أبو جلدة !. وفي مثال صاحب الوصاية الدينية، ما يشير إلى عذره، فالإنسان المشحون إيديولوجياً منذ نعومة أظفاره، بما يُمتح له بإذنه، وبما يُمتح له من نعمة، أحاله لما لا يقبل المراجعة والنقاش مع الآخر، وحملاً وديعاً لولي النعمة، آلة بلهاء تسمع فتطيع، وتكتب لتنفذ. وكلما ازداد اهتمامك بمغرض أرحته، وقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا "حياء وحياة" لمن تنادي، وهذا شأنه ...
وأخيراً؛ لقد ارتطم الزعاترة مرة أخرى بالطريق المسدود بالولاءات العصبية، والالتزامات اللا مسؤولة، محاولاً تدمير الحسّ النقدي والتفكير المسؤول، بانسحاقه الأعمى، في اختزاله الكل بالجزء، نظرة الوصاية الدينية السياسية العصابية، لما هو وطني ـ ديمقراطي ـ ليبرالي ـ اشتراكي ... الخ، وللتجديد والاجتهاد والتغيير، وتخفيض الخطاب في المجتمع والمعرفة الاجتماعية، افتقاده النسبية المتعددة المتنوعة والمركبة بالضرورة، فيقزم عموم النخب والقيادة الاجتماعية إلى خطاب واحد، لون واحد، سلوك واحد، ذوق واحد، يميت به أنماط الحيوات، وتختفي به بيئة الحوار الحُر والتسامح الفكري والتعاقد الاجتماعي، مهرولاً نحو الطريق المسدود تكريراً للارتطام ... نعم إنها ثقافة تورا بورا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنيش: صاروخ الشهيد جهاد مغنية من تصنيع المقاومة الإسلامية وق


.. الأهالي يرممون الجامع الكبير في مالي.. درّة العمارة التقليدي




.. 121-Al-Baqarah


.. 124-Al-Baqarah




.. 126-Al-Baqarah