الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف وإشكالية التعبير العلمي والمعرفي

أمياي عبد المجيد

2007 / 3 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قبل إدراج التباين الذي قد يحصل عند الشخص المثقف يجب أولا التطرق إلى آلية تكون شخصية هذا المثقف كإنسان يتأثر بالواقع ، والمحيط. ليس من السهل الحكم بتلقائية بديهية على اختلاف نمط المثقفين وإرجاعه إلى البيئة فقط ، أو التصورات المترسبة لدى هذا المثقف من إنجازات التاريخ أو تموقعاته الاجتماعية . والسؤال الذي يشغل بالي هو كالتالي : هل المثقف مقيد بنوع خاص من النمط الحياتي ؟ بمعنى هل يجب على الإنسان الذي يطمح إلى كسب مميزات الانتماء إلى هذا التراكم الإنساني أن يميز نفسه عن باقي الأنماط الاجتماعية السائدة في واقعه ؟
قد نعتبر أن الانتماء الروحي والواقعي للمثقف يدخلان في صياغة مسودة انشغالاته ، لكن هذا المفهوم فيه نوع من القفز على الإرادة لدى المثقف بمعنى إذا تصورنا غياب هاتين الخصوصيتين هل سيكون ذلك المثقف هو نفسه الذي كان عند توفرهما ؟ وهذا ربما يحيلنا إلى التفكير فيما إذا كانت قيمة الثقافة بترفعها عن الخصوصيات والأجناس لها وقع موحد في نفوس كل الذين يؤمنون بقيمة الثقافة كحتمية أولية لتوطيد التصور الإنساني للعالم، وكسر الحواجز .من هذا المنطلق قد نتوصل إلى أن التركيبية الجزئية لدى المثقف هي تلازمه كجزئية إنسانية، واعتيادية لا يمكن أن تخضع لأي مؤثرات خارج نطاق الانتماء بمختلف مستوياته ، والاختلاف يكمن بالأساس في طرح الأفكار وصياغة المفاهيم والأنساق المعتمدة في التعبير على التفاعل الدائم والتي في الأصل مهمة لا يمكن أن تكون خارج سياق التعامل التثقيفي ، أو من اختصاص المثقف . ويمكن أن نقول بأن التعبير الثقافي يلزم المثقف بالتعبير بنسق ثقافي معين ليكون في عمق الصورة ، واليوم هناك تعبيران ثقافيان سائدان لكل خصوصيته ، فالتعبير العلمي يمكن أن نقول انه يعتمد على المعلومة العلمية ، والأخر المعرفي الذي يخص المعرفة النظرية .
مجتمع المعرفة البانية
ـــــــــــ
ما دام التسليم بتعدد الأنساق التعبيرية لدى المثقفين فمن المهم التفكير في الكيفية التي يجب بها استثمار الأفكار وطرحها بصيغة تقبل النقد ، والتجديد . والمعرفة البانية التي تؤسس الفرد والمجتمع القوي هو الطموح المرجو ، ومفاتيح هذا الطموح موجودة في هذه الأنساق، لأننا ببساطة نؤمن بالاختلاف ، والنسبية في الأفكار ولا شيء مطلق ومن خلال الاستماع إلى جميع الأطراف يمكن ان نكرس حينها صورة معينة للقضية المطروحة رغم ذلك لا يمكن لنا أو لا نملك الحق في إخضاعها لمبدأ المطلق ودائما تبقى في إطار النسبية .
هذا هو ما يحملنا في الوقت ذاته إلى طرح تصور النسقين السابقين للقراءة المتأنية ، وما مدى تحقيق التصور القاضي بإمكانية الجمع بين النسقين ؟ وهل هناك إمكانية في سياق طبيعي ، واعتيادي للتمتع بذات التعبيرين في إطار الإسهام بهما في الكتابة دون إظهار ذلك التباين الحاصل . إنها مسالة تعجيزية أو دعونا نقول بأنها مستحيلة ، ولا يمكن خوض تجربة كهذه ومحاولة كسر هذه الموانع الطبيعية في صيرورة الثقافة والاعتراف بخصوصية كل معالم المعرفة المتنوعة دون الوقوع في العجز.
وهم الجمع بين النسقين
ــــــــــــ
من هو المثقف الفاشل ؟! بالطبع ليس هو ذلك الذي نقول عليه دائم القراءة للكتب، أو لا تفارقه الجرائد والمجلات ، فهذا تعبير لا يعكس صورة أي مثقف وإنما هؤلاء يمكن اعتبارهم كجميع التأسيسيين لشخصية مثقفة، مع العلم ان الشخصية المثقفة هي دائمة البناء . فما هو المعيار الذي يمكن اتخاذه للحكم على نجاح أو فشل مثقف ما ؟ وهل نملك هذه الوسيلة التي قد نصدر من خلالها أحكاما قاسية ؟
كثيرا ما نقول بأن الحكم على الإنتاج الإبداعي لمثقف ما يرجع إلى القارئ وهذا التعميم خاطئ في اعتقادي ، إذ لا يمكن ان نسلم مفاتيح المحكمة لأي قارئ لا يميز بين النسق العلمي والأخر المعرفي فبالتأكيد حكمه سيكون حكما سطحيا لا يخول إصدار حكم نهائي نزيه، ولكن عندما نأخذ في عين الاعتبار ان هناك قارئ متخصص حينها نستطيع القول بان هناك إمكانية للحصول على حكم نهائي .
لعل الإشكالية التي تقودنا دائما إلى الإحساس بان مثقفا معينا فاشلا هي إشكالية التعبير الذي يستخدمه هذا المثقف في كتاباته فبالإضافة إلى ما اسميه المشاكل العرضية الناتجة عن النقص في الإلمام بما يخص به كتاباته نجد ما هو أعظم وأخطر، وهو الجمع بين النسقين أي الخلط بين أسلوب علمي وأخر معرفي خاصة فيما يستمد خصوصيته من الواقع . فمجرد الانزياح وراء الزعم بان مثقفا ما يجيد الجمع بين النسقين يكون ذلك تعبيرا ضمنيا عن فشل محتوم . وما دام هذا المثقف متمسك بجمع النقيضين فانه يعبر عن فراغ في الأسلوبين معا ويزعم ان الفراغ الذي يكمن لديه في احدهما يمكن تغطيته بالنسق الأخر وهذا تعبير في كثير من المجازفة لان أي تعبير يحتاج إلى تمحيص وتدقيق وأيضا وهذا هو المهم الإلمام الكلي الذي لا يترك مجالا للشك .
ويقول أفلاطون في كتابه " الجمهورية " ( ان من الناس من يعتبرون ان هؤلاء الشعراء لهم في كل الفنون نصيب ، وأنهم على علم بكل الأمور الإنسانية ، من فضيلة ورذيلة ، بل وبالأمور الإلهية ، إذ انه يتعين على الشاعر المجيد، إذا ما شاء ان يحسن تناول موضوعاته ، أن يعرفها أولا لما استطاع الكتابة عنها . فلنبحث إذن ان كان هؤلاء الناس قد صافوا مقلدين خدعوهم ، وان كان قد فاتهم عندما اطلعوا على أعمالهم ، أن هذه الأعمال تنتمي إلى المرتبة الثالثة بالنسبة إلى الحقيقة وان من الممكن الإتيان بها بسهولة (
إن الخصوصية التي يكتسبها المثقف يستمدها من الإلمام والإدراك الكلي لما يريد الكتابة عنه وبالتالي الانخداع بإمكانية الإبداع في كل شيء هو أمر مستحيل والإمكانية التي تحقق ذلك هي الخضوع للتقليد والتقليد يكون دائما في المرتبة المقعرة . وبالتالي الخوض في
متاهات الأنساق يجب الترفع عنها والمحاولة قدر الإمكان ضبط التعبير وتمحيصه بشكل مستمر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة برشلونة تقطع علاقتها مع المؤسسات الإسرائيلية


.. البنتاغون: لا يوجد قرار نهائي بشأن شحنة الأسلحة الأمريكية ال




.. مستوطنون يهتفون فرحا بحريق محيط مبنى الأنروا بالقدس المحتلة


.. بايدن وإسرائيل.. خلاف ينعكس على الداخل الأميركي| #أميركا_الي




.. قصف إسرائيلي عنيف شرقي رفح واستمرار توغل الاحتلال في حي الزي