الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المدني : المفهوم والدلالات

محمد زين الدين

2007 / 3 / 20
المجتمع المدني


يعد مفهوم المجتمع المدني من المفاهيم الحديثة النشأة في الثقافة السياسية ؛ وقد ارتبط تاريخ هذا المفهوم بتاريخ الحداثة الغربية خصوصا في مجالات السياسة ؛الثقافة والاجتماع ليعكس من خلال عملية توظيفية انتقالا حقيقيا من التاريخ الوسيط إلى التاريخ الحديث.
إن إنشاء المجتمع المدني يرجع إلى العالم الحديث؛ فهو وحده الذي اعترف له بالحق في الوجود، بكل ما يحمله هذا التحديد من معنى؛ أما ارهاصاته الأولية فتعود إلى بروز النظريات الحقوقية للقرن17؛ والمتمثلة أساسا في نظرية التعاقد التي نادى بها طوماس هوبس؛ جون لوك؛جون جاك روسو؛ مونتيسكيو؛ماكس فيبر؛ باريتو؛ دوتوكوفيل؛لاسويل.
واصطلاحيا يشير المفكر المغربي محمد عابد الجابري:في"سلسلة مواقف- إضاءات وشهادات" المجتمع المدني " قائلا:"الحق أننا سنصاب بدهشة كبرى إذا نحن أردنا التدقيق في المدلول اللغوي لعبارة "المجتمع المدني" كما يمكن تحديد معناها في اللغة العربية، بالمقارنة مع ما تتحدد به في اللغات الأوربية! ذلك أن لفظ "مجتمع" صيغة ترد في اللغة العربية إما اسم مكان أو اسم زمان أو مصدرا ميميا، بمعنى أنها إما حدث بدون زمان، (اجتماع) وإما مكان أو زمان حصول هذا الحدث (مجتمع القوم : اجتماعهم، أو مكانه أو زمانه)، وبالتالي فهو لا يؤدي معنى اللفظ الأجنبي الذي نترجمه به société , society والذي يعني، أول ما يعني، عددا من الأفراد، يشكلون "مجموعة" أو "جماعة" بفعل رابطة ما تجمع بعضهم إلى بعض. أما لفظ "مدني" فهو يحيل، في اللغة العربية، إلى المدينة، إلى "الحاضرة" (قارن : بدو حضر، بادية مدينة).
وبناء على ذلك يمكن القول، مع شيء من التجاوز، إن عبارة "المجتمع المدني" بالنسبة للغة العربية إنما تكتسب معناها من مقابلها الذي هو "المجتمع البدوي"، تماما كما فعل ابن خلدون حينما استعمل "الاجتماع الحضري" ومقابله "الاجتماع البدوي" كمفهومين إجرائيين في تحليل المجتمع العربي في عهد والعهود السابقة له (وأيضا اللاحقة). وبما أن القبيلة هي المكون الأساسي في البادية العربية فـ "المجتمع المدني" سيصبح المقابل المختلف، إلى حد التضاد، لـ "المجتمع القبلي".
هذا في حين أن اللفظ الأجنبي civil الذي نترجمه بـ "مدني"، في قولنا "مجتمع مدني"، يستبعد في الفكر الأوربي ثلاثة معان رئيسية هي بمثابة أضداد له: معنى "التوحش" (قارن عبارة ("الشعوب البدائية/ المتوحشة" في مقابل عبارة "الشعوب المتحضرة")، معنى "الإجرام" (قارن: "مدني" في مقابل "جنائي" في المحاكم)، معنى الانتماء إلى الجيش (قارن "مدني": في مقابل "عسكري")، ومعنى الانتماء إلى الدين (قارن: "التعاليم الدينية" في مقابل "القوانين المدنية"). وهكذا فعبارة "المجتمع المدني" في الفكر الأوربي هو، بناء على ذلك، مجتمع متحضر، لا سلطة فيه لا للعسكر ولا للكنيسة. فإذن فالفارق كبير بين مدلول عبارة "المجتمع المدني" داخل اللغة العربية، وبين مفهومها في الفكر الأوربي.
إن المجتمع المدنى هم مجموع الأفراد والهيئات غير الرسمية بصفتها عناصر فاعلة في معظم المجالات التربوية ؛الاقتصادية؛ العائلية؛الصحية ؛الثقافية والخيرية وغيرها، فهو يتكون من الهيئات التي تسمى في علم الاجتماع بالمؤسسات الثانوية مثل الجمعيات الأهلية والنقابات العمالية والمهنية وشركات الأعمال والغرف التجارية والصناعية وما شابهها من المؤسسات التطوعية؛ فيما يستبعد من المفهوم المؤسسات الاجتماعية الأولية كالأسرة والقبيلة والعشيرة والطائفة الإثنية أو المذهبية أو الدينية؛ مثلما يستبعد منه المؤسسات السياسية والحكومية، فيبقى نطاق المجتمع المدني محصورا في إطار المؤسسات والمنظمات غير الحكومية التي يقوم نشاطها على العمل التطوعى.
فما الغاية من وجود هذه التنظيمات الغير حكومية ؟
إن المقصود بالدعوة للمجتمع المدني هو تمكين هذه المؤسسات من تحمل مسئولية أكبر في إدارة شؤون المجتمع كي يصبح مداراً ذاتياً إلى حد بعيد.
وبصرف النظر عما يعتري بعض المنظمات غير الحكومية وبعض مؤسسات المجتمع المدني من قصور وانحراف عن الهدف فإن الدعوة إلى تقوية هذا المجتمع تلقى كثيرا من الترحيب ليس فقط من جماهير الشعب التي أمست تنفر من العمل السياسي وتتجه نحو العمل الجمعوي ؛ذلك أن هناك توجها عالميا ملحوظا نحو الاقبال على العمل الجمعوي مقابل أفول عالمي للعالم السياسي وخاصة المجال الحزبي تترجمه بشكل واضح تراجع حجم المشاركة السياسية في الاستحقاقات الانتخابية حتى داخل الدول العريقة في المسألة الديمقراطية؛ فنسبة المشاركة في استحقاقات الفرنسية الآخيرة لم تتجاوز الخمسون في المائة الأمر الذي يفسر الاهتمام الملحوظ لبعض المؤسسات الدولية الكبرى؛ فالبنك الدولي ـ على سبيل المثال ـ أمسى يشجع الجمعيات التطوعية لكي تعيد النظر في تقييم الدور الذي تضطلع به باعتبارها إحدى قنوات العمل التي تقوم بتنفيذ رسالة المجتمع المدني في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية التي قد تعجز الدولة عن القيام بها على الوجه الآكمل ؛مثلما أمسى البنك الدولي يطالب بدراسة أفضل الطرق لتطوير العلاقة بين البنك والمجتمع المدني مع تحديد الدور المستقبلي الذي يمكن أن يقوم به البنك في مجال التعاون مع المؤسسات والمنظمات غير الحكومية و أجرأة خطوات تنفيذ هذا التعاون.
وبغض النظر عن الخلفيات المتحكمة في توجه هذه المنظمات الدولية اتجاه هذا الشريك الجديد يبرز تساؤل مركزي ألا هو : ما هي طبيعة العلاقة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي؟
إن من أولى شروط المجتمع المدني هو ضرورة تحقيق استقلاليته عن المجتمع السياسي؛ لذلك لم يتردد أنطونيو غرامشي حينما دعا بصريح العبارة إلى ضرورة ضمان استقلالية المجتمع المدني عن نظيره السياسي؛ فالأمر هنا يتعلق بضرورة اجتناب ظاهرة تسييس مؤسسات المجتمع المدني. بيد أنه لا ينبغي أن يفهم أن هذه الاستقلالية تعني إحداث قطيعة بين الاثنين أو تغليب أحدهما عن الآخر بيد أنه لا ينبغي أن يفهم أن هذه الاستقلالية تعني إحداث قطيعة بين الاثنين أو تغليب أحدهما عن الآخر؛فليس هناك تعارض مطلق بين المجتمع المدني والدولة، فلا يمكن قيام مجتمع مدني قوي في ظل دولة ضعيفة بل هما مكونان متكاملان يميز بينهما توزيع الأدوار وليس الانفصال الكامل؛ فالمجتمع المدني يتموقع في الفرق الموجود بين الأسرة
والدولة؛ فتكونه يأتي في فترة لاحقة عن الدولة التي تسبقه كواقع مستقبل حتى يتمكن من البقاء؛ لذلك يبقى المجتمع المدني محصورا في مجموع المؤسسات الاجتماعية كالأسرة ؛ المدرسة والكنيسة أي كل المؤسسات التربوية والتي يقابلها المجتمع السياسي المختص في وظائف الإكراه والسيطرة والتحكم.
وليس المقصود بالمجتمع المدني ايجاد معارضة سياسية في مواجهة الدولة ، إذ ان فاعلية المجتمع المدني بكل تكويناته تنطوي على أهداف أوسع من مجرد المعارضة؛ إنها المشاركة بمعناها الواسع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا أي بالتحديد فان وظيفة المجتمع المدني هي وظيفة تسييرية شاملة في المجتمع ككل.
وغير بعيد عن السؤال المركزي يبرز تساؤل نوعي يتمثل في: أي علاقة تربط بين المجتمعين هل هي علاقة توازن أم لا تكافؤ؟
إن العلاقة بين المجتمع والدولة ليست دائما علاقة متوازية أو منسقة أو منسجمة فمفهوم المجتمع كبشر متفاعلين تربطهم شبكة من العلاقات المعنوية والمصالح المادية ويشتركون في ثقافة عامة واحدة يقترب إن لم يتماثل مع مفهوم الأمة ؛وبالتالي قد تمثلهم الدولة أو لا تمثلهم ؛ وقد تكون تعبيرا كاملا أو منقوصا عن شبكة هذه العلاقات والمصالح...... ؛فكلما كانت السلطة السياسية قادرة على أداء هذه الوظائف غير الردعية كلما كان لجوؤها إلى ممارسة الوظيفة الردعية في الداخل محدودا أو غير محسوس بواسطة أفراد المجتمع وتكويناته وفي حالتها المثلى كلما قامت هذه السلطة بالتنظيم والتقنين والتوزيع العادل لكل ما له صفة الندرة في المجتمع وكلما كانت قادرة على الاشباع المباشر أو غير المباشر للحاجات المادية وللروحية والرمزية لأغلبية أفراد هذا المجتمع كلما تقلص لجوؤها لآليات الردع والقهر ؛ أو بتعبير أدق كلما زادت شرعيتها أي قبول المجتمع لها والاستجابة لها والامتثال لأوامرها ونواهيها والعكس صحيح.
إن هذا الطرح يحيلنا إلى تصور إمكانية أو عدم إمكانية حضور مجتمع مدني بدول العالم الثالث التي لم تكن الديمقراطية متجدرة فيها؛ بل إن إرهاصاتها الأولية جاءت نتيجة انفتاح النخبة المثقفة على الفكر الأوروبي إلا أن هذا الانفتاح اصطدم بالكثير من المعوقات السياسية والاجتماعية مما جعل عملية تكريس مجتمع مدني بهذه البلدان مسألة صعبة التحقق نتيجة لوجود حالة الطلاق بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي ؛ حيث تسود لغة التسلط والاستبداد وتغيب الحريات المدنية والسياسية فإنه بشكل يصبح معه المبالغة في القول الحديث عن مجتمع مدني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار