الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاسعا : المادية التاريخية :مفهوم التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية

عمر أبو رصاع

2007 / 3 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أشرنا سابقا أن المشكلة الرئيسة تكمن في تحديد كل حلقة من حلقات سلسلة التطور ، هذا التداخل بين حلقات سلاسل التطور يجعل رؤية كل واحدة على حدا مسألة غير بسيطة ، تحديد ماهيتها وتركيبها وخصائصها مستقلة عن سواها .

أحد اهم العوائق في دراسة التاريخ ممرحلا يتمثل في هذه الإشكالية بالذات ، إن عملية تحديد كل من هذه المراحل يعتبر عملية غير بسيطة ، لأن المسألة في دراسة المادية التاريخية تكمن ابداء في تعريف محدد المرحلة .

قبل المادية الجدلية كانت عملية التأريخ في جلها آخذة نفسها بضابط تمرحل إسمي إن جاز التعبير ، أي تحديد سمة ثقافية معينة من خصائص المرحلة التاريخية لتعميمها على المرحلة ككل ؛ مثل ذلك ما يذهب له بعض المؤرخين في دراسة التاريخ العربي : الدولة الراشدية ثم الدولة الاموية ثم الدولة العباسية ...الخ
كذلك عصور ذات سمات ثقافية ؛ مثل العصور الوسطى ثم عصر النهضة ثم عصر التنوير..الخ
الحقيقة أن هذه المراحل تقيس سمات تاريخية في واقع الأمر مظاهر للمراحل وقد تشترك مرحلتين بمظاهر واحدة جزئيا او كليا فبين المرحلة الاموية والعباسية لا نكاد نلمس تغيرا جذريا عاما في طريقة معاش الناس وانتاجهم وقيمهم وعاداتهم ومعتقداتهم وقوانينهم .
كذلك الأمر بالنسبة للتمرحل على أساس النتاج الثقافي فليست القضية نوعية النتاج نفسه بل القضية سبب هذا النتاج ، إن المسألة مسألة ولوج من المظهر للجوهر ، بإختصار إن السؤال المهم هنا كيف يحدث التطورالتاريخي؟
قبل ماركس كانت هناك أيضا بعض الدراسات التاريخية التي عمدت لرفض أن يكون التاريخ عشوائي بل هو عندهم حركة منظمة سببية ، أقدم نموذج معروف لدينا هو نظرية ابن خلدون في المعاش الانساني ، والتي تشمل بين ثناياها أول فهم جدلي مادي للتاريخ كحركة ، يلامس إبن خلدون في تصوره لنظرية المعاش ملاحظة في منتهى الأهمية وهي الترابط العضوي بين صفات الناس وطبائعهم وافكارهم وعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم من ناحية وبين طريقة معاشهم واسلوب انتاجهم لغذائهم من الناحية الأخرى.
إلا أن ابن خلدون في فهمه للتاريخ كحركة تطور لا يتجاوز حدود التحليل الثابت في مستوى ما عرفه من تبدل في حال القبيلة من تكوين العصبية البدوية إلى السلطة إلى الرفاه والدعه إلى الهزيمة وعودة الكرة.
هيجل الفيلسوف الألمانية المثالي الهام تصور بدوره التاريخ كحركة تطور جدلي ، واعتمد على الفكرة الكلية الكونية كمحرك هنا ، فعند دراسته للتاريخ الفرنسي مثلا اعتبر
1- النظام القديم (الوضع).
2- الثورة الفرنسية (النفي).
3- الإمبراطورية (التأليف أو نفي النفي) (1)

لكن هذا لا يحل التناقض الداخلي لمثالية هيجل ، إذ لماذا كان النظام القديم ولماذا قامة الثورة ولماذا جاءت الإمبراطورية؟
إن القول بأن الفكرة تتطور لوحدها يبدو ضرب من التفكير العبثي فالحاجة تخلق اختراعا وليس العكس.

لقد زودت المادية الديالكتيكية (الجدلية) ماركس وانجلز بالمفتاح ، بالأساس الذي ينطلق منه ، في هذا الخليط التاريخي إذن كان السؤال أين هو المحرك ؟

لقد أدرك ماركس الخلل الذي يعتور هذا التصور المثالي لهيغل ولذا كتب :

اقتباس




إن هيجل يريد من البشرية أن تسير على رأسها ، وهي انما يجب ان تسير على رجليها.




المشكلة الحقيقية إذن لم تكن جدلية التاريخ بل كانت محرك هذه الجدلية من أين تبدأ ؟
يقول انجلز : اقتباس




يجب ان نبحث عن الاسباب النهائية لكل التطورات الاجتماعية ولكل الثورات السياسية لافي رؤوس الناس ولا في المعرفة الانسانية الاكثر وعيا للحقيقة الخالدة وللعدالة ، ولكن في تغير طرق الانتاج والتداول . يجب أن نبحث عن ذلك لا في الفلسفة بل في الاقتصاد الخاص بكل عصر




لقد اكتشف ماركس وانجلز عن المحرك المادي وفقما هداهما نهج الجدل المادي الاساسي في حركة الوجود إلى أن الإقتصاد هو الميزة المتغيرة والتي تحرك معها كل شيء وتغيره.
بتحديد أكبر إنه أسلوب الإنتاج.


ما هو بالضبط مفهوم أسلوب الإنتاج هذا؟


بينا في المحاضرة السابقة أن تاريخ تطور الانسان هو تاريخ تطور طريقته في تحقيق انتاجه إن كل حركة التطور الانسانية تدور بالأساس حول محور واحد هو كيف يتم الانتاج في المجتمع؟
إن الإجابة على هذا السؤال هو مفتاح الولوج لتحديد كل شيء في قراءتنا لأي جماعة بشرية ، لقد لاحظ ابن خلدون كما أشرنا ان الانسان يتبع في طبائعه وسلوكه وقيمه...الخ طريقة معاشه كيف يعيش ومما يعتاش ، إننا اليوم أنا وأنت نعي تماما طبيعة الشخصية التي نتعامل معها بمقدار أساسي وجذري عندما نعرف ما هو عمله بالضبط وكيف ينتج ؟
إن طبيعة العمل الذي نمارسه نحن لانتاج دخولنا ينعكس بشكل أساسي حتى على شكلنا البدني على جلودنا لباسنا....الخ
الواضح أن هذه قاعدة تقبل التعميم ، أي أن قاعدة أسلوب الانتاج هذه تصلح سمة تميز المجتمع في فترة تاريخية من فتراته وانه يتغير ، سنعود لهذا بالتفصيل .
السؤال الملح الآن ما هو بالضبط اسلوب الانتاج ومما يتكون ؟
إن أسلوب الانتاج المهيمن أو طريقة الانتاج عناصر تكوينها هي :
1- قوى الإنتاج producing forces.
2- علاقات الإنتاج producing relations.
قوى الانتاج او عناصر الانتاج هي المكونات المادية لعملية الانتاج كل ما يدخل في عملية الانتاج سواء كان مستمد من الأرض والطبيعة ، أو مستمدا من آلات أو معدات أو تكنولوجيا استخدام (رأس مال) ، أو عمل انساني عضلي كان أو ذهني عقلي ، أو إداري تنظيمي ، كل هذا معا هو قوى الانتاج.
علاقات الانتاج هي التعبير الماركسي عن علاقات الملكية ، بالتحديد ملكية وسائل الانتاج أو الرأس مال ، يعني ماهية وملكية رأس المال المنتج .
إن علاقات الانتاج هذه تمثل البنيان التحتي للمجتمع الأساس المادي الذي عليه يبنى المجتمع ومن هنا تحديدا يبدأ تغير المجتمعات إن شكل الرأس مال وملكيته بالتحديد هي التي تنصبغ على كل المجتمع وتحدد شكله ومن ثم بناءه الفوقي .
ما هو البناء الفوقي ؟
البناء الفوقي ؛ هو المنظومة القيمية للمجتمع ، "أنا الأمة" كما هي عند منتسكيو مثلا في روح القوانين ، أو بتعبير معرفي نسبيا يمكن القول إن البناء الفوقي المعنوي هو جملة القوانين والعادات والأعراف والمعتقدات الدينية والأخلاق والقيم و النظام السياسي ...الخ
إذن ؛ لدينا قاعدة مادية للمجتمع يمثلها اسلوب الإنتاج والذي بدوره مكون من قوى الإنتاج والبنية التحتية للأسلوب وهي علاقات الإنتاج ، وكذلك لدينا بنية فوقية بما فيها من نظم ضابطة للمجتمع دينيا واخلاقيا وسياسيا وقانونيا...الخ
هذا البناء كله هو ما أطلق عليه ماركس مصطلح التشكيلة الإجتماعية الإقتصادية.
ويمكننا ان نلاحظ هذه التشكيلة في دراستنا للمجتمعات تاريخيا ، بل وان نلاحظ أن دراستنا للتطور التاريخي لأي مجتمع ممكنة بتحديده كتاريخ تطور تشكيلات إجتماعية إقتصادية محركها الأساسي وجوهر تغيرها وتطورها هو بالذات البناء التحتي : علاقات الإنتاج.
لقد لاحظ ماركس بشكل أساسي أن التاريخ البشري يمر بمراحل في تطوره كل منها هي تشكيلة إجتماعية إقتصادية قائمة بذاتها على النحو التالي :

التشكيلة الاولى : المشاعة البدائية .
التشكيلة الثانية : نظام الرق .
التشكيلة الثالثة : النظام الإقطاعي .
التشكيلة الرابعة : النظام الرأسمالي.
ثم استخدم تحليله المادي الجدلي للرأسمالية ليتنبأ بالمرحلة الخامسة وهي :

التشكيلة الخامسة : النظام الإشتراكي - الشيوعي.


إن عمل كارل ماركس الأساسي في المادية التاريخية والذي يشكل كتابه رأس المال ركيزته الرئيسة ينصب على تحليل التاريخ وفق هذه الرؤية وهو ما سنعالجه في المحاضرات القادمة بإبراز عناصره ومكوناته وخطوطه العامة.

لمتابعة الحلقات الكاملة للماديتين
www.mi3raj.com
أو
http://www.rezgar.com/m.asp?i=479








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة