الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة لظاهرة انتشار الفكر السلفي الجهادي بمدينة اليوسفية - 2

احمد زهير

2007 / 3 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بوشعيب اركيبة يقيم إمارة الله بمدينة اليوسفية
مع بداية اكتساح الاتحاد السوفياتي ( قبل التفكيك ) لأفغانستان نشطت بالعالم الإسلامي التنظيمات الدينية التي تدعو إلى ضرورة نصرة المسلمين بأفغانستان للحد من « التدخل الاحمر » و محاربة « الشيوعيين »، و كانت الكتب الأكثر تداولا بمدينة اليوسفية هي تلك التي تهتم أكثر بمواجهة هذا الفكر، سيما وان احد المؤثرين في العمل الإسلامي بها كان من ملاكي اكبر المكتبات.. استغل اركيبة ذلك ليبعث بأحد مريديه إلى أفغانستان، حيث الزمه بترك عمله بالمكتب الشريف للفوسفاط ، و « الهجرة » لنصرة « إمارة الإسلام » المستحدثة ، و بعد انسحاب القوات السوفياتية عاد « المهاجر » إلى قاعدته باليوسفية لينقل خبرته القتالية لباقي « المريدين ».
كان البرنامج اليومي للتدريب يبدأ بعد صلاة الفجر مباشرة، و التي كان اركيبة وجماعته يؤدونها بإحدى الدور التي اكتراها لهذا الغرض، فالمساجد عنده لا تجب الصلاة بها لأنها مساجد « ضرار»، على اعتبار أنها، حسب تصوره الديني المستمد من تعاليم مصطفى مشهور، زعيم تنظيم « التكفير و الهجرة » المصري ، لم تبنى على التقوى من « أول يوم »، و يندس بها المخبرون و « المشركون » والمتلصصون و المتزلفون، ولقد شن اركيبة حملة قوية على المساجد القريبة من محل سكناه، و كفر كل المصلين الذين يؤدون صلواتهم بها، بل و اعتبر الصلاة بها باطلة.. بعد ذلك، ينتقل الأتباع إلى غابة العروك للعدو لمسافات طويلة و إنجاز مختلف تمارين التحمل، ثم تحصيل دروس في فنون القتال، و بعد الغذاء مباشرة، ينتظم « المجاهدون » في حلقات بنفس المنزل المذكور ليحفظوا بعض الآيات التي تحرض « المؤمنين على الجهاد، و خاصة سورة الأنفال، ثم قراءة تفاسير ذلك من خلال كتاب « في ظلال القران » لسيد قطب، مع حفظ مقاطع من « معالم في الطريق » و التركيز في ذلك على مفهوم « العزلة الشعورية » عن المجتمع، و دراسة نسخ مصورة لبعض الكتب للايراني « علي شريعتي » الذي يعد المنظر الايديولوجي للثورة الإيرانية ، مع إعطاء اهتمام خاص لكتابه « النباهة و الاستحمار » .. ثم تغليف كل ذلك بكتب التراث الاسلامي و خاصة كتب الامام « ابن تيمية» مع إعطاء عم التركيز على الكتب التي تشرح العقيدةة الوهابية التي كان من السهل الحصول عليها.. وتأجيج النفوس من خلال قراءة الكتب المصرية التي تتحدث عن عذاب السجون و خاصة مذكرات « الغزالي » ثم بعض الكتب التي تنتقد الفكر الماركسي و خاصة كتاب « حوار مع الشيوعيين في أقبية السجون ».. قبل أن يعود الأتباع لتلقي تمارين ميدانية في كيفية استخدام السيوف و العصي..
كان منظر اللحي المنسدلة، و الهتاف و التهليل و التكبير أثناء مزاولة التمارين الرياضية يستهوي المارة و القاطنين بجوار الغابة، و يثير استغرابهم و اندهاشهم، و كانت الساكنة، حينها، تتلذذ بترديد مختلف النكث و المستملحات حول ذلك، و كان أكثر المهتمين بالحقل الديني يعتقدون أن الزام بوشعيب اركيبة أتباعه على إنجاز أصعب التمارين الرياضية يدخل في « الواجب الشرعي » المنصوص عليه في الحديث النبوي « المؤمن القوي خير عند الله و أحب.. »..لكن لا احد بما في ذلك السلطات الأمنية كان يفطن لحقيقة ما يتم الإعداد له..
و قد ضمت الطليعة الأولى التي تخرجت من مدرسة الركيبة الإرهابية بعد هذه التداريب مجرمين استقطبهم و نقلهم من عالم الإجرام المدني إلى عالم الإجرام الديني، أبرزهم جلال العلمي..
كان هذا الأخير قد خرج للتو من السجن بعد أن قضى عقوبة سجنية بتهمة اغتصاب إحدى القاصرات، و مباشرة بعد خروجه ، اتصل به بوشعيب اركيبة و عرض عليه الانضمام إلى عالم الإسلام و التوبة مقابل تشغيله بمؤسسته التي تحتكر بيع و توزيع مواد النظافة بالمنطقة.. كان العرض مغريا، العمل باجرة مناسبة لفترة و التفرغ لتقوية العقيدة و البدن فترة أخرى.. و بالتدريج، تدثرت غريزة الإجرام لديه بدثار التدين، فغلف حقده على المجتمع لشعوره بالتهميش إلى الحقد عليه لمروقه عن الدين، و تحولت عملية النشل و السلب التي أتقنها منذ الصغر إلى « فيء » يحق « للمرابطين » في الإسلام الحصول عليه..
بالإضافة إلى ذلك ضمت الطليعة الأولى كلا من بوشعيب اركيبة ، جلال العلمي عبد الله موقيت ميلود سنان ، عبد المالك بوزكري، محمد الدمير، ربيع ايت اوز، محمد اسداد، مصطفى الكرمي ، عبد الرحمان الكرمي، عبد الرحمان المجذوبي، ابراهيم ضنان و الطفلان اليانعان يوسف فكري و يوسف عداد.
و عندما تيقن بوشعيب اركيبة ان طليعته الأولى في عالم الإجرام الديني قد تكونت و اكتسبت المناعة ضد أي تصور آخر، ترسخت لديها قناعة التكفير و القتل ، انتقل بها إلى تنفيذ مخططه..
كانت أولى العمليات التي قاموا بها هي تطهير المحيط القريب منهم من « المارقين »، فقد دمروا باب الطبقة السفلية للمنزل الذي اكتروه، و اعتدوا بالضرب و الجلد على احد أبناء قاطني المنزل على اعتبار انه دائم الاستماع للموسيقى الشعبية، وانه كان يرفع من صوت جهاز الراديو الكاسيت و بالتالي فهو ينشر الرذيلة و يساهم في تمييع المجتمع، تفننوا في جلده على الرغم من يفاعة سنه ( 15 سنة)، و لم يغادروا البيت إلا و قد أصيب بكسر مزودج في عضده..
ثم انطلقوا يقيمون « الحدود » في المرتدين، يتجولون بمختلف أحياء المدينة حاملين السيوف و العصي و على طريقة « الفتوات » يقومون بجلد أي مخالف لتعاليمهم، يعترضون سبيل المارة بالشارع العام، و يستفسرون كل مصاحب لامرأة أو فتاة عن نوعية العلاقة التي تجمعهما، فان كانا متزوجين فذاك، و إلا يقومون بجلدهم و تعنيفهم، مع سبي ما يملكونه من نقود وحلي.. و استمر الأمر على ذلك لأزيد من سنة دون تدخل الأجهزة الأمنية التي كانت تكتفي بالتفرج، وتطالب المشتكين بتحديد أسماء الجناة، و هو ما كان يتعذر في الكثير من الأحايين، و أن حدث يقوم باقي الإرهابيين بالاتصال بهم و تخويفهم ليتراجعوا عن تصريحاتهم.. وأمام تفاقم ذلك لم تجد الأجهزة الأمنية بدا من اعتقالهم، إلا أن تراجع المشتكين عن تصريحاتهم أدى إلى إخلاء سبيلهم بعد مكوثهم بالاعتقال الاحتياطي لأزيد من ثلاثة اشهر.. ليعودوا لمزاولة نفس نشاطهم السابق..
يحكي يوسف ش القاطن بزنقة حافظ ابراهيم بحي التقدم بكل افتخار كيف أعطى ليوسف فكري في 1988درسا في فن القتال و العراك، وكيف تلوى هذا الأخير ( تحته ) ألما و هو يتلقى الضربات الموجعة التي كان يسددها له، و كيف فر و رفاقه من أمامه و « ولوا الإدبار » مندحرين من فرط شجاعة بعض سكان الزنقة المذكورة أعلاه..
كان يوسف فكري و بعضا من « إخوانه» ( 3 أشخاص) قد اتصل بيوسف ش وهدده بضرورة الالتزام بالحياء و عدم مرافقة الفتيات، و بينما هما في نقاش استهل يوسف فكري مدية من جيبه و هوى بها على هذا الأخير مرددا عبارة الله اكبر، إلا انه لحسن الحظ لم تصبه بعد تفاديه لها، ففقد فكري توازنه و استغل غريمه الأمر و بدا في جلده و تلقينه درسا في العراك، وخرج الجيران بعد سماعهم لعبارات التكبير التي كان يصدرها فكري، فشاركوا في حفلة التأديب و الضرب، ولم ينته الأمر إلا بفرار « الأخوة من ساحة المعركة » و فشل « الغزوة»..
و استطاع اركيبة بالفعل أن يقيم إمارته الإسلامية الخاصة به و لو لأيام معدودة، فمن جهة، انضبط مريدوه لتوجهاته وغامروا بحياتهم و بسلامة أبدانهم، مما رسخ لديه الشعور بنجاعة منهجه، ومن جهة ثانية أقفرت الأحياء الشعبية من المارة خاصة بالليل و أصبح الأزواج و الرجال و النساء يحتاطون بالظهور بمظهر المخل للحياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال