الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نيسان عاد..فتحية لرجال السياسة والدين.

راني خوري

2007 / 3 / 28
المجتمع المدني


هو ذا نيسان – أبريل – قد عاد، بجماله وربيعه وزهوره، وأجمل ما فيه أن بدايته هي احتفال بعيد الكذب!! وهي مناسبة شعبية تتسلى بها شعوبنا بمقالب بسيطة وخفيفة وقد تكون أحيانا مزعجة، ولكنها أيضا مناسبة هامة للاحتفاء بالنصابين والدجالين والكذابين المحترفين في مجال السياسة والدين، الذين باعوا لنا أوهاما – وما زالوا – لسنوات بل عقود طوال ولا نغالي إن قلنا قرون وألفيات.

وهنا لا بد لي من أبدي إعجابي الشديد بجميع أولئك النصابين والدجالين وأعوانهم وبقدرتهم الشديدة على التأليف والإبداع والابتكار والاختراع، بطريقة تغسل مخ وعقل المشاهد أو المستمع أو القارئ. فهذا المشهد الذي كان يغضبني في كل يوم وأنا أشاهد برنامجا تليفزيونيا أو أستمع إلى آخر إذاعي على القنوات الحكومية - أو حتى ضمن ما أصبح يعرف بالقنوات المستقلة - أو عندما أقرأ مقالا في صحيفة ما، بين قطبين من أقطاب السياسة – ويمكن اعتبارهما قطب واحد في التلفزيونات والإذاعات والصحافة الحكومية - أو بين علمين من أعلام الدين ( وعلم، كلمة سريانية الأصل وهي ترادف كلمة سيد وتنطق سريانيا "عْليْمو"، وعن السيدة نقول "عْلمْثو" ) أو علم واحد من طرف ومذيع لا يفقه شيئا من طرف آخر، أصبح الآن مسليا وفكاهيا وجزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فشر البلية ما يضحك.

فهذا برنامج سياسي يستضيف طرفين للحديث عن منجزات الثورة وقائد الثورة وما قدماه للشعب في مسيرة 40 عاما أو أكثر - أو أقل بقليل- يتبارى فيه الطرفان على أسبقية تعداد المشاريع الحضارية الهائلة التي تم إنجازها خلال عقود قليلة فقط مضت!! فهذا الكم الهائل من صنابير المياه لم يكن ليتواجد لولا هذا القائد الملهم والجسور، وهذا العدد المهول من دورات المياه العامة لم يكن ليتحقق لولا الرعاية المباشرة لهذا الجالس في سدة الحكم، وصناديق القمامة وحاويات الزبالة جميعها مشاريع خدمية صحية لم يكن لها أن توجد لولا الرؤية الحكيمة والثاقبة لهذا الذي أهدانا إياه الله، وهذه المشاريع الإعمارية التي أسكنت الشعب كله – و تسمى خطأ بالسجون – ما كانت لتكون لولا يد المعمر الأول وصاحب النهضة العمرانية ومشيد الوطن الحديث. ويستمر البرنامج وضيوفه في تحليل سياسي رصين للدور الفاعل الذي تلعبه السياسة الخارجية في وضع الوطن على خارطة العالم السياسية حتى أصبح الوطن على لوائح الشرف بين الأمم، وأصبح الشعب بأكمله يشار له بالبنان على أنه ذلك المحظوظ القادم من جنات النعيم – وإن كان يسمى خطأ لاجئ سياسي أو لاجئ إنساني أو مهاجر- وكل هذا ما كان ليحدث لولا الفكر اللامع لمحبوب الملايين. وأيضا يتم التشديد على الحزب الأوحد والوحيد والواحد الحاكم الذي يحوي فقط الوطنيين الأشراف من أبناء البلد، والذي يعبر عن النسيج الوطني المتشابك – من أجهزة أمن ومخابرات وجيش وقوات مسلحة وجيش شعبي – والذي يتصدى لكل المؤامرات الداخلية والخارجية التي يحيكها المتآمرون ضد تراب الوطن والطامعون في نهب خيراته وثرواته وعملاؤهم في الداخل من مدعي حرية وعلمانية وليبرالية ودعاة التعددية الحزبية والسياسية والمنادون إلى ما يروج له الغرب بالديمقراطية، وهي كلها أفكار تفتت وتشتت وتجزئ وتهدم البلد الذي أفنى الرجل وحزبه وأعضاء حزبه جل حياتهم وحياة أبنائهم وحياة أحفادهم في بنائه وتوحيده.

أما الفسحة الدينية في هذه القنوات والمحطات والصحف، فهي بعيدة كل البعد عن السياسة، فمثلا وفي قناة تليفزيونية نشاهد رجلين يتحدثان عن الله وعن الكون وعن الخلق، وعن السبب والهدف من الخلق وهي العبادة والطاعة العمياء حتى يعرف الله عباده الصالحين من الطالحين، ويجازي أولئك الذين سمعوا وأطاعوا وصاياه وانصاعوا لأوامره ونواهيه، واتبعوا دينه الحق الأوحد بعيدا عن الآلهة الأخرى التي لا تضر ولا تنفع، والتي يفسد أهلها وأتباعها ودعاتها في الأرض أكثر مما يصلحون، والتي لا تحمل في طياتها إلا آثار يد إنسانية بشرية فانية، طاغية، متجبرة، قاتلة، سارقة لمال ولب وعقل الفقراء والبسطاء على خلاف وعكس تلك السماوية الدائمة الأزلية الأبدية، العادلة، الرحيمة، الغفورة، الواهبة للحياة من روحها، المعطية عند السؤال بغير شرط أو حساب، والتي يستمر عطاؤها لما بعد الممات بجنات نعيم وفاكهة وشجر وخضر ووو...إلخ، والتي لا تطلب من الإنسان سوى صدقة جارية، وزكاة عن المال تدفع للقيمين على أمور الدين لإيصالها للمحتاجين والفقراء والمساكين، وصلاة دائمة مستجابة بإذن الله مع قراءة بضعة آلاف من الأدعية ليل نهار والتي يمكن الحصول على كتيباتها من أي كشك أو تكية أو دار عبادة، وجهاد في سبيل الله بقتل الآخر أو إقصائه أو إبعاده وتهميشه لإعلاء كلمة الحق، وزيارة الديار المقدسة وقطع آلاف الأميال ودفع مدخرات الحياة وما تم جمعه في الحياة الفانية واستثماره في سفرة واحدة لضمان آخرة صالحة، في مساواة مع البقية من المؤمنين دون فرق بين غني وفقير، أسمر وأبيض، ذكر وأنثى (فالكل تحت قانون النصب سواء!!). وهي بذلك تأتي بثمر المغفرة عن الخطايا والزلات والمعاصي والجرائم، فيعود الإنسان كما ولدته أمه – بلا عقل أو ضمير – ويمنح صاحبها صكوك مغفرة دلالة على الرحمة (وهي تشبه بذلك الشيكات بدون رصيد).

ليسا ضدين أو خصمين، إنما حليفين يكمل أحدهما الآخر، ويسهل أحدهما للآخر عمله ويعطيه مبررات وجوده، ويستمد كل منهما قوته من الطرف الآخر عبر إضعاف واستعباد مقصودين لأمة بأسرها وشعب بأكمله عبر عمليات غسل للعقول منذ الصغر في المدارس بتدريس الفكر السياسي الأوحد، وفي دور العبادة بتعليم الدين الأوحد والصحيح. وإن خرج أحد عن الإجماع فهو إنما لضعف إيمانه، وعمالته، وخيانته، وكفره، وطمعه وجشعه بمادة يلقيها له أسياده الذين يطلبون منه أن يرتدي ثياب مفكر عاقل، أو باحث مستنير، بينما هو خالع لعباءة الوطن والشرفاء من أبناءه!!!.

في عيد الكذب، نرفع أسمى آيات المحبة والولاء والعرفان والتقدير والإجلال لأولئك الذين سرقوا حياتنا وكذبوا وما زالوا يكذبون علينا، باسم الشعب والوطن تارة، وباسم الله والدين تارة أخرى، ونقول للسادة الكذابين أن الأول من نيسان – أبريل – هو يوم نحتفل فيه بأكاذيبكم وضلالاتكم التي ارتكبتموها طوال العام بل طوال الأعوام والعقود والقرون السابقة، وكل عام وأنتم -أيها الدجالون- لا بخير، والعالم أجمع بألف خير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تدعو إسرائيــــ ل إلى وقف عمليتها في رفح بلا تأخير.. م


.. أغلبية ساحقة لصالح -دولة فلسطين- بالأمم المتحدة.. وإسرائيل:




.. موجز أخبار الواحدة -رابطة العالم الإسلامي ترحب بقرار أحقية ف


.. ماذا يعني تأييد «غالبية دول الأمم المتحدة» لعضوية فلسطين في




.. تفاقم معاناة النازحين في خيام الإيواء في رفح في ظل تواصل إغل