الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفسير جديد للقرآن بالانكليزية!!

راني خوري

2007 / 4 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قررت إمرأة أمريكية مسلمة من أصل إيراني في الولايات المتحدة، أن تقوم باصدار تفسير جديد للقرآن، باللغة الإنجليزية، باستخدام معان جديدة لكلمات استخدمت في تبرير الانتهاكات بحق المرأة المسلمة.

هذا الخبر الذي تناقلته منذ أيام بعض الصحف العربية أثار حفيظة البعض واستهجان العديد من الشخصيات الدينية في العالم العربي والإسلامي خاصة لبعض الآيات التي قامت بتفسيرها بطريقة غريبة، لكي تعطيها معنى جديدا، يتوافق مع مكانة المرأة في المجتمعات الحديثة والمتقدمة.

وصاحبة الفكرة هي الدكتورة "لالاه بختيار" وهي حسب ما ورد في الخبر محاضرة سابقة في الإسلاميات في جامعة شيكاغو، وقد أخذتني دهشة كبيرة عند قراءتي لهذا الخبر لأسباب عدة سأعددها في المقال، ولكني أورد أولا بعضا من الخبر، بحسب ما ورد في موقع "العربية" الالكتروني، وهو على الشكل التالي:

" وفي الكتاب الجديد تتحدى الدكتورة "لالاه بختيار" – وهي محاضرة سابقة في الاسلام بجامعة شيكاغو – ترجمة كلمة "إضرب" العربية التي تترجم عادة بمعني "الضرب" والتي يقول مؤيدو المساواة بين الرجل والمرأة انها استخدمت لتبرير الانتهاكات بحق النساء.وكتبت في مقدمة الكتاب الجديد تتساءل عن سبب اختيار المعنى الظاهري للكلمة وهو "الضرب" بينما يمكن أيضا أن تعني "امض بعيدا".

http://www.alarabiya.net/Articles/2007/03/23/32838.htm

وأتساءل هنا، كيف تم تفسير كلمة "إضرب" والتي تأتي في الآية القرآنية 34 من سورة النساء بمعنى الضرب، حيث ترد الكلمة في السياق التالي:

" الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا"

حيث نرى من بداية الآية افتراضا بأن الرجال قوامون على النساء، والسبب في ذلك هو تفضيل الله لبعضهم (الرجال) على البعض الآخر (النساء)، وبالتالي فمن البداية المساواة معدومة، ليس بحسب إنفاق الرجال، ولكن أيضا بحسب ما فضل الله!! وتتابع الآيات وصف المرأة الصالحة بأنها القانتة (المطيعة) والحافظة (بحال غياب الرجل) ما حفظه الله لها (المهمة الوحيدة المعطاة للمرأة، الحفاظ على عفتها، ولن أستخدم أكثر من ذلك!!)، ومن ثم يبدأ الخطاب موجها للرجال (ولن نقبل هنا تأويلا بأن الخطاب موجه لأولي الأمر أو للمجتمع أو للنساء العاقلات الحصيفات، لآن بداية الآية تظهر بأن القوامون هم الرجال وبالتالي فالأولى بالتفسير أن يكون الخطاب موجها لمن تم ذكره في سياق الخطاب) دونا عن النساء موضحا لهم ما يجب أن يفعلوه في حال الخوف من النشوز (ونلاحظ مدى المرونة هنا، فهي ليست ثبوت كون المرأة ناشزا، وإنما الخوف من ذلك!!) ، وواضعا الجرم في عنق المرأة باستخدام الاسم الموصول "اللاتي" لجمع المؤنث، وللتأكيد نرى الكلمات التي تتبع تنتهي بالضمير المتصل "هن" في الكلمات "نشوزهن" و "عظوهن" و "اهجروهن" و كلمة الجدل في الشرح الجديد "اضربوهن"، فمما سبق يتضح بأن المسؤولية أو الخطأ بالكامل ملقى على عاتق المرأة، وليست المشكلة فقط في عملية الضرب، فإن وجدنا معنى ملتويا لتحريف كلمة الضرب، واستبدالها بمعنى آخر، بقي المعنى العام منتقصا للمرأة (بما فضله الله)!!

ولكي لا نطيل في الشرح ونكتسب تسمية "الطبري"، سنمضي مع الفكرة التي تود استخدامها الدكتورة "لالاه بختيار" بأن معنى كلمة "إضرب" يمكن أن تعني "إمض بعيدا"، وللبحث عن معنى الكلمة فإننا لا نخترع وإنما نعود لمرجع حيادي بين الأطراف، فالكلمات نصل لمعانيها بالقواميس والمعاجم، وسأورد هنا ما ورد في مختار الصحاح عند البحث عن المعنى لجذر كلمة "إضْرِب"، وهو "ضَرَبَ"، ولذلك سنستخدم قاموسا الكترونيا مع إدراج الرابط للتدقيق، حيث يرد المعنى في قاموس "مختار الصحاح" كما يلي:

"ضَرَبَهُ يضربه ضَرْباً و ضَرَبَ في الأرض يضرب ضَرْبا ومضربا بفتح الراء أي سار لابتغاء الرزق يقال إن في ألف درهم لمضربا أي ضربا وضرب الله مثلا أي وصف وبين وضرب الجرح ضَرَباناً بفتح الراء و أضْرَبَ عنه أعرض و تَضَارَبا و اضْطَرَبا بمعنى والموج يَضْطَرِبُ أي يضرب بعضه بعضا و الاضْطِرابُ الحركة و اضْطَرَبَ أمره اختل و ضَارَبَهُ في المال من المضاربة وهي القراض و الضَّرْبُ الصنف ودرهم ضَرْبٌ وصف بالمصدر "، إنتهى.

http://www.alburaq.net/mukhtar/root.cfm

للوهلة الأولى، وعند قراءة ما ورد، سيظن القارئ أن التفسير وارد بمعنى "إمض بعيدا" الذي اقترحته الدكتورة، وخاصة أن مختار الصحاح يورد "وأضرب عنه أعرض"!! ولكننا نلفت النظر إلى الكلمة المحورية الواردة في هذه الجملة وهي "عنه"، فما ورد في مختار الصحاح هو "أضرب عنه" وهي بصيغة الماضي، وليس "إضرب" بصيغة الأمر، فلو وردت الكلمة في الآيات "واضربوا عنهن" لقلنا أن التفسير واجب بهذا المعنى، ولكان السلف فسرها بذلك، ولكن النص واضح وضوح الشمس، "إضربوهن!!"، فالضمير المتصل "هن" هو في محل نصب مفعول به، وهو النساء، وبالتالي فالمعنى الوحيد الممكن اعتماده هو الضرب، وليس الإضراب. ونعطى مثل للفرق بين الكلمتين والتمييز بين المعنيين، فقولنا أن "فلانا أضرب عن الطعام" يعطي معنى الإعراض أو الامتناع أو الابتعاد، أما أن نقول "إضرب فلانا" أو "فلانا ضرب فلانا"، فهنا المعنى لازم لمعنى واحد هو الضرب فقط!! وخاصة عند المقارنة لصيغة الفعل الماضي في الحالتين "أَضرَبَ، و ضَرَبَ" أي أنهما كلمتين مختلفتين.

والنقطة الثانية المثيرة للدهشة والاستغراب هي أن التفسير الجديد هو فقط باللغة الإنكليزية!! أي ليس تفسير جديد للقرآن كمصدر تشريع عام وبجميع اللغات، فالدكتورة مثلا من أصل إيراني، فما المانع من أن يكون التفسير باللغة الإيرانية أو العربية؟ مما يبين أن الهدف منه ليس الوصول بالإسلام إلى تفسير جديد، وإنما فقط تلميع صورة الإسلام في الخارج عبر التفاف حلزوني على المعنى الأصلي، وبالتالي فهذا معناه أن الإسلام الانكليزي سيكون أكثر حضارة وانسجاما مع المرأة الغربية وطبيعتها المستقلة، وبالتالي فهي لن تنفر من إسلام يأمر بضربها طبقا لوصية إلهية. أما الإسلام العربي أو خارج منظومة الدول المتقدمة فلا بأس فيه بضرب النساء لأن المرأة فيه ليست مستقلة وشخصيتها تكاد تكون معدومة. وهنا نسأل، إن أتت سيدة أمريكية إلى مشرقنا العربي فهل تضرب أم لا؟ وإن خرجت مسلمة شرقية وسافرت للولايات المتحدة الأمريكية، فهل "يبتعد عنها!!" أم تضرب؟ وهل هي حقبة مكية في الولايات المتحدة الأمريكية تليها حقبة مدنية بعد أن تقوى الشوكة؟

أما النقطة الثالثة فهي أن التفسير الجديد للقرآن يخرج من امرأة مسلمة أمريكية من أصل إيراني!! وإني لا أري أية كلمة تدل على عروبة هذه السيدة أو إتقانها للعربية، والقرآن نزل بلسان عربي لا ريب فيه!! فهل الترجمة من لغة أعجمية إلى لغة أعجمية أخرى هي السبب في هذا الخلط للمعنى؟ الله أعلم.

رابعا، هل المشكلة هي فقط في هذه الآية، هل هي الآية الوحيدة التي تنتقص حقوق المرأة؟ فما هو التفسير العصري للوحي الإلهي بأن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل؟ وما هو التفسير الحديث لآية المواريث التي تعطي للذكر حظا كحظ الأنثيين؟ وما هو التفسير الجديد الذي سنقنع به النساء بأن يقبلن نصيبهن بضرائر ثلاث ناهيك عن ملكات اليمين؟ وما هو التفسير الملائم لعدم ذكر مكانة المرأة في الجنة (وأن معظمهن في النار حسب الأحاديث؟ وغيرها العديد من الآيات التي أعطت مكانة لا تحسد عليها في الإسلام!!.

لا شك بأن معظم المسلمين يطالبون بتفسير أكثر عصرية للقرآن يتماشى مع الواقع الحالي للمجتمعات، بعيدا عن صورته الحقيقية التي أتى فيها منذ أربعة عشر قرنا من الزمان، وهو ما يظهر بأن واضعه لم يكن بعيد نظر أو عالما ومتنبئا بالمستقبل، وجميل أن نرى محاولات بشرية للعبث بالحكمة الإلهية الأزلية الأبدية، وقد تكون هذه المحاولة هي بداية نشأة فرقة جديدة من فرق الإسلام التي مصيرها النار، ولكنها هذه المرة فرقة أجنبية تعزف على أنغام إسلامية أمريكية معاصرة، بالتالي لا عجب أن يكون اللحن مسخا عجيبا.

للدكتورة نقول بكلمات أغنية مايكل جاكسون الشهيرة في ثمانينيات القرن الماضي : Beat It دكتورة، والمعنى هنا "أضربي عن هذه المحاولة"، فهي لن تزيد المسائل إلا تعقيدا، والإسلام أكثر تشتتا، ولعل Beat it هي سبب الفكرة الجديدة في تحويل الضرب... إلى إضراب عن!! في هذه الحالة، "مايكل جاكسون" أعلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا