الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإدراك ... عصا الارتكاز للفهم

لبنى الجادري

2007 / 4 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعرف الإدراك على أنه العملية التي تشير الى استخلاص وتنظيم وتفسير البيانات التي تصلنا من كل من ، البيئة الخارجية والداخلية عن طريق الحواس .
فقد كان يرى علم النفس الترابطي القديم ، أن الأشياء تبرز في مجال إدراكنا نتيجة نشاط عقلي يربط بين احساسات منفصلة مختلفة ، ومن هذا الترابط تتألف الأشياء التي ندركها ، كما أن هذا العلم يعطي الذاكرة والخبرة السابقة أهمية خاصة في عملية الإدراك . وإذ كان يرى إن الإدراك هو تعرف الأشياء المألوفة عن طريق التعلم والألفة والخبرة السابقة ، ويستميل إدراك الشيء الجديد ما لم يألفه الفرد قط من قبل .
إن تكوين النموذج المعرفي عملية نشطة تهدف الى حل مشكلة معرفية معينة ، فارتباطه بالمشكلة التي تواجه الفرد ، من حيث انتقاء وتنظيم المعلومات . ترتبط عملية انتقاء وتنظيم المعلومات بحالة الفرد التي تتضح في توجيه انتباهه نحو خصائص وعلاقات معينة في الأشياء والظواهر والأحداث يكون لها معنى موضوعي بالنسبة للنشاط العملي . هذه النماذج المعرفية تعمل في توازن ديناميكي متميز ، فهي من ناحية تتغير باستمرار ، وفي نفس الوقت تظل محتفظة بحالة من الثبات النفسي ، لذا تعمل النماذج المعرفية على تنظيم سلوك الإنسان .
ونحن نتعرف على الأشياء وتزداد دقة في إدراكنا لها ، بتكييف أنفسنا لها ،فالإدراك عملية إيجابية ، وقد شرح (جون ديوي ) هذا المبدأ الهام بقوله ( إن اكتساب التحديد والثبوت في المعاني يأتي أولا في ضروب النشاط العقلي ، فالطفل الذي يدحرج شيئا يمكنه إدراك استدارته ، فإذا قذفه على الأرض تدحرج فأرتفع ، اتضح له مرونته ، وإذا رفعه ، أصبح الثقل عاملا مميزا ً له ، فالمؤثر يكتسب خاصية معينة تختلف عن سواها من الخصائص التي تتطلب استجابة مغايرة ، وذلك عن طريق الاستجابة أو التكيف الاستجابي وليس عن طريق الحواس .
وتتغير خصائص الأشياء كلما ظهرت للطفل طرق جديدة لاستعمالها ، وغالبا ما يعرف الطفل الألفاظ في ضوء الاستعمالات التي يمكن أن تستخدم فيها ، فيوصف الكرسي على أنه الشيء الذي يجلس عليه ، وتتغير معاني الأشياء بتغير تكيفنا لها .
ويشير ( هولوس ) الى ، أن الفرد يصل بتفكيره الى مرحلة معينة من مراحل نموه العقلي أولا ، ثم يصبح باستطاعته بعد ذلك أن يستخدم البنى العقلية الخاصة بتلك المرحلة في مهارات الاتصال بالآخرين وبالتفاعل معهم ، ومن هنا فالنمو العقلي يعد شرطا أساسيا للأداء الناجح والاتصال مع الآخرين .
إن تطور عملية الإدراك يقود الى التنظيم الذاتي للمعلومات من دون حاجة ضرورية لخصائص المجال ، وقد أطلقت على هذه النظرية أسم ( نظرية الخصائص المميزة ) ، وتعني بالخاصية المميزة ، تلك الخاصية التي يختلف فيها شيئان ، وبذلك تحدد الفروق بينهما ،مثال ذلك ، الشكل ( أ ) يتكون من مثلث وخط منحني ، بينما الشكل ( ب ) يتكون من مثلث وخط مستقيم ، فالفرق بينهما هو نوعية الخط فقط ،وهذا المؤشر الأول على تطور الإدراك ، أما المؤشر الثاني ، فهو كيف تلاحظ خصائص الأشياء ، وهناك طريقتان لملاحظة ذلك ، وهما :
· الخاصية البارزة : وفيها يحدد الطفل الخاصية التي لفتت انتباهه في الشيء ( اللون ، الحجم ، الشكل ، ..الخ.) .
· التصنيف للخواص ، وفي مرحلة متقدمة يبدأ الطفل بضم كل صفات الشيء الواحد تحت مسمى معين ، فمثلا ( الطماطة ) تحمل صفات منها ( اللون ، الشكل الدائري ، واختلاف الحجم ) .
إن الإدراك يمثل درجة في التعميم والتجريد ، إنه تآلف من استجابات عامة لمثيرات مختلفة أو غير متطابقة ، حيث أن الإدراك والفهم هي أمور تتضمن الاستجابة للأشياء والناس والأماكن، وذلك من خلال الأوجه المتشابهة بينها وليس الأشياء المختلفة ، إذ أن الأدراك والمعرفة لهما مضامين سلوكية ، وأن الخطوات الإدراكية هي الجانب الذكي من الخبرة ، ولكنها لا توجد لوحدها بالمرة ، كما أن لها جوانب أو نواتج عاطفية .
وللإدراك عدد من العوامل التي تؤثر في حدوثه منها :
· الشدة والتضاد : إذ يمثل شدة المثير عامل مهم في تحديد ما سوف نتنبه اليه ، وبالتالي مدى إدراكه ، فالصوت العالي ، والضوء القوي ، مؤثرات قوية تثبت الإدراك وتزيده . وكذلك الحال بالنسبة للتضاد ، فهو يوجه انتباهنا وإدراكنا ، مثل ظهور ضوء في الظلام ، أو وجود زهرة حمراء ضمن باقة زهور بيضاء ..الخ
· التغير والحركة : تميل الأشياء في حالة الحركة الى جذب الانتباه وتوجيه إدراكنا ، مثل النور الذي يضيء ويطفي على واجهات المحلات .
· العدد والترتيب : تميل الأشياء التي تقع في مجموعات طبيعية أو في ترتيب منتظم الى جذب الانتباه وتوجيه إدراكنا أكثر من الأشياء التي تتواجد بشكل عشوائي ، ويتوقف عدد الأشياء التي ندركها حينما ننتبه الى شيء ما ، على الوقت المسموح به للملاحظة ، وكذلك على عدد الأشياء المنفصلة المقدمة ، فإذا نظرنا الى مشهد من شارع مزدحم ، يبدو كما لو أننا ندرك عددا هائلا من الأنشطة ، إلا أن عدد الانطباعات المنفصلة والمحددة التي يستطيع أن يدركها الشخص الملاحظ لحظة الانتباه تكون ضئيلا جدا .
· التركيبات والنماذج : إن التجمعات الطبيعية أو النماذج في العالم المحيط بنا تدرك على الفور ككليات منظمة ، فإذا أسترد شخص كفيف بصره فجأة ، فأنه يرى العالم من حوله كتركيب منظم وليس كمزيج مختلط من الأشكال والألوان .

وبذلك فعملية الإدراك تشبه عملية الانضباط الذاتي ، فمن خلال الإدراك يمكننا إصدار الأحكام المختلفة المبنية على أسس قوية ،وعلى تجميع الحقائق وربطها للحصول على نتائج مهمة تسهم في وضع اللمسات السحرية للشيء المراد إدراكه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة