الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية التي ندافع عنها !

أيوب المزين

2007 / 4 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أخذ مفهوم العلمانية أنساقا في الطرح السياسي والفكري تفسر حسب المنافع الشخصية والجماعية تارة أو التموقف من الديانات وطرحها الميتافيزقي تارة أخرى. وقد ذهب علماء السياسة المعاصرون إلى تبويب العلمانية بين شاملة وجزئية، فقالوا أن الشاملة من رفضت النص الديني بأكمله وألزمت الإنسان عقله باعتباره "قيمة مطلقة" لا تعلو عليها عالية !،...

وشرحوا الجزئية بكونها منهجاً في التسيير المدني (فصل الدين عن الكنيسة/المسجد). قد نختلف مع العلمانية الشاملة في تطرفها العقلاني ونزعتها الإلحادية بيد أن الحديث عن علمانية جزئية (البعد التربوي)، في إطارات "أهلية"، يجعل منها علبا أخلاقية مفرغة من القيم المطلقة، قابلة للتعبئة حسب الخصوصيات القومية والدينية لكل فرد يعيش تحت لواء "دولة أهلية" معينة.

مع احتدام الصراعات بين التيارات الإسلامية والحركات المحسوبة على اليسار التقدمي العلماني، حدثت تشوهات مفاهيمية كبرى، تم الترويج لها بين الجهلة من أبناء الشعب، فمن انضم إلى اليسار تم إفهامه أن "الإسلاميين" مجرد "خفافيش ظلامية" تحاول المتاجرة بالنصوص الدينية، ومن أُقحم معركة "الجهاد" ضد "الزنادقة" آمن هو الآخر بأن العلمانية – بشكل تعميمي مجحف – تساوي قطعا الإلحاد ولا يمكن أن تكون حلاً أهليا (ديني، مدني) بالمرة !.

العلمانية التي نحاول ملامستها في هذا المقال، ليست دينا ليقول بعض الإسلاميين بأن العلماني لا حق له في الانتساب إلى الإسلام، فالحركة العلمانية العربية قدمت للإسلام أكثر مما قدمته للعروبة نفسها. وليست إيديولوجيا خاضعة لتوابث علمية، فالعلمانية منهج حياتي كان على عهد الرسول (ص) في دولته بالمدينة، حيث مورست الحرية الدينية بشكل طبيعي جداً (مسلمون- يهود – منافقون !).

ما يجب التشديد عليه إذن، هو أن العلمانية في حد ذاتها مجرد اصطلاح جديد لقيم اجتماعية قديمة. فالخطورة بأكملها تكمن في الوعي الشعبي المهتز والحزازات الدينية المتصاعدة: كونك تعبر عن نزوح علماني يجعلك تواجه استفسارات عقائدية كما لو أنك تمر على الصراط أو تواجه حد الردة وعليك أن تنصف إيمانك !. المفهوم الحقيقي للعلمانية الاجتماعية يتطابق مع روح الإسلام وقيم الحداثة والحرية ويتعارض بشدة مع مظاهر الانحلال وما يكنى بـ"لبرلة" المجتمعات..البوذية مثلاً، "دين مدني" نشأ من قيم إنسانية مجردة ودافع عن صفاء الذات وتحرر الأفراد مع مراعاة مجموعة ضوابط أخلاقية دون أن يكون من منبع سماوي مقدس. هذا لا يعني جعل السماوي الموحى إلى الرسل والأنبياء من جهة، والأرضي المُجتهد في أمره من لدُن علماء وفلاسفة من جهة أخرى، محل مقارنة معيارية. بل المقصود هو أن الأصل في فطرة الخلق الإنسانية خير ومحبة، وفتح الباب- في أية دولة مسلمة – أمام اجتهادات علمانية معقلنة (لا تخالف جوهر العقيدة)، سواء في التاريخ الديني أو منظومة القيم الدينية، سيكون أمراً محموداً يسد منافذ التدخل الخارجي في مقرراتنا الوطنية التاريخية (الوثنية، العرفية والإسلامية) وكذا سيمكننا من ضبط القلاقل الإثنية المتنامية والتي تخدم كثيراً المخططات التقسيمية الإمبريالية.

للأسف، غالبية المتتبعين لا تقرأ لتفهم، وإن فهمت تتغابى عن الوجهة السليمة ضبطا لحسابات سياسية صغيرة صغراً يكاد يعكس قزمية أصحابها !. فالعلمانية التي ينادي بها "التقدميون" لفصل الديني عن المدني أو لتفسير الظواهر الاجتماعية بميوعة تدعي الانفتاح ومواكبة ركب العولمة الثقافية لا تمث للعلمانية الإسلامية بشيء، تلك العلمانية الصافية التي مثلها تيار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعلال الفاسي..تلك العلمانية الشهمة التي شنق صدام حسين في سبيل تطبيقها حفظا لكرامة العروبة والإسلام...إن اختلفت المصطلحات وضاقت قواميس اللغة بكلمة صغيرة اسمها العلمانية (لا يهمنا الجذع اللغوي أساسا) الحرة فاتركونا ننصف جيلاً من الشباب تلتهمه زوبعات التغريب متظاهرة بكونها أكثر انفتاحا من دينه الذي "يرسم له كل هذه الخطوط الحمراء".. والتي تكون غالباً من شوائب التقاليد اللازم عزلها.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah