الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في سيرورة الكائن في المطلق والعبث

فاطمة الشيدي

2007 / 4 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"ما في العالم إلا صور"
محي الدين ابن عربي
الكائن هذا المشتق من ماضويته ، وتقرحات حاضره ، وغيابت مستقبله ، هذا الكيان الراغب في التكوّن منذ أول نقطة ينزلق فيها من كيان لكيان ، مادا بصره المرتبك نحو الكينونة الكبرى في محاولة لإلزامها بالتكوين المرتجى والمغترف من حد الذات والآخر ، ليجد ذاته بعد هنيهات من التشظى على سنن الكونية عدا في التكوينات ، والصيغ اللانهائية للنهاية .

ليجد ذاته باحثا عن قدر أوسع خرجا ، ليضع فيه كماله الناقص ونقصه الكامل ليكون غارقا في التلاشي ، غرام الكائنات التي تعاني من الخفر ، وأشياء رفيعة تتساقط على مدرجات الكون في العبور المتهافت.

الكائن مفرد الكائنات الهشة التي تحتاج أن تستمر ولكي تستمر تحتاج أن تشعر أنها ثقيلة ، هذا الثقل الغرائبي والذي هو ضد الفراغ بالضرورة ، وضد الوحشة والعواء والكائنات المتربصة به ، هذا الثقل الذي لايكون بالمال ولا بالفكر ولا حتى بالكراسي .. ولايكون إلا بعدد من القلوب التي تملأ ثقوب الروح وتصد البرد والوهن وأشياء أخرى .

القبح وجه آخر للجمال هكذا علينا أن نؤمن لنستمر ، والفرح وجه آخر له ،، الإيمان بالتناقضات الحقيقية والكثيرة في الكون والكائنات هي حالة السلام الذي نبحث عنها، في زمن متناقض حتى الفصام ، هي محاولة التصالح مع اليقينيات بكل فجاجتها ..

ووحدة الكائن مع تصاعد التكوين المجتمعاتي حالة حقيقة ومرعبة ومتصاعدة ، أفرزها العصر وبراجماتيته الجارحة ، الوحدة عبادة هكذا قالوا قديما ، لكنها اليوم لها وظيفة أخرى ، ألا وهي حماية الكائن الزجاجي من أشواك الآخر ، التي قد تخدش جسده الشفاف بطاقات العبث إن لم يكن بنية الخدش المقصود ..

الوحدة المتشكلة وفق روح الكائن المحتاط لكينونته من النفاد ، الكائن الذي يتوحد مع ذاته أو مع ذات خارجية بلا روح كعمل أو جهاز صامت .. يسوي مابينه وبينه بجهد أقل ليستمر .. قد يكتب ، وقد يرسم ، وقد يرقص أو يغني .. إنها حالات إدمان هروبية من ربقة الفراغ وبراثن الوحدة التي لايطفئها آخر مهما كان وقد يفعل لكن الأمر مؤقت أو موقوت بزمن ، فذلك الآخر أيضا المتوحد مع وحدته والراغب في إقصاء الفراغ والوحشة يتعشق الوحدة التي يهرب منها ويتوحد مع ذاته في تصالح حاد وخفي مع الألم الذي يعيشه .. لذلك يهرب الجميع ، ولا أحد يعرف مما يهرب. ثمة لسعات غيبية تجعل الكائن يهرب من نفسه ومن الآخرين ، يهرب للداخل من الداخل وللخارج من الخارج .. يهرب لأي معاناة يختارها طوعا ..وهاهي العوالم الرقمية تفتح بطونها للهاربين، نهرب منها وإليها ، نهرب إليها منا وبنا ، كأننا نهرب منا إلينا إذن..

تباينات الكائن حالة طبيعية – مسلمة أكثر نتوءا - نحن متعدد بزوايا لسنا فردا واحدا ( هل نحن أقنعة؟ ) إننا مجموعة أنوات متداخلة ، كل منا كل ، وهذا الكل المتجزء لأنوات متحفزة للظهور حسب قنوات العرض الخاص والعام .. هكذا نتدحرج في حيواتنا بكل تلك الكائنات المزدحمة تحت جلودنا الجاهزة لنفثها فور مايستدعي الموقف ..

هذه الأنوات ليست أرواحا فقط .. إنها أجساد متشكلة يتداعي معها التكوين الخارجي ، بشكل يتمظهر في بروز أجزاء وضمور أجزاء أخرى .. هل ( الكائن) السعيد هو الغاضب ، وهو الراضي ، وهو السكران ، وهو على كرسي منصبه ، وهو بين يدي من يعشق ، وهو أمام مسئول أعلى منه ، وهو أمام من يعمل لديه.. ؟ إنها كائنات متعددة تتبادل أدوار الحضور والغياب والكلام والصمت والظهور والاختفاء ..

الكائن مصنوع لايوجد كائن محض .. كل شيء يسهم في صناعته .. من الثدي الذي يرضع حتى القدم التي يقبل ، لاكائن خالص بتفكيره وتوجهاته ، بحزنه وفرحه ، بذله وكرامته ، بكبره وخضوعه .. الكائن عجينة الظروف اللينة والقاسية .. قليل من يتشكل خارجه ، قليل من يتشيأ خارج أناه الجمعية والكلية الخالقة ..

الكائن صنيعة الجغرافيا أولا ، تهبه لونها وطولها وعرضها ، تهبه رقتها أو جلافتها، تهبه ليونتها أو جفافها ، تهبه حزنها أو قبحها ، تهبه انغلاقها أو انفتاحها، تكوره أو تمد طوله ، تجعله بدويا صحراويا أو تضرسه بأنيابها الجبلية، أو تجعله مالحا بزرقتها . ويصنعه التاريخ بعد ذلك بثقل إرثه المحنط في ذاكرة الزمن ، وإحباطاته ، وخساراته ، ويصنعه المجتمع لاحقا بعاداته وتقاليده وخصوصياته ، وهكذا يدخل هذا الكائن المختبر أو المصنع الكوني منذه بضا حتى حتفة .

الكائن العصري كائن محبط بالنتيجة يسير بتماهيه الخارجي والداخلي محاولا انتعال فكرة أو حلم ، محاولا خلق مشاجب كثيرة ليعلق عليها خيباته وانكساراته وربما أوهامه .. الكائن الذي يكثف رغوة الوهم داخله ، يخلق كائنات تؤنس وحشته وتدلل طوباوية أحلامه التي تستطيل بفعل التشظي والجفاف ، وتتمدد على جسده الذاهب نحو الموت كالنباتات الزاحفة على جسد الأرض ..

الحب في البدء فكرة ، والخيانة فكرة ، والمؤامرة فكرة .. وكل فكرة هي مشجب صالح أو معد لتعليق الخيبات ، لتأجيل الموت ، لمواجهة القبح ..

الكائن قد يدعي الحب واللهفة والغرام والمواعيد ليخدع ذاته بعمر قادم ، بلون الأمل المبهرج على خارطة المسافات الناقصة في عمر الكائن أبدا ، فيتحول الحب مشجبا ، أو (صنما) غير مرئي ، ويتقصى صورته في مساحات الآخرين ، وحين لايجده قد لايبكي ؛ لأن لديه صنمه أو مشجبه المؤقت الذي يمكنه أن يناجيه كلما عوت الروح كذئبة جائعة، هذا الصنم قد يكون وهما يعيش في الروح فقط ، وقد يكون منتظرا كنبي أو فكرة تربّت بإصرار ، وقد يكون لعبة كالفنون التي تقامر بخلق كائنات وتأليه صفات متخيلة فقط ، أو مخدرا كالأفيون والشراب الذي يغير ألوان وطعم الأشياء .

الآخرون ( الجحيم) مشجب لتقليل حجم الخسارات واستثناء الذات من فعل ما ، يمارسه هذا الآخر ، كالكذب أوالنفاق أوالخيانة أوالغباء .. الخ، نسبة القبح للآخر هي محاولة ضمنية لنفي القبح عن الذات لتدليلها قليلا ، أو لتعميم القبح بنسبته للآخر الغير مرئي والغير محدد والكثير بالضرورة ، لتبريره للذات وتخفيف وطأة الحكم عليها لأنها مشتركة مع الجمع في فعل ما، وإن كان قبيحا فهذا مبرر وجودي جمعي .

عقدة النقص حالة تعويض أخرى تتطلب مشجبا يوزاي في معادلته الآخر الأجمل، في حين أن عقدة المؤامرة هي مشجب يوازي في معادلته الآخر الأقبح رمز الشر والموت .. وهي في المحصلة تبرير للذات الوهنة وتصغير حجم عجزها عن أن تدان ، لتكون هي أو كما تريد ..

كل شيء ضد الأنوثة ، الأنوثة ليست المرأة ، المرأة جزء منها ، الأنوثة معادل الليونة ، معادل اليسر والأمومة والعطاء والتدفق ، الأنوثة معادل الجمال والأناقة في الحياة ، معادل العطر والنظام ، الكائن الأنيق والهادئ والجميل يحمل معطيات الأنوثة ، والمكان الجميل المشع بالبهاء يحمل صفات الأنوثة .

الأنوثة ماقبل / مابعد الرغبة بأميال ، حالة السلام التي تقرأها في قبلة من فم مجعد كقطعة قماش عصرت بقسوة ، أو فم لم تستدير شفاهه بعد ليفرق بين الجسد وقطعة الحلوى ، تلك الكائنات التي لاتطل من عيونها كلاب الرغبة المدنسة للروح.

الأنوثة كذلك هي النار التي تطل من مقلة قلقلة بحيرة ناعمة وطيبة كحيرة الموج لتجعل الرغبة سلّم الجسد للروح ،وليس العكس ، حالة من الانصهار الكلي في صهريج العشق حتى الفناء ، خارج التوقيتات الزمكانية ، خارج حدود الموت والحياة ، والدين واللادين ، العشق الذي يجعل الكائن إلها والأرض جنة .

كل شيء ضد الأنوثة ، ضد الكائن ( الأنوثي) كل شيء يربي العنف والصخب والقبح في مقابل الهدوء والجمال المرتقب ..الكائنات والأمكنة تجاهر البشر بذكورتها الفجة وقبحها المتمدد كالحرائق في الغابات .

الكائن الذي يربي الأنوثة في شرفات روحه عليه أن يتقوقع على ذاته ليدرأ عنها الدخان والفجاجة ، ويرشها كل ليلة بخدر العطر كي لاتستجيب لمعطيات الخارج العاطب .

لامنطق للكينونة السافرة العبث ، ولاجدوى لمحاولات التأويل القائمة عن منطقة الأشياء فالأغوار تكشف مساحات أشد ارتباكا في علاقة الفرد بالفرد بالجماعة ومابينهما من تشجر وتداخل نسبي ، والصمت حجة على المتكلم واللغة حجة على الصامت .

الرصد الغبشي للفكرة المائعة يجعلها خارج الرصد القائم على تأويل الفكر أو الهرمونيطيقا التي تحتاج الحذر في رصد ظاهرة ما والعناية في كشفها وتفسيرها، الكائن ليس ظاهرة ثابتة لذا فقراءته تنطلق من مناطق مرتبكة في هذا الفكر الكائني المتذبذب ،والمتغير بفعل عوامل الحركة والسكون الداخلية والخارجية، لذات القارئ والمتلقي معا ، إنها محنة الكائن والقراءة معا .

ماأصعب تلك الهزات التي تصيب الكائنات الغير ساكنه بفعل وخزات التأمل والوجع ، الكائنات الملدوغة أبدا بصدى فكرة عابرة أو عابثة ، أما المسلمات فلا تتحقق إلا ببعض جوانب التسليم الروحي والسلام المنتسب للدين بفعله الحتمي والفوقي والقائم ضد المسآلة وضد التأمل القصي ، أو بالسكون المجتمعي القائم على الرضا والقناعة .

اللغة عاجزة أبدا فلا يمكن أن تكون جسرا للداخل لنمشي عليه بحذر حاد لنصل لمنطقة عالية جدا من التأويل الوجودي لكائن محكوم أصلا بتضادات الأشياء فالحرية عبث والمنطق خدعة ، والكائن وجود متربص بحكم الرغبة في الاستمرار واللاجدوى منه ، فلا يمكننا من خلالها أن نتيقن من أن هذا المكان صالح للرؤيا ولأن يكون مقايسة للكائنات ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا