الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية السلطة - 1

علي وتوت

2007 / 4 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إشكالية السلطة
في تأصيل المفهوم
(1)
تعدُّ (السلطة Authority) مفهوماً إشكالياً، ذلك أنها توصف من قبل الباحثين في سوسيولوجيا السياسة والفكر السياسي على أنها أكثر الأشياء تأثيراً في حياتنا اليومية.
وقد اعتنت العديد من المدارس الفكرية بمحاولة تحديد مفهوم (السلطة)، ولكن ورغم من هذه الأهمية فإنه يصعب الحصول على تعريف وتحديد يجمع عليه لهذا المفهوم.
إذ يمكننا الاكتفاء بتعريف السلطة على أساس أنها مفهوم يتناول علاقة ثنائية بين طرفين أفراداً أو مجموعات، وتتمثل هذه العلاقة في قدرة الطرف الأول على التأثير على الطرف الثاني، فهي علاقة سببية في أساسها. لكن مسألة السلطة تعد مفهوماً أكثر تعقيداً في الواقع.
فالسلطة لغةً في الأصل (سلّط) بمعنى القهر، وقد سلطه الله فتسلط علـيهم، والاسم سُلطة (بالضم). السلـيط الطويل اللسان والأنثى سلـيطة سلطانة، ولسان (سلط وسلـيط) أي فصيح، وقال الزجاج كل سلطان فـي القرآن حجة وقوله تعالـى {هلك عنـي سلطانـيه}(1)، معناه ذهبت عنـي حجتي، فالسلطان الـحجة، ولذلك قـيل للأمراء سلاطين لأنهم الذين تقام بهم الـحجة والـحقوق. والسلطان الوالي. وقيل السلطان قدرة الـملك، والتسلـيط إطلاق السلطان وقد سلطه الله علـيه وفـي التنزيل العزيز {ولو شاء الله لسلطهم علـيكم}(2). والتسليط: التغليب، وإطلاق القهر والقدرة(3).
أما اصطلاحاً فإن السلطة Authority مفهوم أخلاقي يشير إلى النفوذ المعترف به كلياً لفردٍ أو لنسقٍ من وجهات النظر أو لتنظيم مستمد من خصائص معينة أو خدمات معينة مؤداة. وقد تكون السـلطة سـياسـية أو أخلاقية أو علمية أو.. ما إلى ذلك، ويتوقف هذا على مجال النفوذ. كما أن وجود جهاز للسلطة هو شرط جوهري – بحسب النظرية الماركسية – لتطور التطبيق التاريخي الاجتماعي. وقد تؤدي إساءة استخدام السلطة في التحليل النهائي إلى فقد الثقة في السلطة، أو إلى العبادة العمياء لها، والتي تؤدي إلى عبادة الشخصية(4).
وهناك تعريفات عدة أخرى لمفهوم السلطة، نذكر منها التعريف الذي قدّمه المفكر الفرنسي ريمون آرون، وقال فيه: السلطة هي المقدرة على الفعل أو التدبير. ويتخذ هذا المفهوم بعده الحقيقي عند ممارسة الافراد سلطتهم على الآخرين(5). فيما اعتبر برتراند راسل السلطة هي عبارة عن القوّة والمقدرة، قائلا: يمكن تعريف السلطة بأنها ((عبارة عن إيجاد التأثيرات المنشودة، إذاً فهي مفهوم كمي))(6).
إن النقطة الأساسية المشتركة بين التعريفين أعلاه هي اعتبار السلطة ظاهرة كمية، والمراد منها الأدوات والوسائل المتوفرة لدى الفرد أو المؤسسة السياسية أو الدولة(7).
أن السلطة وبحسب أغلب الباحثين في علم السياسة هي تلك العلاقة الخطية بين فاعل ومنفعل. كما إن هذه العلاقة إكراهية لا تقوم على التوافق، وهي بحسب بعض الباحثين علاقة أنانية، تخدم مصالح الطرف الفاعل (الحاكم) على حساب مصالح المحكوم (المنفعل). ويمكن أن نجد تلخيصاً لكل هذه الأوصاف في التعريف الذي قدمه ماكس فيبر للسلطة، إذ اعتبرها الفرصة، التي تتوفر في إطار سياق "العلاقات الاجتماعية، والتي تمكن جهة أو طرف من أطراف العلاقة ما من إنجاز إرادتها برغم المقاومة، وبدون اعتبار الأسس التي تقوم عليها تلك الفرصة. أما السلطة العامة فهي إحدى الخصائص الأساسية للدولة كتنظيم يتميز عن التنظيم القبلي الذي سبق ظهور الطبقات(8).
والسلطة بهذا المعنى تختلف عن مفاهيم أخرى عدة، مثل القوة Power ومفهوم النفوذ Influence(9). فهي أقرب إلى الضبط أو السيطرة Control ولكنها ترتبط بالقوة ارتباطاً وثيقاً، ذلك أن مَنْ تمارس عليهم السلطة فعل (القوة)، يعتقدون أن مستخدم هذه القوة Power-wielder يملك حقاً معنوياً لممارسة القوة واستخدام العقوبات إذا استدعى الأمر(10).
إن بنية المؤسسات السياسية في الديمقراطيات الليبرالية ترتكز على مبدأ شهير هو مبدأ فصل السلطات. وعلى الرغم من أن جميع الأنظمة السياسية تعرف الانقسام بين أجهزة حكومية عدة يختص كل واحد منها بوظيفته. لكن فصل السلطات بالمعنى الدقيق للكلمة لا ينطوي فقط على هذا التقسيم للعمل بل يفترض أيضا أن مختلف سلطات الأجهزة الحكومية هي مستقلة الواحدة عن الأخرى ونظرية فصل السلطات تسند هذه الاستقلالية المتبادلة للأجهزة الحكومية إلى واقعة أنه يوجد في الدولة (وظائف جوهرية) ومتباينة من حيث طبيعتها ولا يمكن أن تمارس إلا منفصلةً بعضها عن بعض. وتقسم الدولة طبيعياً إلى (سلطات) عدة، علماً بأن المفهوم الأخير (سلطات) يعني في آن واحد الجهاز والوظيفة التي يمارسها.
والتحديد الذي تتبعه النظرية الليبرالية يميز بين الوظيفة التشريعية Law-making التي تصنع القوانين وتوكل إلى البرلمان والوظيفة التنفيذية Law-implementing التي تنطوي على تطبيق القوانين وتوكل إلى الحكومة والوظيفة القضائية Law-adjudication ومهمتها حل النزاعات الناتجة عن تطبيق القوانين وتوكل إلى المحاكم.
إن هذا المفهوم الفلسفي القانوني للسلطات يشكل تبريراً أيديولوجياً لهدف سياسي هو إضعاف الحكم والسلطات وتقليص سلطاتهم وهو ينطوي على ظاهرتين: الأولى هي فصل البرلمان عن الحكومة والثانية هي فصل القضاء عن الحكام(11).

الهوامش
ــــــــــــ
(1) سورة الحاقة، الآية 29
(2) سورة النساء، الآية 90
(3) أبو الفضل جلال الدين بن منظور: المصدر السابق، حرف الطاء، فصل السين، ص 547
(4) وقد كان فردريك انجلز هو أول من اكتشف أهميتها في كتابه (اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة). والسلطة منفصلة عن الشعب، وتدافع عن مصالح المستغلين وهم القلة في المجتمع. ويمارسها الأشخاص الذين يصبح بالنسبة إليهم مهنة (الموظفين والجيش والشرطة و.. الخ ). والمؤسسات الرئيسة الهامة الملحقة بالسلطة العامة هي المحاكم والسجون وغيرها من المؤسسات العقابية.( لجنة من الأكاديميين السوفييت: الموسوعة الفلسفية، إشراف: روزنتال، ترجمة: سمير كرم، بيروت، دار الطليعة، ط2، 1985، ص 248 – 249).
(5)Rayond Aron, Peace and War; A Theory of Intemational Relational (Newyork; Anchor books, 1973) /P 44.
(6) برتراند راسل، السلطة، ص 31
(7) مجلة السياسة الخارجية، السنة الرابعة، للعدد (1 و2 و3)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة