الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلم العراقي وهج الوطنية ، وجامع القلوب !

سهر العامري

2007 / 4 / 9
المجتمع المدني


منذ ما يزيد على ثلاث سنوات ، وبعد سقوط بغداد العزيزة ، ومن دون أن أدري ما السبب ، طلب ولدي ، الذي كان يدرس في مرحلة الماجستير في أحدى الجامعات السويدية ، أن أجلب له علم العراق من أجل أن يضعه فوق رأسه ، معلقا في جدار من جدر شقته الصغيرة في الحي الجامعي ، هذا مع أن ولدي ولد خارج العراق ، ولم ير وطنه قطا من قبل .
همّني طلبه كثيرا ، وطلبت من أخي ، الذي يعيش في العراق ، أن يبادر الى إرسال العلم العراقي ، وبالمواصفات التي حددها أبني ، وهي أن يكون العلم كبير الحجم ، ومن قماش فاخر ، وبتصميم صحيح ، وما كان من أخي إلا أن قام بشراء العلم ذاك ، وبمواصفات فاقت تصورنا ، وذلك لأن أخي يعرف جيد القماش من رديئه ، إذ كان هو تاجرا ، يبيع القماش على مختلف أصنافه .
ولهذا كان العلم العراقي المرسل لنا مصنوعا من قماش حريري ، خفيف ، ومتين ، يدعى في العراق بـ ( الجرجيس ) ، وهو نوع من أنواع الموزلين نسبة الى مدينة الموصل العراقية التي اشتهرت بصناعة هذا النوع من القماش منذ غابر العصور ، والذي كان يورد الى دولة السويد والدول الإسكندنافية الاخرى من العراق في زمن القراصنة ، ولا تزال كلمة الموزلين (Muslin ) هذه تعيش للان في اللغة السويدية .
رحل أخي من العراق الى سورية ، ومنها قام بإرساله لنا ، وذلك لأن البريد في العراق معطل في العهد الأمريكي الديمقراطي ! وحين رأيناه بمغلف رقيق وخفيف أخذنا العجب ، متسائلين : كيف لعلم يبلغ طوله مترين ، وبعرض يزيد على متر ، أن يحمله مثل هذا الظرف الخفيف ، والملقى في صندوق البريد المعلق في باب الدار ؟
ولكن حين فتحنا الرسالة زال عجبنا بعد أن وجدنا أن العلم مصنوع من قماش جيد المادة ، غالي السعر ، ومنذ تلك الساعة ، والعلم لا زال يرمي من زهوه فيضا من الوهج المستديم ، يشع في فضاء شقة ولدي الصغيرة في ذاك الحي الجامعي ، تلك الشقة التي يزوره فيها الكثير من زملائه الطلاب والطالبات ، ومن مختلف البلدان .
من هنا سأنتقل الى الغرض الذي كتبت من أجله هذه المقالة فأقول: لقد شاهدت أنا ، مثلما شاهد الملايين من العراقيين لحظة الانفعال والفرح الطاغي التي استولت على المتسابقة ، شذا حسون ، تلك الفتاة العراقية التي ما رأت العراق قطا ، ولكن في تلك اللحظة ، التي يفقد الإنسان فيها شيئا من عقله ، شخص العراق كله أمام ناظري شذا ، فهبت وهي في لحظة الانفعال تلك نحوه ، فلم تجد منه أمامها سوى العلم ، فضمته الى صدرها ، ثم ركعت عليه ، بعدها طوقت به جسدها الغض ، ثم طافت به محمولا على رأسها فوق خشبة المسرح .
لقد كان ذاك درسا بليغا في حب الوطن ، ودفقا جياشا من بحر وطنية طام ٍ ، وردا بليغا على أولئك المستعمرين الحالمين بامتلاك العراق ، وعلى كل من سار في ركابهم من خونة الوطن والشعب ، أولئك الذين قسموا العراق ، وفرقوا شعبه بسيوف الخيانة والطائفية والعنصرية ، فغرق الوطن في فوضى الأمريكان الخلاقة ، وصارت الدول الأجنبية تلعب كما تريد ، وتشتهي ببلد يفوق عمره عمر بلدان العالم أجمع ، وفي مؤامرة قذرة اشترك فيها الجار الغريب والقریب ، حاملين معاول الهدم والدمار ، فبعثوا الطائفية من قبور الماضي ، وشكلوا أحزابهم على أسس منها ، وراحوا ينادون هذه حصتك ، وتلك حصتي ، ثم ارتقى الكثير من الغرباء كراسي الحكم فيه ، وتحت ظلال المدفع الأمريكي ، هذا بعد أن تركوا فقراء العراق يقتل بعضهم بعضا في حرب قذرة ، فصار من يحمل اسم عمر لا يستطيع أن يصل الى مدرسته ، وصار من يحمل اسم حسين لا يجتاز تلك المحلة وذاك الحي .أ فهذا هو الإسلام ؟ أم أنها شهوة الحكم التي جعلت رجال الدين يرحبون بالكفار ، ويفتحون لهم البيوت ، يذلونهم وقت ما يشاؤون ، ويعفون عنهم بعد أن يعصبون عينوهم متى ما قرروا ، ألا تعسا لرجال باعوا العراق ! وخزيا أبديا لحاملي العمائم السوداء والبيضاء منها ، هؤلاء الذين باركوا قتل الوطن ، وتبجحوا بانتخابات طائفية مزيفة ، وببرلمان يحل الرشوة ، ويقدس الراشي ، هؤلاء الذين أشادوا حكومة يقف خلف كل وزير فيها مستشار أمريكي ، يسن لهم قانون نهب النفط العراقي فيوقعون ، ويمنيهم بلحم من ثورهم فيصفقون ، شأن الوزراء هؤلاء في ذلك شأن أعضاء البرلمان المباركين من السيد الحاضر والغائب ، والذي صار الواحد منهم يحل تهريب الناس من العراق بمبلغ اثني عشر ألف دولار ، له ثمانية منها ولسمسارة أربعة ، وللشخص الواحد الذي يريد الهروب من العراق ، وعن طريق استغلال عضو البرلمان هذا لجواز سفره الدبلوماسي الذي يرفقه بجوازات من يريد تهريبهم ، ومن ثم يقوم بتقديمها الى إحدى السفارات الأوربية للحصول على تأشيرة دخول منها ، وباعتبار أن الأشخاص ، الذين أرفق جوازاتهم مع جوازه هم من حماية سيادته ، فهو مندوب الشعب المبارك من السيد مد ظله العالي ، هو مندوب الشعب الذي دخل البرلمان الأمريكي في العراق بشهادة مزورة من الجامعة الإسلامية في لندن أو طهران ، ولكنها مصدقة من مدير سوق ( مريدي ) في مدينة الثورة من بغداد ، أو من زقاق ( كوجه مروي ) المتفرعة من شارع ناصر خسرو في طهران ، وكأني بالمتنبي يخرج من قبره صائحا بوجوه هؤلاء :
إذا كانتِ الأرزاقُ تجري على الحجا* ...... هلكن إذاً من جهلهن البهائمُ
نعم . هؤلاء هم البشر الذين يحكمون في العراق الساعة ، والذين لم يكن الواحد منهم يحلم أن يصبح مدير مدرسة فيه قبل اليوم ، فكيف به وقد أصبح يتحكم بمصير الناس في العراق ؟ كيف به وقد أصبح يشرع قانونا يرفع من راتبه الى رقم فلكي ؟ وهو في حقيقة الأمر عبارة عن رشوة قدمتها شركات النفط الأمريكية من أجل قرار قانون نهب النفط العراقي المنهوب الآن من إيران بالتهريب ، ومن أمريكا بالسرقة ، هذا القانون الذي اتضح أخيرا هو الهدف الذي كان وراء الحرب القذرة التي شنتها أمريكا على العراق ، والمتواصلة على مدى أربع سنوات للساعة ، والتي خلفت الموت والدمار للعراقيين كل العراقيين ، وما إسقاط حكم صدام إلا الذريعة التي أتت بآكلي لحوم البشر على مختلف ألوانهم وأشكالهم الى بلاد الرافدين ، والذين ما انفكوا ينهشون بالعراق وشعب العراق .
بعد أن فاق العراقيون الآن ، وبعد أن شاهدوا شذا ، تلك الفتاة التي خرجت من بين صفوفهم ، وفي لحظة انفعال رائعة ، تحمل العراق على رأسها علما ، هبوا هم الى رفع هذا الرمز على أسطح منازلهم ، وفي واجهات محلاتهم ، مثلما علقوه على امتداد شوارعهم ، وذلك لأنه لم يبق أمامهم غير هذا الرمز ، لم يبق أمامهم غير وطنهم العظيم ، العراق ، الذي باعه رجل الدين ، والوزير ، وعضو البرلمان ، وفي كارثة إنسانية قلما مرت على شعب ، أو حطت على قوم ، تلك الكارثة التي لا زال العراقي والعراقية يخوضان فيها للآن غمار بحر دمار هائل ، وعلى مدى أربع سنوات ثقال ، ولكنهما رغم كل ذلك ، مازالا يملكان لسانيهما ليهتفا في مثل هذا اليوم المشؤوم : عاش العراق ! وليسقط الاحتلال وخونة الوطن !
____________________________
*الحجا : العقل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر