الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليوتوبيا ويوتوبيا الضد

عصام عبدالله

2007 / 4 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حتى العقدين الأخيرين من القرن العشرين، كانت " اليوتوبيا" في نظر الكثيرين قد لفظت أنفاسها الأخيرة، وأسدل عليها الستار بلا رجعة، ودعمت هذه النظرة مجموعة من العوامل والأحداث، فقد شهد هذا القرن حربين عالميتين (1914-1945) وحروبا أهلية لا حصر لها وخيبة الآمال في الثورات الكبيرة والوعود العظيمة التي بشر بها عصر التنوير والحداثة الغربية، وضرب مفهوم " التقدم" تحديداً في مقتل أو في الصميم، مما جعله أقل القرون ثراء في حقل " اليوتوبيا" - وحسب تعبير "برتراند راسل" " فإن عصرنا لا يعرف الإيمان بأحلام "اليوتوبيين" وحتى المجتمعات المثالية التي يطفح بها خيالنا لا تعمل إلا على إعادة إنتاج الشرور المعتادين عليها في حياتنا اليومية"، في إشارة منه لليوتوبيات المضادة التي رسمت صورة قاتمة للمستقبل.
لقد كانت " الاشتراكية" هي آخر ما ظهر من "يوتوبيات" حتى اليوم وليس ثمة رؤية اجتماعية شاملة أخرى قد ظهرت لتكون منافساً أو بديلاً لها، ولعل هذا هو ما أحدث لدى "كارل مانهايم" شعوراً بالخوف والذعر " من أن يكون المجتمع الغربي قد دنا من حال يكون فيه العصر اليوتوبي، قد أجهز على نفسه بالكامل"
يقول مانهايم: "إن زوال العصر اليوتوبي زوالاً تاماً من الفكر والعقل البشريين سوف يعني أن الطبيعة البشرية والتطور الإنساني سيتخذان طابعاً جديداً كل الجدة؛ إن اختفاء اليوتوبيا سيخلق وضعاً ساكناً جامداً، لا يكون الإنسان فيه أكثر من "شيء" وستواجهنا حينذاك (أكبر) ظاهرة متناقضة تخطر على البال أو في الخيال، وهى: أن الإنسان الذي فاز بأكبر سيطرة فكرية على الوجود، يصبح، حين يترك بلا مثل عليا، مجرد مخلوق عشوائي نزوائي.!!
وإذا تخلي الإنسان عن اليوتوبيات، فإنه يضيع إرادته في صنع التاريخ، ويضيع معها قدرته على فهم التاريخ"
أما فيلسوف الأمل (أرنست بلوخ) Bloch (1885-1977) الذي وهب حياته لليوتوبيا، فقد طرح هذا السؤال (الصدمة): هل يمكن أن يخيب الأمل في الأمل؟! وذلك في محاضرته الافتتاحية التي بدأ بها التدريس في جامعة "توبنجن" عام 1961 لقد مات "بلوخ" أكبر فلاسفة اليوتوبيا وأشهرهم في القرن العشرين في العام1977، ولم يشهد بعينه انهيار المعسكر الاشتراكي أواخر عام 1989، إلا أنه استشعر بداية النهاية، ولم تحجب عنه نزعته التفاؤلية المغرقة في الأمل رؤية الواقع الفعلي المرير مما دفعه إلى طرح هذا السؤال في وقت مبكر!
وبعد سجال طويل مع الفكر اليوتوبي وتاريخه، رأى بلوخ أن اليوتوبيات السابقة على " الماركسية" عبرت عن أمل يوتوبي غير دنيوي، وذلك باستثناء بعض اليوتوبيات التي نظرت إلى الواقع وانطلقت منه، ولكنها كانت غير ناضجة، إذ صورت العالم الأفضل بشكل مجرد وأقامت نسقاً من التوقعات في عقول مبدعيها فقط. إن المارسكية - حسب بلوخ - هي وحدها التي قهرت هذا التجريد، وإن تحسين الأوضاع في العالم، لا يأتى بالتأمل بل بالفعل، بالنظرة الجدلية إلى الواقع، ومع مراعاة قوانين العالم الموضوعي - حتى تتحول اليوتوبيا من تأملية مجردة إلى يوتوبيا عينية ذات نزعة اشتراكية". ولا عجب بعد ذلك أن ينتهي الفيلسوف الاشتراكي إلى أن تاريخ اليوتوبيا، ما هو إلا تطوراً تدريجياً لهذه النزعة التي اكتملت في الماركسية".
" لقد جسد ماركس بشكل مادي توقعات اليوتوبيا بوسائل اقتصادية عندما بحث في جدل الإنتاج وفائض القيمة، وبذلك وضع الأسس المادية لجدل التاريخ، وألف الثنائية بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، بين الممارسة التجريبية واليوتوبيا من أجل إعادة تنظيم المجتمع بشكل ثوري، ولذلك أغفل كل اليوتوبيات السابقة من أجل نزعة واقعية مفعمة بالمستقبل، المستقبل الذي استنار بعوامل مادية تاريخية من الماضي والحاضر تعمل باستمرار لتصب في المستقبل، ففى الماركسية يزداد الحلم العيني وضوحاً، ويتطور مضمونه ليصبح حلماً متحققاً تحقيقاً فعلياً"
والواقع أن هناك تزامناً بين أفول اليوتوبيا وانحطاط شأنها، وبين ظهور اليوتوبيات المضادة - Anti - Utopia، فهذه اليوتوبيات لم تسيطر على زمانها الخاص فحسب بل واصلت جذبها لمتابعة واهتمام بالغين في زماننا وعصرنا الحالي، ومع ذلك فإن هاكسلي واورويل قد أشارا إلى أن اليوتوبيات المضادة قد تعرضت هي الأخرى للتردد والترنح! فمنذ رواية أورويل (العالم سنة 1984) لم يقدر ليوتوبيا مضادة أن تخلب الألباب أو أن تحظى باهتمام يذكر أو حتى تتعرض لأخذ ورد محدود، إذ انه - حسب كومار - " في غياب قدرة اليوتوبيا على أن توحي "الأمل" وتبعثه برؤيتها لملكوت السماء على الأرض، فإن اليوتوبيا المضادة تخسر عملها المقابل بوصفها الساخر والمستخف بهذه الآمال، والعدو المناوئ لتلك النظرة أو الرؤية عن طريق تحريكها لوجدانات وذكريات العذاب والخراب على الأرض"
صحيح أن اليوتوبيا ظلت حية بين جيوب أو فلول صغيرة من أصحاب الرسالات اليوتوبية، إلا أنهم - في الغالب - قد ألقوا بمواعظهم في آذان صماء. فما من عمل من أعمال اليوتوبي على مدى القرن ظهر، وأخذ بمجامع الخيال العام للناس كما فعلت يوتوبيات: بيللامي - Bellamy "نظرة إلى الخلف"، ووليم موريس - morris " أنباء عن اللامكان" أو " هـ. ج. ويلز" في يوتوبياه مثلا..
بيد أن " هـ. ج. ويلز" أصر في شجاعة على الإمساك براية اليوتوبيا والإبقاء عليها مرفوعة عالياً - خاصة دعوته لـ " نظام عالمي جديد" "في ظل حكومة عالمية واحدة".
ففي عام 1940 قام ويلز بالعمل مع فريق من رجال العلم والفكر على وضع إطار لـ "إعلان حقوق الإنسان" غير أن الأجل لم يمتد به ليري تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا الإعلان في عام 1948، فكان ذلك واحداً من أعظم المنجزات اليوتوبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : ما جدوى الهدنة في جنوب القطاع؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حتى يتخلص من ضغط بن غفير وسموترتش.. نتنياهو يحل مجلس الحرب |




.. كابوس نتنياهو.. أعمدة البيت الإسرائيلي تتداعى! | #التاسعة


.. أم نائل الكحلوت سيدة نازحة وأم شهيد.. تعرف على قصتها




.. السياحة الإسرائيلية تزدهر في جورجيا