الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتابة .... للعقلاء!!

راني خوري

2007 / 4 / 13
المجتمع المدني


الكتابة عملية شاقة فعلا، وخاصة إن كانت ذات هدف وموجهة لقصد ما، وما يجعلها شاقة هو تطور فن الكتابة والتعبير والتصوير، مما يجعل الكاتب يعيد النظر مرة، بل مرات، فيما كتب ويعيد الصياغة أكثر من مرة للوصول إلى الناس بأبسط فكرة وتعبير وذلك لجعل المادة المقروءة سهلة على القارئ، والفكرة واضحة إلى أبعد الحدود حتى لا يكون هنالك مجال للتأويل والفهم الخاطئ، حتى وإن مزجت بكنايات ساخرة أو صور بلاغية متهكمة. وبعد ذلك يضع الكاتب تصورا وتوقعا بأن الهدف قد تم بلوغه والفكرة قد وضحت، مما سيغنيه عن الأخذ والرد والقال والقيل، وسيكون المجال الوحيد هو نقاش متقدم للأفكار في سياق متطور من الجدل حول الآراء المطروحة، والإتيان بدليل للبرهنة على صحة المقولة. وخاصة أن التوقع يكون بأن من يقرأ المقال هو شخص قد وصل إلى مرحلة فكرية إن لم تكن متقدمة، فعلى الأقل لن تكون متخلفة، وخاصة أن القراءة هي وسيلة حضارية للتخاطب بين البشر، ومن يلجأ لها إنما لما تحويه من مخاطبة للعقل. فماذا يحدث إن كان الحال بعكس التوقعات؟!

الحوار المتمدن موقع مختار من قبل جميع الأطراف (كتاب وقراء) للإدلاء بالآراء وطرح التساؤلات بشكل عقلاني ومنطقي، ولنا أن نتفق أو نختلف فيما يطرحه كل شخص حسب رؤاه للأمور. وكل يعبر بطريقته في الكتابة، أو في أهمية الموضوع الذي يجب النقاش والخوض فيه، فهذا يساري مرحب به، وهذا يميني مرحب به أيضا، هذا ديني له مكانته، وهذا لا ديني له مكانته أيضا، وبين الهذين المضروبين كمثال فقط (فالحوار المتمدن أوسع بكثير مما ذكرناه) نجد تنوعا هائلا وجميلا للآراء والمناقشات التي لا تجد مكانا لها في مجتمعاتنا لسبب أو لآخر (دون الخوض بهذا الموضوع لعدم الإطالة)، ولكن لهذا الحوار الذي يجري في العلن تداعيات كثيرة في الخفاء، وأهمها هو التعليقات التي تصل إلى الكتاب، وأقول أهمها لأن هذه الآراء هي المرآة الحقيقية لفكر المجتمع ككل وما يدور برأس أبنائه، وهو الناتج الحقيقي لكل مجهود المجتمع في بناء الإنسان والمجتمع والدولة والوطن.

أردت في هذه المقدمة أن أمهد بشكل بسيط لموضوع هذا المقال، والذي برز لي فجأة، عندما تلقيت مؤخرا تعليقا على أحد المقالات التي نشرت منذ مدة، والذي تناولت فيه خبرا عن فتوى أصدرتها سيدة بدمشق، بعدم جواز نوم النساء بقرب الحائط. وكان التعليق الذي استلمته فعلا تعليقا ملتفا ولولبيا، حيث لا إسم للشخص ولا تعريف ولا تنويه، ولا بداية محترمة ولا تحيات ولا أي شيء؟! فقط عنوان البريد الالكتروني الذي هو "نور الشام nour alsham"، وسأدع لكم الحكم على هذا النور الجديد الذي يضاف لمصابيح الشام المحروقة. وأورد هنا التعليق الذي استلمته نسخا ولصقا كما ورد من بدايته حتى نهايته:

"صدقتك في البداية بأن لك عقلاً كي تحاكم فيه و إليه 0
ولكن بعد عدة كلمات وجدتك أسخف من التافه الذي ساق هذا المقال و ادعى هذه الترهات و لعب بعقول أمثالك من التافهين الذين يصدقون كل ما يقرؤون 0 أنا لا أعلم عن هذه الانسانة شيئاً لكني وجدتك تتحسر على نفسك أن لم تجد الا الحائط لتلجأ إليه 0 و أنا أنصحك بشيئ قبل أن تنتقد و تطبطب على أيدي التافهين أصحاب المقالات المثيرة برأيك أن تشغل نفسك بما هو أنفع لك طالما أن لك عقلاً حزنت على وجوده في رأسك في أيامك هذه 0
على كل لك رأيك الذي لا يزيد في العالم الا كما يزيد الغبار في الأجواء النجسة 0 فلا أنت و لا أمثالك يمكنهم أن يغيروا في حقيقة الدين الاسلامي الذي يدعو لكل حكمة ولكل حق 0 فإن كنت لا تعرف كاتبك فأنت فعلاً جاهل أن تدعم رجلاً أبلهاً 0 و إن كنت تعرفه فهذا أدل على حمقك أنك من فصيلته0"

إنتهى التعليق.

الملاحظ أن التعليق يبدأ بدون (إحم ولا دستور) وبلا تحية ووو... إلخ. مما يعطي فكرة واضحة عن البيئة والأخلاق والنشأة لهذا القارئ و مقدار التعليم الذي حظي به، وكان لا بد لي من أن أرد على من أمضى دقائق قليلة في قراءة مقالة، وكتابة تعليق. وكان ردي على هذا التعليق كالآتي وأورده كما هو:

"أولا أود أن أستهل هذه الرسالة بالشكر الجزيل على الوقت الذي منحته للمقالة (أو منحتيه، حيث لم تقم بالتعريف بنفسك بالشكل الذي يجب، وذلك مطلوب ومفروض على كل من يطرق بابا) وأيضا لكتابة التعليق وإن تضمن الكثير من العصبية والكلمات البعيدة عن اللياقة و المليئة بالتخيلات عن الأجواء التي أعيشها أو أود العيش بها، والنصائح التي وجهتها لي والتي أشكرك كل الشكر عليها، وأود أن أقول بأن ذلك لا يزعجني لأني لا أتوقع من العالم أجمع أن يكون على نفس الصيغة أو الشاكلة أو طريقة التفكير أو التعبير. ولكن ذلك يؤلمني أن أرى شخصا يقرأ بعينين وبمشاعر دون أن يقرأ بتأن وبعقل.

هذا المقال لم يتضمن أي نقد للإسلام، بل حمل نقدا لتخلف الدعوة أو الفتوى التي أطلقتها صاحبة الفتوى، وهنا تكمن مشكلتك في عدم التمييز بين الصالح من الدعوات أولا والطالح منها، وبين الهدف من النقد ثانيا، ولمن هو موجه ثالثا. ولهذا كتبت في الفقرة السابقة من رسالتي أنه يؤلمني أن أرى شخصا يقرأ بعينين وبمشاعر دون أن يقرأ بتأن وبعقل!! فإن اعتبرت أن هذه الفتوى الخارجة عن هذه الإنسانة تمثل معلوما من الدين الإسلامي فعندها يمكنك أن تعتبر أن النقد كان موجه للإسلام على أن تتذكر أن هذا هو اعتبارك الشخصي لإسلامك الشخصي، فأصدقائي المسلمين كانوا أول من تندر بهذه الفتوى وترحموا على نعمة العقل التي وهبها الله للإنسان، وبالتالي فلهم اعتباراتهم في إسلامهم ولك اعتباراتك في إسلامك، وبالتالي فهذا أيضا هو السبب في قولي سابقا أني لا أتوقع من العالم أجمع أن يكون على نفس الصيغة أو الشاكلة أو طريقة التفكير أو التعبير.

أما بالنسبة للعقل الذي قلت أني حزنت على أنه في رأسي، فأنا أؤكد أن هذه الكلمات نابعة من شخص يعشق الإسلام حتى أعماه هذا العشق عن أمراض الحبيب، فأخذ على علاته، وأثّر هذا الحبيب حتى على صيغة الكلام والتي أراها تشبه كثيرا أسلوب "تبت يدا أبي لهب وتب"، ويسعدني أن أعلم أنك ترى ضرورة العقل في رأس الأنسان وأن لا يكون مجرد لحمة رأس لا تعمل وهذه يا عزيزي هي بداية الحكمة والمعرفة، أن تحترم عقلك وبعد ذلك تبدأ في أعماله كما يجب، لا كما يراد له – من قبل الآخرين - أن يعمل.

أما عن مقولتك أن أمثالي لا يمكن أن يغيروا حقيقة الدين الإسلامي الذي يدعو لكل حكمة وكل حق، فقد أثرت نقطتين هامتين، الأولى هي بما أن أراء الناس لن تغير في حقيقة هذا الدين، فلم الخوف من تركنا نبدي رأيا؟ ولم الهجوم ولم المسبات والشتائم؟ وهو ما يقودني للنقطة الثانية أن الحكمة والحق اللتين يدعو لهما الإسلام بادية تماما في كيفية تأثيره على أتباعه وآخذك رسالتك مثلا التي حملت كل حكمة الإسلام وآدابه والحق الذي يدعو إليه، وخاصة الكلمات التي استخدمتها مثل: أسخف، تافه، تافهين، جاهل، أبله، حمقك، فصيلته!! بالإضافة إلى التعبيرات الرائعة التي تستمد من رسالة السلام (التي تعتنقها أنت، فغيرك معتنق الرسالة بشكل آخر) مثل " وجدتك تتحسر على نفسك أن لم تجد الا الحائط لتلجأ إليه" و " أن تشغل نفسك بما هو أنفع لك طالما أن لك عقلاً حزنت على وجوده في رأسك في أيامك هذه" و " على كل لك رأيك الذي لا يزيد في العالم الا كما يزيد الغبار في الأجواء النجسة" و " إن كنت تعرفه فهذا أدل على حمقك أنك من فصيلته".

شكرا جزيلا وأقولها بحق، لأن هذه هي بداية المعرفة، فالإنسان يبدأ بالحركات العشوائية لتعلم السباحة، إلى أن يتعلم السباحة مع التيار، وعندما يتقنها سبح ضد التيار لو شاء. أنا فعلا لا أحمل في هذه الرسالة أي حقد لك بشخصك أو بفكرك، وأتمنى أن تستمر في البحث عن الحقيقة بدءا من ذاتك، ثم مجتمعك والآخرين، وتذكر أن الحقيقة أقوى من أن يدافع عنها بالسيف أو بالشتائم.

شكرا جزيلا على رأيك، ولك مني كل المحبة والاحترام

راني

إنتهى الرد.

و الهدف من ردي كان هو تحفيز عدد قليل من بين الكم الهائل من الخلايا الدماغية النائمة في رأس هذا الشخص، خاصة مع ملاحظتي لاستخدامه كلمة "إنسانة" عندما تحدث عن السيدة موضوع المقال (وهو ما جعلني أفسر وبشكل خاطئ شخصية هذا القارئ)، وذلك لمزيد من القراءة المتنوعة، وإعطائه الأمل في إمكانية وصوله إلى إسلام بشكل آخر يؤدي به إلى طريقة أفضل في الحياة، وإبعاده عن الشكل الوحيد للإسلام -والذي تعتنقه الأغلبية- والمروج له في مجتمعاتنا باسم الإسلام الصحيح!!؟؟ وإلى إبعاده عما اعتاده في حياته من كلمات نابية وتعبيرات غير لائقة كلها تصب في اتجاه واحد، فما أردناه بالكنايات التي أوردناها في المقال، فسرها بحسب ثقافته العالية بميول جنسية!!؟؟ والمقال الذي أوردناه لتنبيه السادة إلى خطورة الفتاوى فسره بالاعتداء على حقيقة الدين الاسلامي الذي يدعو لكل حكمة ولكل حق!!؟؟ وأصبحت فتوى السيدة هي الحكمة والحق!!

والطامة الكبرى كانت عندما أتاني الرد من هذا الشخص، والذي أضعه كما هو دون زيادة أو نقصان:

"كنت أتوقع من انسان تافه و تابع مثلك أن يلجأ لمثل هذه الأساليب التي يعرفها الجاهلون أمثالك 0 و 0لكني آسف أن لم أصب بها و أنصحك أن لا تعاود الكرة فلن أقع في شباك أمثالك 0 فقد كنت أظن أن تكون أذكى من ذلك ولا تفعل مثل هذه الأساليب المكشوفة 0 بالعربي الشامي الأصيل ( وحدة عليك ) يعني غوووووول بس أوعه الغووووول هالمرة يجي بالحيطة تبعك"

إنتهى الرد.

ملاحظ أن الرد على رسالتي انتهى بشكل لا يقل عداوة و ذكاء عن التعليق الأساسي!! على العكس، فقد تحولت المسألة وبالعربي الشامي الأصيل، إلى أسلوب أولاد شوارع!! ونلاحظ تأكيد القارئ على تفاهتي وجهلي من جهة، وعلى ذكائه و "فهلوته" من جهة أخرى، وأنهى تعليقه باعترافه بما داخله بأنه "غوووووول" وليس إنسان كما رأيته، ويؤكد على هذه الناحية مرة أخرى، ويضيف لها إيحاءاته الجنسية بالقول " بس أوعه الغووووول هالمرة يجي بالحيطة تبعك"، فما رجوته من ثقافة في رأسه وعقله، ورأيته أملا، انتهى إلى إثبات ناحية واحدة في شخصه وهي بحسب تعبيره " غوووووول" بفكر وحشي وجنسي.... أي ليس ما توقعته. وأضاف التهمة المعهودة التي تلصق بكل من أبدى رأيا بوصفي بكلمة "تابع"!!

واستغرب كثيرا من أن إنساننا الذي يمضى وقتا طويلا في تعلم الكتابة لا يتعلم إلا الآلية دون أن يهذب أسلوبه، ومن يدافع عن رسالة تمثل بالنسبة له الحكمة والحق الذين يجب الدفاع عنهما، يخلو من الحكمة والحق!! لا شك بأن هذا القارئ هو من قال فيهم المرحوم عبدالله القصيمي "العرب ظاهرة صوتية"، وأرى أن هذه الظاهرة الصوتية الآن هي صدى يتردد لظواهر صوتية سابقة على مر العصور تردد كلاما فارغا دون أن تعرف معناه أو مضمونه، ولا تعي عما تدافع، أو أن تحاول أن تعيش ما تدفع عنه فتحوله من ظاهرة صوتية إلى طاقة حركية فعلية بالعمل الحسن والتي عبر عنها "يشوع" المسيح بقوله: "فَلْيُضِئْ نوركم هكذا أمام النَّاس لكَيْ يَرَوا أَعْمَالَكم الحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكم الَّذي فِي السَّمَاوَات".

لقد مسخ الفكر المتطرف أبناء الشام الذين برز من بينهم "يشوع المسيح" الذي قبل فكره المليارات حول العالم وأصبح المحور الوحيد اليوم لرسالة سماوية تدعو للسلام، وحوّل هذا الفكر المتطرف الإنسان بصيغة ابن الله إلى غوووووول كما أورد القارئ صاحب التعليق، وقسّم هذا الفكر العقيم والبائس المجتمع إلى مؤمن بعقيدة صحيحة وكفرة (بالجمع) وألغى كلمات الحكمة والمحبة والأخوة التي نادى بها أبناء المنطقة مثل أحيقار وجبران وإيليا ونزار والكواكبي، إلى كلمات قطب و قرضاوي و بوطي وظواهري، الذين قسموا البلدان بفضل دعواتهم وحكمتهم وجلال قدرهم وجعلوا الحياة في أوطاننا كالبركان على وشك الانفجار الذي سيحرق الأخضر واليابس.. تحت شعار الحكمة والحق!!

الكتابة فعلا موجهة للعقلاء، الذين يودون أن يصلوا بأنفسهم إلى مستوى فكري أفضل بقراءتهم وفمهم لما يدور حولهم، والذين يفترضون المعنى الأفضل للكلمة، لا لشئ إلا لأن ذلك يرتقي بهم إلى أعلى درجات الإنسانية. والذين لا يقبلون فكرة الأمية المقدسة، لأنه لا مقدس في هذه الحياة إلا الإنسان... وليس الغيلان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هذا ما قاله فادي الخطيب عن المثلية الجنسية..


.. الأمم المتحدة تغضب إسرائيل.. قرار يدعم أهلية فلسطين بالعضوية




.. الاحتلال الإٍسرائيلي يلقي منشورات للسكان والنازحين بضرورة إخ


.. الشرطة الهولندية تتخفى في الكوفية الفلسطينية لاعتقال طلبة جا




.. السودان.. مركز الملك سلمان للإغاثة يشارك في علاج 600 من مرضى