الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يتهم العلمانيون بالالحاد

عالية بايزيد اسماعيل

2007 / 4 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كلما عبر شخص عن آراؤه وأفكاره التي تحمل سمات التفتح والحرية والعلمانية يتصدى له المخالفون بالرأي ويتهموه بالإلحاد والكفر , وإذا كانت العلمانية تعبر عن يسار الموقف حسب المفهوم السياسي فان المخالفين من المتشددين إنما يمثلون الموقف اليميني من الاتجاه , ولكن هل فعلا إن كل ماهو علماني يعني الإلحاد ؟ , إن من الحقائق المعترف بها والتي يتعذر إنكارها حتى على الجاحدين هي إن العلمانية كفكرة تبنتها الأحزاب اليسارية التي تدعو إلى فصل الدين عن الدولة وإقامة علاقات حقيقية على قدم المساواة مع كل الأديان , أما مسالة الإيمان بالدين اوعدم الإيمان فهي مسالة شخصية , وان تهمة الإلحاد الموجهة إلى العلمانيين فيها الكثير من التجني وبعيدا عن الموضوعية , يقول المفكر كريم مروة في ( كيف نواجه الأزمة ) أن العلمانية لاتعني الإلحاد فليس ثمة إيمان مطلق ولا كفر مطلق , وينقل المفكر عن لسان احد المشايخ قوله " إن المؤمن يتعرض في أقصى حالات إيمانه للحظات شك عندما يعجز عن تفسير ظاهرة من الظواهر الخارقة والأمر ذاته بالنسبة للذي لايؤمن بوجود الخالق إذ هو يعجز عن إثبات نفيه هذا فضلا عن انه يجد نفسه في لحظات معينة عاجزا عن تفسير ظاهرات خارقة فيقتله الشك في يقينياته ".
فالعلماني يمكن أن يكون مؤمنا بدينه وملتزما بالقيم الدينية والإنسانية مع مساحة من حرية الفكر,حتى أن أكثر العلماء والمفكرين ممن يقتحمون أسرار الكون والحياة نراهم يكونون من المؤمنين بديانتهم على اختلافها , فقد ضمتني حلقة نقا ش مع مجموعة من المتدينين والعلمانيين حول اثر الحركات الدينية على المجتمعات المعاصرة فأعربت صراحة عن رأيي وقلت إن الخطاب الديني لأي دين كان لايكفي لوحده في حل مشاكل المجتمعات اليومية المختلفة من تعليم وفقر وجهل ومعالجة البطالة واستقرار الأمن وضمان حقوق المرأة والمكونات الدينية الأخرى إلا بتطبيق العلمانية خاصة مع تفشي الثقافة الإسلامية التي تفرض حتى قبل الثقافة والانتماء الوطني وما يجره من ممارسات متشددة تجاه الآخرين وتأثيره على حالة الاحتقان الشعبي خاصة لدى الأوساط الشعبية التي تتأثر بالتيارات الدينية المتعصبة وممن يشكلون الأغلبية في المجتمع فاتهمت مباشرة بالإلحاد مما أثارني هذا الوصف فبينت إن الأديان جميعها تدعو إلى تنظيم علاقة الإنسان بخالقه وتدعو إلى التزام الفضائل والتمييز بين الخير والباطل فكان الرد على كلامي إن الإسلام وحده الذي يدعو إلى الفضائل لذلك فلا عجب أن يكون العلمانيين غالبيتهم من غير المسلمين فوقفت وقفة المندهش من هذا الكلام الذي لايصح قوله حتى من الصغار الذين لم يستقر عقولهم لأي منطق بعد . إن مثل هؤلاء المتشددين لايرون من الخطاب الديني إلا قائمة محرمات وممنوعات ولا يدركون أنهم بذلك إنما يسيئون إلى دينهم قبل الإساءة إلى الغير من حيث لايشعرون ويحولونه إلى حروب إلهية ضد البشر من خلال قائمة محرمات من لم يلتزم به فهو كافر , قد لا استطيع أن أناقش مسالة الحلال والحرام ولكن الذي أنا مؤمنة به هو إن الله رحيم بعباده وقد خلقهم بشرا وليس ملائكة وقد أباح لهم التمتع بنعمه إلا ما حرمه بالنص أما توسيع دائرة التحريم والتضييق على الناس من قبل المتشددين إنما هو عدوان على الله لان الأديان إنما هي يسر للبشر وليست مجرد أوامر ونواهي مطلقة وتكفير للآخرين وان الدين ليست مجرد التمسك بالأمور الشكلية من إطالة اللحى والتزام الحجاب وتحريم الفنون الجميلة والتشكيلية التي تعتبر كلها من المحرمات .
فالأصل في الأشياء هي الإباحة وفق القاعدة القانونية المعروفة أما توسيع دائرة المحرمات من قبل أنصاف المتدينين فهو عدوان على الله سبحانه وتعالى لان الحرمة والحل لاتكون إلا من عند الله أما الغلو والتشدد فهو ضد المنطق لهذا نراهم يحيطون دينهم بالتخويف والتأثيم والقوة لهداية الناس بدل إتباع سبل الهداية والإقناع والترغيب , وهذا ما نلاحظه في الإعلام الديني الذي بسبب خطابه المباشر المتشدد فانه يثير العداء مع الأديان الأخرى أو يتجاهلهم ولا يروج لثقافة الأخر وبالتالي انعدام التعاون والتعاطف مع الأديان الأخرى خاصة وان الدولة تسير باتجاه تكوين الدولة الدينية (الثيوقراطية ) لاتقوم على أساس العلاقة بين المواطنين مع بعضهم على أساس المواطنة وتصاعد المد الإسلامي المتشدد حتى أصبحت فيه الأديان الأخرى في درجة ادني وأصبح حوار الأديان هو المفردة الأساسية للتعامل اليومي بدلا من البحث عن مشاكل البلاد ومعالجة أمور البلد الذي أصبح أكثر من الهم على القلب .
والتاريخ يحدثنا أن التيارات الدينية المتشددة تنشط بعد كل أزمة ونكسة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية , فالترف الذي انتشر في العصر العباسي الأول الذي ساد حياة الناس والملوك خاصة في عصر هارون الرشيد افرز بالمقابل تيارات دينية وفقهاء متشددين كابن حنبل وانتشار الطرق الصوفية و حياة الزهد والمجاهدة بالنفس تجاه إغراءات الحياة الذي كان احتجاجا على فكر العصر ورفض فساد المجتمع , وفي أواخر الدولة العثمانية انتشر الفكر الوهابي وبعد الحرب العالميتين ظهر تنظيم القاعدة الذي نشط بعد حرب أفغانستان والعراق وحوادث 11/ أيلول الذي ترك بصمات واضحة على الاتجاهات الفكرية حتى اتسمت بالغلو في الدين وإعلان الحرب على كل ماهو عصري وغير إسلامي .
وإما العلمانية التي هي إحدى نتاج الثورة الفرنسية والتي يقول عنها الأب الدكتور يوسف توما مرقس في مقالة له بعنوان ( العلمانية والدين ) إن العلمانية نابعة من خصوصية المجتمع الفرنسي حيث ظهرت مصطلح العلمانية التي كانت تطلق على كل من لم يكن منتميا لسلك الكهنوت ثم أصبحت لاحقا تعني الفصل بين الكنيسة والدولة , فالعلمانية مرادفة للديمقراطية و لحقوق الإنسان التي ساوت بين الأديان فليس من حق أي ديانة أن تكون مدعومة من قبل الدولة على حساب اللاديان الأخرى , وان العلمانية تبنى على أساس الحرية والمساواة بين الأديان على قدم المساواة , حيث لا يمكن الخروج من اي مأزق طائفي في ظل التعددية الدينية إلا بالعلمنة وبتحالف ديني علماني.
هذا هو مفهوم العلمانية الذي نؤمن به و نتمسك به مع إيماننا بديننا وبعقيدتنا (اليزيدية ) والدفاع عنها وعن قيمها الروحية لان ديننا لايقل أهمية عن بقية الأديان الأخرى ولاتقاطع هناك ما بين العلمانية كفكر نؤمن به وبين الدين كعقيدة روحية أما تهمة الإلحاد التي تطلق جزافا على كل من يؤمن بالفكر العلماني الليبرالي الحر إنما هي تهمة براغماتية نفعية يقصد به انتقاد حرية الفكر ورفض كل ما له علاقة بالمعاصرة واعتبارها نوعا من الانحلال والتهتك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في