الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا وعي اليوتوبيا الباطن

عصام عبدالله

2007 / 4 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وصف جورج أورويل - Orwell اليوتوبيا - Utopia بأنها الحلم بمجتمع عادل، يبدو أنه ينتاب الخيال الإنساني ويعاوده باستمرار، على نحو لا يمكن اجتثاثه أو استئصاله في مختلف العصور، سواء سمي بـ "ملكوت السماء" أو " المجتمع اللاطبقي" أو "العصر الذهبي" الذي وجد ذاته مرة في الزمان السحيق، وانحرفنا أو تنكبنا سبيله".
ولما كانت اليوتوبيا صرحاً من تشييد الخيال، فإنها شهدت تغيراً وتلوناً عبر العصور المختلفة، ولم تكن اليوتوبيات كلها مجرد هوامش وحواشي على جمهورية أفلاطون، بل إن أفلاطون نفسه يأتي متأخراً نسبياً، إذ تضرب اليوتوبيا بجذورها في الميثولوجيا اليونانية.
ولعل الضياء الأول لليوتوبيا قد أشرق مع أسطورة بروميثيوس- Prometheus سارق "النار" الذي كشف للبشر عن سر التقدم المادي، ومنحهم باكورة التقنية، فاستنهضهم للتمرد على آلهة اليونان والقدر والضرورة العمياء، من أجل تحقيق ذاتهم الإنسانية. إن قوة المخيلة عند بروميثيوس متجددة دوماً، تقول "لا" للمعطي و "لا" للشيء المكتمل. يقول بروميثيوس على لسان الشاعر اسخيلوس في تراجيدياه: " لا يزال هناك المزيد من الأمور المثيرة للإعجاب في مستودع تخيلي".
إنه مستودع لا ينضب له معين! فعلى امتداد العصور، ما انفكت غالبية البشر، تحلم... تغازل المستقبل.... تروم تقليص الهوة السحيقة بين الوجود والوجود الواجب، بين ما هو قائم وبين ما ينبغي أن يكون.
لذا بقيت أسطورة بروميثيوس تعبيراً عن الأمل في التحرر والانعتاق من أسر الواقع، والتطلع إلى حياة ومستقبل أفضل.
أما أولى التصورات الفلسفية لليوتوبيا، التي قامت على أساس أخلاقي مثالي، فقد شيدت، على الأرجح في جمهورية - أنتيستين Antisthene الكلبي، ولا نعرف شيئاً عنها لو لا ما خلفه أتباعه من الكلبيين.
والمعروف عن المدرسة الكلبية - Cynism، نبذها التملك الخاص والتمتع الحسي بالخيرات ودعوتها إلى حياة الزهد والتقشف، على اعتبار أن الشظف شرط المساواة بين الناس، وأداة لتطهير النفس من الشهوات والأهواء، وطريق إلى إرساء نظام أخلاقي مثالي صارم، لكن كتاب الجمهورية، "لأفلاطون" يعد أول محاولة فلسفية مكتملة قدمت وصفاً تفصيلياً دقيقاً عن المدينة المثالية، وحسب شاتليه Chatelet، فإن أفلاطون لم يترك شيئاً للمصادفة في يوتوبياه.
ولا شك أنه من خلال "الجمهورية" لأفلاطون، التي أعيد اكتشافها في عصر النهضة الأوربية Renaissance مع غيرها من الكتابات الإغريقية الأخرى، قد عظم تأثير الفكرة الهيلينية عن المدينة المثالية على اليوتوبيات الغربية.
فقد رأى السير - توماس مور - More في يوتوبياه Utopia عام 1516م أنها استمرار - إلى حد ما - لجمهورية أفلاطون، وأنها جاءت تلبية لرغبة سقراط التي أبداها في محاورة "طيماوس" - Timaeus في أن يري فكرة النظرية المجردة عن الجمهورية وقد تحققت بالفعل في الواقع.
وعلى منوال النموذج الأفلاطوني نسج "كامبانيللا" Campanella يوتوبياه في كتابه مدينة الشمس The city of the sun وكذا "ما يلي" - Maply، و "روسو" و "فورييه" و "ج" هـ. ويلز" وغيرهم.
بيد أنه في العام 1619، كتب جون فالنتين أندريا - Andreae نصاً دينياً عن مجتمع يوتوبي سماه " مدينة المسيحيين" - Christianoplis ويلخص هذا العنوان شديد الدلالة، هدف ومقصد أغلب المفكرين اليوتوبيين منذ أن صاغ القديس أوغسطين (354-430م) أسس الفلسفة المسيحية في كتابه " مدينة الله" - Civites Dei، وحتى نهاية القرن السابع عشر، وربما بعد ذلك.
إنه المجتمع المسيحي المثالي، أو اليوتوبيا المسيحية، فبدون الأمل الذي يقدمه الدين آخر الأمر، والتوقعات والإرهاصات الفردوسية والألفية السعيدة التي توحي بها المسيحية، لكان من الممكن أن تصبح اليوتوبيا هيكلاً فارغاً لا حياة فيه، منذ أن خلفها أفلاطون وهكذا فإن الدين مع الفلسفة - ومن قبلهما الأسطورة - بهذا المعنى ( لا وعي اليوتوبيا الباطن) والمصدر الدفين للكثير مما لليوتوبيا من طاقة وقدرة على الحركة والنشاط.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد