الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمن هي مفاتيح جهنم؟ ح1

عمار السواد

2007 / 4 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحلقة الاولى: الاصلاح الاسلامي ..تعبيد طريق جهنم والعودة للحدود
يقال ان رجلا اشترى جهنم مقابل ثروته، البائعون هم انفسهم بائعو صكوك الغفران في اوربا الوسيطة، الرجل بعد شرائه لجهنم انطلق في الطرقات يعلن للناس ان لاحاجة بعد ذلك لشراء مزيد من صكوك الغفران لانه، وهو مالك جهنم، اقفل ابوابها بوجوههم. انه شكل من الجنون ان يفرط احدهم بثروته لشراء جهنم كي يعفي الناس منها، لكنه تعبير عن مدى اليأس والقنوط الذي يبلغ الانسان اليه عندما يواجه نمطا اجتماعيا كنمط الكنيسة في روما الوسيطة، لذلك يمكن ان نجد دائما من يفرط بثروته ليتخلص ويخلص ابناء جنسه من الخديعة. لقد تمرد هذا الرجل على تعسف الكنيسة وحراس الجنة والنار البشريين مستخدما نفس الخديعة التي استخدموها ضد الناس. قد لا تكون القصة الا محض خيال او مجرد "مزحة" تذكر في طي الحديث عن عصر الاصلاح الديني بقيادة مارتن لوثر، لكن المؤكد فيها انها مزحة معبرة.
فمن يا ترى يشتري اليوم جهنم ليمنع من توزيع الامكنة فيها من قبل بائعي الصكوك المعاصرين، لكن ممن يشتريها طالبها، هناك بائعون كثر لصكوك الغفران، وهناك حراس للعقيدة وبوابون على مداخل الجنة والنار يوزعون اماكنها على من يحلو لهم، انهم متعددو المشارب والاتجاهات ولا تجمعهم وحدة واحدة، لكنهم جميعا يصورون الله بصورة جلاد قابض على سوطه يجلد فيه حتى من ينظر اليه نظرة المحبط. ولو كان هنالك وحي اليوم لكان اول اهدافه على الارض تحسين صورة الخالق في عيون خلقه بعدما شوهتها قرون من بشاعة الافكار المظلمة.
ان خطورة ما عليه العالم الديني اليوم هي في عدم وجود عدو داخلي واحد، هناك العديد من الاعداء وهناك الكثير من الثغرات وهناك اكثر من حارس وبواب لجهنم، وكل واحد من هذا العدد يختلف عن الاخر والقضاء على اي طرف لا يعني انهاء المشكلة او تجاوز الخطر، الحقيقة تقول ان الفكرة المظلمة والعقل العاجز والوجدان الميت والقوانين التعسفية... تتوالد باطراد وتعثر باستمرار على بيئة صالحة لانتشارها.
لقد برزت او ولدت منذ منتصف القرن الماضي تيارات وضعت نفسها في منزل الحارس على باب الله، والمفسر لكلماته، والمنفذ لما يفسر من كلمات وقوانين، والوكيل على خلقه، انها تكرار بحلية اخرى لبائعي صكوك الغفران. فقوى الاسلام السياسي بدء بحركة الاخوان المسلمين بمصر، وقوى السلفية الجهادية، والوهابية كفكرة تكفيرية، وولاية الفقية كدكتاتورية يتمركز فيها رجل دين... اضافة الى الجهات الدينية التقليدية التي طلبت من المتدينين مزيدا من الاتباع والا فالاحتراق بنار وقودها الناس والحجارة، كل هذه تمثل مراكز مختلفة منهجا ومحتوى عن بعضها لكنها في نهاية المطاف تشترك في انها تضع نفسها بديلا عن الانبياء والرسل وتدعي انها بوابات توصل، دون سواها، الى الله.
الكثير من التيارات الدينية العقائدية او السياسية التي ظهرت تباعا على الساحة الاسلامية تعتبر نفسها تيارات اصلاحية تهدف الى القضاء على السلطات الدينية السابقة لها، لكنها اتبعت الاصلاح بطريقة ادت الى ان يكون النمط التقليدي او الشعبي المتبع بين الدينيين اكثر مرونة واقرب الى الاتزان منها.
فالوهابية طرحت نفسها كمنهج يحاول ازاحة الشوائب المحيطة بالنص المؤسس، والعودة الى الاسلام الحقيقي، لتصبح في نهاية المطاف بنية ذات توجهات عدائية تبث روح الكراهية وتستند على مقولة الفرقة الناجية وكفر الاخرين حتى وان كانوا من اهل السنة لمجر ان ما يفعلوه لم يقره النبي بل حتى لو كان ما يقومون به او يعتقدون به امرا بسيطا كزيارة القبور، لتصبح الاكثرية المسلمة حكما من الكفار او المشركين، وفي النهاية فان الناس، سوى القليل منهم، في النار.
والاخوانية وما شابهها من قوى الاسلام السياسي، التي ظهرت في الربع الثاني من القرن الماضي وما تلاه، بررت وجودها بالسعي نحو القضاء على المرجعيات التقليدية المهيمنة على المجتمع المسلم كونها تمتص من دماء واموال المسلمين وتعلم الناس الخرافات وتخدعهم، لكنها آذنت بظهور واحدة من اخطر اشكال التطرف في العالم الاسلامي، وحكمت على كل من لايؤمن بالدولة الاسلامية بانه من سكنة جهنم، وشكلت الى جانب تيارات راديكالية علمانية اخرى خريطة استهلكت الشباب وسفكت الدماء وشوهت صورة المجتمع، واضحى مصطلح المجتمع الجاهلي الى جانب المجتمع الرجعي... سببا في تفريق المجتمع الواحد الى فسطاطين احدهما على حق والاخر على باطل.
والسلفية الجهادية التي مزجت بين التصورات السياسية لحركة الاخوان والدينية للوهابية هي الاخرى ادخلت الى الواقع الاسلامي الحرب الشاملة المستهدفة لكل الاغيار بمبرر ان كل تفكير ومنهج وطريق وفكرة بل وملبس ليس له اصل نبوي يعتبر انحرافا وضلالا وكفرا، ونار جهنم مأواه.
اما ولاية الفقيه فهي الاخرى تمثل شكلا من اشكال احادية التصور، وتجعل نفسها طريقا فريدا للوصول الى الله. جوهر ما طرحته ولاية الفقيه قائم على اساس ان البنية الدينية التقليدية لدى الشيعة بحاجة الى اصلاح يعالج "قصور" التصور الفقهي القائل بعدم وجود نظام سياسي ديني في عصر الغيبة، وبذلك يصبح الفقيه الحاكم صاحب الكلمة الفصل في كل شي كونه الاكثر فهما وادراكا لكلام الله. من هنا اضحت مقولة "الموت لمخالفي ولاية الفقيه" في ايران اوضح تعبير عن المديات الخطيرة التي بلغت اليها روح الاقصاء المغلفة بلباس الدين، فهمش واقصي وقمع كل من لا يوافق على ولاية الفقيه حتى وان كان من الفقهاء، فالآخرون هم اعداء في الدنيا واشقياء في الاخرة.
اذن حتى محاولات وادعاءات الاصلاح الديني كثيرا ما كانت اسوأ من الاصل السائد، لانها حكمت على الاخر بالخلود في النار والعقاب في الدنيا، فمن المفارقات ان النظام التقليدي للمجتمع المتدين اكثر تقبلا للاخر واقل دموية من هذه الانماط "الاصلاحية"، حيث ان ادانة الاخرين دنيويا تعتبر اقل لدى التقليديين منها عند "الاصلاحيين"، خصوصا بناء على الرأي السائد في الاوساط التقليدية الدينية والقائل بتعطيل الحدود في عصور الغيبة "شيعيا" او بعد سقوط الخلافة "سنيا"، وكثيرا ما سمعنا التقليديون يتحرجون من اطلاق الاحكام بخلود هذا او ذاك في النار في حين ان جهنم لدى كثير من الاصلاحيين حاضرة دوما على طرف اللسان.
وهذا لا يعني عدم وجود حالات اصلاحية نابعة من شعور بضرورة تمكين التسامح وبث روح العفو، لكنها لا تعدو حالات فردية ما ان تصل الى حدود الظاهرة حتى تتراجع وتتقهقر لانها في الغالب تفتقر الى الاسس السليمة وتحتاج الى محاولات تمس اسس الخلل.
من هنا ان الحديث عن لوثرية اسلامية يبدو غير واقعي لان اغلب تجارب العودة الى عصر التأسيس دون هوامش او اضافات او تعديلات كانت مثارا للتطرف والاحادية والهيمنة، واكثر الحالات الاصلاحية السليمة افتقرت الى انصار حقيقيين ومؤثرين على الارض.
لذلك يبدو الامر الاكثر الحاحا واهمية هو ان يكون الاصلاح المتبع نابع من تعاط نقدي مع ما يشك برداءته انطلاقا من ضرورة الحفاظ على سلامة الناس وامنهم، مع بحث دؤوب عن انصار يكون مساعدا مهما على نشر عملية الاصلاح النابعة من روح النقد. وهنا انا بصدد الاصلاح الذي يسعى المتدينون القيام به انطلاقا من ثوابتهم، وليس الحديث عمن يسعى لاصلاح يعتمد على مفاهيم الحرية المدنية وسواها من مفاهيم ومصطلحات العصر الحديث، لان الدفاع عن الحريات المدنية من خلال عمل اصلاحي ضخم لن يكون الا بعد المرور بتغييرات تمس الكثير من مفاصل الخلل في المنظومة الدينية. عندنا يكون هناك مجال للدفاع عن الحريات المدنية دون انهيار في الثوابت الدينية، ولكنه مجال بحاجة الى اعادة قراءة للدين، وهي قراءة تبدو احيانا غير ذات جدوى اذا ما كانت من داخل الجسد الديني خصوصا في الوقت الحالي، لكن من يدري قد يكون في المستقبل اكثر من مجال واكثر من احتمال واكثر من امكان للقيام بهذا الفعل من الداخل، وتحديدا اذا ما وجدت لذلك ارضية مناسبة ومقدمات حقيقية وتداخل الجسد مع خارجه من حيث التأثر والتأثير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في