الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار أديان أم شخير نيام

نادر قريط

2007 / 4 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



عندما تقترن كلمة حوار مع الأديان، يصبح المرء أمام ظاهرة صوتية، تماما كالحفيف والصهيل والنقيق.. ومرد ذلك يعود إلى الدوغما الدينية نفسها التي تعني امتلاك للحقيقة واحتكار طريق الخلاص .المؤمن لا يكون مؤمنا، إلا إذا نزّه معتقده (وحطّ من عقائد غيره) المسيحي هو مسيحي لأنه (ولأسباب أخرى) لا يؤمن بالوحيّ القرآني أو رسالة النبيّ محمد...المسلم هو مسلم لأنه (ولأسباب أخرى) لا يؤمن بألوهية المسيح، أو عقيدة الخلاص على الصليب!!هذه بديهيات، لكن المسلّمة التي تفترض أن الديانات (التوحيدية على الأقل) تملك مساحة للتلاقي( كأزلية الله، ووحدانيته، الملائكة، الخلق ، عقيدة العقاب والثواب، الأب الإبراهيمي المشترك...) هي مسلّمة خادعة؟؟ فالدين ليس فقط ينبوع (الميتافيزقيا) الذي ترتوي منه الجماعة، وتطفئ ظمأها( الوجودي)، إنه نهر للتاريخ واللغة والموروث والطقوس وأنماط العمران...هو رأسمال رمزي رامته أجيال التقديس، وسكبته في فضاء لغوي شعري يلهب الخيال (قصة الصلب المسيحي، السيرة النبوية، ملحمة كربلاء...) أي أن الإنتماء لدين ما، لا علاقة له بالأسئلة الوجودية!! إنه انتماء إلى ((رموز)) تشحن وجدان الجماعة (أنبياء، صحابة ، رسل، قديسين، جغرافية مقدسة...) من هذه الزاوية أفهم الصراع الديني أو المذهبي بأنه حرب بين ((رموز)) ورساميل تحاول الإستثمار على أرض الأخر (بواسطة التبشير) وهنا أخص المسيحية والإسلام بإعتبارهما،الديانتان الوحيدتان اللتان حملتا مشروعا كونيا (إمبرياليا) للإيمان. بعكس اليهودية مثلا التي بدأت وانتهت كنادي لمنتسبي (القبائل اليهودية المتخيّلة) وأرض محرمة على الغوييم (الأغيار). ولتوضيح حرب الرموز في السياقين المسيحي الإسلامي، أرجو أن يتسع صدر القارئ الكريم لبعض الشطحات، آملا أن لا يأخذ الأمور بحرفيتها وتعسفها، بل أن يترك لعقله وقلبه إمكانية الخيال وتمثل الآخر، والولوج في منظوره ورؤيته ونسيجه التاريخي والحضاري (هذه هي المقدمة الحقيقة للحوار الإنساني) أقول كانت المسيحية ولا تزال تضمر، كراهية للإسلام وتعتبره هرطقة خرجت من شبه جزيرة العرب عام 637 م وخطفت أهم مراكزها الروحية (بيت المقدس، ثم القسطنطينية عام 1453م) وهذه الكراهية لا تعبر عن نفسها في جدل لاهوتي كلامي، بقدر ما تتمحور في الهجوم عل الرمز الإسلامي الأكبر (النبي محمد)، وعادة ما تستمد مادتها الهجومية اللاذعة من الموروث الإسلامي نفسه ،الذي أطنب في ذكر حياة النبي وغزواته وزيجاته وتعاليمه وشرح رسالته، ويتمظهر ذلك بوضوح في سجالات القرون الوسطى وفي الأعمال الأدبية المبكرة كأغنية رولاند الألمانية ثم في الكوميديا الإلهية لدانتي (التي حكمت على النبي وأتباعه بعذاب النار).. ولعل الأمر الأكثر جدية، يكمن في طبيعة التراث اليهومسيحي الذي لا ينزه الأنبياء عموما ولا يعصمهم ولا يرفعهم عن مصاف البشر، فأنبياء ( العهد القديم ) كانوا بالآلاف يتحاربون فيما بينهم أحيانا، وينضوون تحت آلهة البعليم الوثنية أحيانا أو يموتون بسبب غضب إلهي عليهم كما حدث مع موسى وهارون بعد حادثة الماء المريبة ومخالفتهم للأوامر الإلهية(هكذا تخبرنا التوراة).. لقد كانت العادة أن ينصّب الملك، بعد مسحه بالزيت ثم يقع الاختيار على أحدهم ليصبح نبيا للمملكة ( القبيلة )، وعادة ما تكون منزلة هذا النبي متواضعة إذا ما قورنت بالملك صاحب الجلالة.ويبدو ذلك جليا في الوعي المسيحي وفي تصوّراته عن نبوءات العهد القديم (أشعيا ، أرميا) التي بشرت بمسيح مخلص على صورة (ملك أورشليم) وليس على صورة نبيّ!!لكن يبدو أن هذا اللفظ (نبي) قد أخذ بعدا دلاليا جديدا مع بداية الإسلام ..ما أريد قوله أن الوعي الديني المسيحي لاينظر بإيجابية دائمة إلى لفظ ((نبي)) فما بالك إذا كان النبي منافسا خطيرا؟؟ هذه النقطة الإشكالية الغامضة، تبدو غائبة في الوعي الإسلامي تماما..فا لمسيحي لا يسره أن يسمع لفظ النبي عيسى، الذي يتضمن إهانة رمزية لجوهر المسيحية، والتي تصوره باعتباره جزءا من الذات الإلهية (عقيدة التجسد) ولا يسّره سماع (شبه لهم) وانكار الصلب المسيحي (أحد الرموز الأهم في عقيدة الخلاص المسيحي)!! لكنه لا يريد أيضا أن يسلّم بمنزلة محمد كأحد الرموز الكبرى في التاريخ البشري؟؟ ناهيك عن كونه (بالنسبة لأتباعه) أعظم الخلق وأشرف الناس، وأطهر بني البشر، وصاحب المكان المحمود، الأقرب إلى العرش الإلهي.. قد يبدو هذا الأمر مفهوما، لكنه سبب يضاف إلى إشكالية الحوار... المشكلة تتعقد كلما خضع المؤمن لمنظومة طقوس صارمة، تحدد أمامه آفاق الرؤية وتفرض عليه أحكاما مسبقة.. فمجرد تصوّر حوار بين مسلم وهندوسي، سيدفع المسلم للابتسام بنرجسية والقول: أولئك الذين يعبدون التماثيل، ويقدسون الأبقار.. ويدفع الآخر للقول: أولئك الذين يتدافعون حول مكعب من الحجارة السوداء؟ (لاحظ في الحالتين قذف للرموز وجهل مطلق بالآخر) قبل مدة شاهدت أحد الأئمة الكبار يطل على الملايين من أحدى الشاشات المرموقة ويخبرنا بأن الحجر سينطق يوما ويقول: يا عبد الله، إن ورائي يهوديا فتعال واقتله!!! لا أنكر أني انزعجت من هذه الصورة العنيفة (وهذا الهولوكست الإلهي) رغم أني فرحت وطربت لهزيمة لواء غولاني وحريق دبابات الميركافا في لبنان، إن مثل هذه الإقتباسات لاتقل بشاعة عن دعوة بعض الحاخامات بإبادة العرب، ولعلها تكون سببا إضافيا لتبرير محاضرة السيد (رايتسينجر) عن العنف والدين... في النهاية لابد للإنسان أن يعترف أن حوار الأديان ليس أكثر من شخير نيام أرهقهم التاريخ، ولم توقظهم الحداثة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah