الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرافعة اثينا الفصل الثالث بضعة من المواقف الفلسفية - السياسية ، المساهمة في تهيئة اجواء المؤامرة

عبدالله اوجلان

2007 / 4 / 21
القضية الكردية


الفصـل الثالـث
بضعـة من المواقـف الفلسفيـة- السياسيـة
المساهمـة في تهيئـة أجـواء المؤامـرة



رغم أن المواقف المتآمرة المدبَّرة بحقي في أثينا خصوصاً وأوروبا على وجه العموم، ساطعة سطوع النهار؛ إلا أن دراستها وشرحها مجدداً يتسم بأهمية تاريخية، وسينمُّ عن تطورات ضاربة للنظر. فهذه المواقف ليست مدبرة تجاه شخص عادي، ولم تكن بمحض الصدفة، أو كما أراد المدعي العام شرحها بكل خبرة ومهارة وبأدق تفاصيلها. ولو أنها كانت مقتصرة على شخصي لوحدي لما رأيتُ حاجة لإعداد مرافعة شاملة بهذا النطاق. لقد تم تجاهل الشعب والأصدقاء، ممثلاً في شخصي، والتغاضي عن مساعيهم التحررية التي برزت حصيلة كدح دؤوب متواصل، والضرب بها عرض الحائط بكل سفالة فداءً لمصالح معينة. لا شك في أنه من غير الصواب إلقاء الذنب كله على أوليغارشية أثينا في المؤامرة والخيانة الجارية. إذ هناك أطراف عديدة. ومن المهم بمكان التطرق إليها جميعها باختصار مفيد ولو كان محدوداً، بدءاً من حسابات الولايات المتحدة الأمريكية إلى حسابات الاتحاد الأوربي، ومن مواقف بعض الدول العربية إلى المصالح الإسرائيلية وحتى المنافع الروسية. كما يمكن القول أن الكثير من القوى السياسية على مستوى الدول لعبت دورها في ذلك .

أما فيما يتعلق بالرد على سؤال "لماذا؟"، فيتلخص بلا شك في نقاط الضعف الموجودة في الظاهرة الكردية، وتَمَيُّز القضية بسمات وخصائص تجعلها ضحية حسابات زهيدة بخسة. لقد استثمرت الطبقات الحاكمة العميلة أيضاً هذه الساحة شعباً ووطناً على مر التاريخ إلى جانب القوى المسيطرة عليها، واستغلتها كما تشاء دون أن تدفع ثمن ذلك كثيراً. إذ لم يكن قد تَكَوَّن بعد‍‍ْ المثقفُ ذو القوة والقدرة السياسية الكافية لتخوّله لطلب الحساب من هؤلاء. أما الثائرون لفعل شيء ما، فإذا ما أرادوا جني الثمار لحماية شرفهم وعزّتهم، حلّت عليهم الكوارث بحيث لم يَبْقَ مِن بعدهم أحد يطالب بالحساب. أما مقولة "اذهب إلى الحراسة يا محمد الكردي الكذاب المخادع"، فكأنها أصبحت قاعدة نافذة تليق لهم. ومهما يكن الأمر مؤلماً ويبعث على الأسى، إلا أنني مرغم على القول أنه ثمة منطق معين في العيش والتجارة، يسود في الاستفادة من بيوت الدعارة وتشغيلها، وفي علاقة رب العمل- الحارس، والرقيق المستعبَدين المستثمَرين. الكل يعرف عمله وما يفعله، قليلاً كان أم كثيراً. والجميع يستمر في العيش ضمن النظام الموجود وتلبية متطلباته، ذليلين خانعين لفلسفة القدر حتى النخاع. لقد وصلت الحال في كردستان وظاهرة المجتمع الكردي ضمنها، إلى درجة غدت فيها مسرحاً لممارسات لاإنسانية، متخلفة، وأشنع حتى من نظام النصب والنهب الذي وضعه علي بابا والأربعون حرامي. لا توجد ساحة حساب ومحاسبة بكل معنى الكلمة، ولا محاسبين ومطالبين بالحساب .

أما الفرد - حسب ما يسمى- الكردي الذي يعاني أشد درجات الخيانة والاغتراب تجاه ذاته، بدءاً من المتواطئ العميل الموجود في الأعلى إلى أدنى شخص قابع في القاع، فإما أنه جاهل أعمى تجاه وجوده وكيانه الذاتي، أو ثرثار عديم الحياء، أو أنه خائن عن قصد ووعي. يضرب امرؤاً ويقتله لأجل دجاجة أو كلب، ولكنه لا ينحاز أو يدنو أو يرى حاجة لصب قطرة من عرق جبينه في سبيل تبني كيانه الثقافي المتشكل على مدى خمسة عشر ألف عاماً على الأقل، رغم أنه ينتمي لأقدم شعب لا يزال يحافظ على نسيجه الاجتماعي وثقافته التي حققت "الثورة النيوليتية" التي بُرهِن على أنها أول أعظم ثورة إنسانية في التاريخ. وهنا يكمن مربض العقم المتفاقم والأعجوبة المستفحلة. وكل اللعنات والرياء والتخلف والفظاظة، تتوارى في صُلب هذه الحقيقة .

إن ظهوري، وما تمخض عنه من إمكانية تكوين الحركة التحررية بالمعنى الأعم، قد هز هذه اللوحة المرسومة من الصميم من أعلاها إلى أدناها. وبدءاً من العملاء المتواطئين وحتى الدول صاحبة المصالح الاستراتيجية، اجتمعوا في محاولة لأخذ التدابير. وفترة ما بعد التسعينات شاهدة على محاولات متواصلة كهذه على قدم وساق. ونخص بالذكر الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي، روسيا وبلدان الشرق الأوسط التي اعتنت بالأمر كثيراً. أما كوني لستُ في حالة يمكن استغلالها كألعوبة أو كغلام بسيط، فقد حثَّ كل بؤرة لتطوير واتباع سياسة توافق مصالحها بصدد PKK والكرد. وعندما أُدرِكَ وفُهِمَ أنني أُشكِّل أكبر عائق أمام هذه السياسات أيضا‌ً، بدؤوا بالتفكير والتخطيط لطردي، بل وحتى إبادتي. وحُظِرَتْ عليّّ حتى الحدود الدنيا من الحقوق الإنسانية الأساسية أوالمواقف الديمقراطية. ووضعوا ثقلهم على التحالفات السرية- العلنية مع الكرد المتواطئين معهم في مناطقهم، ليفسحوا المجال أمام هؤلاء. ونخص بالذكر هنا اللقاءات الجارية بين الكرد العراقيين العملاء وبين كل من المسؤولين الأتراك والأمريكيين والإنكليز، والتي وصلت إلى اتفاقيات ومعاهدات رسمية على طول خط أنقرة- لندن – واشنطن. ولكي يتكلل ذلك بالنجاح جرت المساعي لشل تأثير الاتحاد الأوروبي وتحييده، بينما استُخدِمت أوليغارشية أثينا كالملقط الوسيط فيها .

هذا هو مضمون الأرضية التي ارتكزت إليها المؤامرة، وفلسفة تطورها وسياستها المدبرة. وإذا عجزنا عن تحويل المؤامرة المحاكة والخيانة المتحققة تجاهي، وتجاه الشعب الكردي ممثلاً في شخصي، وتجاه أصدقائي، إلى حرب كرامة عظمى؛ فسيحكم التاريخ اللعين مرة أخرى بحكمه. بيد أن المئات، بل أكثر، من رفاق الدرب والفتيات والفتيان اليافعين قد أضرموا النار بأبدانهم لتنهش بهم، وأصبحوا هدفاً للعيارات النارية، واعتُقِلوا فيما يتعلق بهذه الحادثة. ولا جدال في ضرورة التقرب الشامل من الواقعة، ولو تخليداً لذكرى هؤلاء فقط. بل وأبعد من ذلك، فعرقلة تكرار هذا التاريخ اللعين تعد في صدارة مهام ثورة الحرية. وسيكون توجيه الانكسارات التاريخية من العبودية اللعينة إلى مسار الحرية، تعبيراً عن النجاح الموفق لهذه المهمة .

لم أثق إطلاقاً بفلسفتي في الحياة المليئة بالشكوك، والتي راودتني ككابوس مرعب منذ طفولتي دون أن تتركني. وما العجز عن العبور من قعر صخرة عاتية، أو كتمان النفس وشل الحركة حتى لدى الطيران والتحليق، وغيرها من الكثير من المنامات؛ سوى حالات تعكس هذه الحياة المليئة بالشكوك، متسربلةً ومتسللةً إلى المنامات حتى في الظروف التي يظن فيها المرء أنها مفعمة بالحرية. قبل كل شيء، وبدءاً من أمي التي بجواري وحتى الإنسانية سائرة، لم يكونوا ليعترفوا لي بحريتي أويقدّروها. أما "الصح" الذي يُبحَث عنه في الكتب، فيتحول تدريجياً إلى مسألة أشبه بالغوص في بئر بلا قاع. وبينما كان كل أم – أب يعتبران ولادة مولود لهما رحمة ونعمة مباركة، كنت أراها كجرم كبير، وكأن السعادة شيء مستحيل المنال لأجل الفرد في المجتمع الشرق أوسطي. حتى لحظات الزفاف التي يجب أن تكون قمة السعادة بالنسبة للعروسين، كانت بالنسبة لي وكأنها بداية الذنوب الكبيرة والمقرفة. كان ثمة نقصان وأغلاط فادحة في أماكن ما، ولكن أين؟ ولربما رأيت نفسي وحيداً منذ أن وعيتُ على الدنيا، أتخبط في المخاوف والشكوك والظنون الكبيرة الثقيلة الوطأة، فاضطررتُ خوض هذا البحث والسير على هذا الطموح لوحدي مرغماً، دون أن ينحاز أحد لمساعدتي حتى ولو تمنى ذلك بجموح. ما كان مفروضاً عليّّ هو العيش برخص وعلى خطأ. لكن، وبما أنه يستحيل العيش دون وجود "الصح"، فكيف يمكن حينئذ إيجاد "الصح"؟ الآن، وفي هذه المرحلة التي بلغناها، أمتلك القوة التي تؤهلني للرد على هذه الأسئلة. وقد لعبَتْ المؤامرة ذاتها والحقائق التي تستند إليها، دوراً بارزاً في حسم الجواب .

يربض في أساس هذا الجواب، التعريف الأولي والمباشر للمجتمع الذي ولدتُ وترعرعتُ فيه. بيد أن المجتمع الكردي ربما يعد حالة لا نظير لها ، إذ يعطينا منظراً لا يتجاوز كونه عاجزاً عن الحفاظ على وجوده، خرج من كونه يمثل ذاته في فترات التبعثر، وهو ليس إلا مواد وأجزاء مادية مشتتة إرباً إرباً. وكأنه يعكس منظر كائن أخرس، أصم، عبد ذليل، ومجرد بقايا متفسخة. ولا أنكر أنني كنت أعترف لنفسي على الدوام باستحالة حصولي على الحقيقة بالنظر إلى هذا المنظر بالذات، واستحالة تكوين قوة الحرية من هذه الأجزاء الخامدة اللامبالية، مثلما لوحظ في الأمثلة الأخرى. وكان البحث عن الحقيقة والبدء بمسيرة البحث والنبش، مفهوماً برز لدي مبكراً كضرورة يجب القيام بها وتطبيقها على كل الإنسانية ومن ثم الكون برمته. وربما هذه هي ميولي البارزة في طفولتي، إذ لم أمتثل إطلاقاً لقوانين العائلة والقرية، بل كنت أجد الأمور الصحيحة في ميولي الطفولية، حتى في تلك الأثناء والظروف. وكي لا أناقض أو أعاكس المحيط، بل ولكي أعيق احتمالات الفهم الخاطئ، قمت- على سبيل المثال- بحفظ 33 آية قرآنية عن ظهر قلب، وأدَّيتُ الصلاة وحثثت الغير عليها. وفي كلية العلوم السياسية أيضاً مرتْ حياتي الطلابية حتى السنة الأخيرة منها، وأنا أحتل مكاني بين الأوائل. كل ذلك كان مظهراً خارجياً يكفي للخلاص والنفاذ بالذات. أما بالنسبة لي، فكل ذلك لم يكن سوى مجرد تهيئة بعض الظروف اللازمة لبدء البحث عن الحقيقة، لا غير. وحاولتُ القيام بما يُتطلب مني ظاهرياً في فترة الثورية المبتدئة في السبعينات، وتأسس التنظيم ومورست الديبلوماسية أيضاً. وتم تشبيه التحرر الوطني الكردي ظاهرياً بكثير من الأمثلة في العالم، وقُطِعتْ مسافات شاسعة بذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيليون يتظاهرون أمام منزل بيني غانتس لإتمام صفقة تبادل ا


.. معاناة النازحين في رفح تستمر وسط استمرار القصف على المنطقة




.. الصحفيون الفلسطينيون في غزة يحصلون على جائزة اليونسكو العالم


.. أوروبا : ما الخط الفاصل بين تمجيد الإرهاب و حرية التعبير و ا




.. الأمم المتحدة: دمار غزة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية ا