الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأفكار و التفكير

جمال الدين بن عبد الجليل

2007 / 4 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تتناول كتب تاريخ الفلسفة الأفكار و النظريات التي طوّرها فلاسفة و مفكرون عبر التاريخ بالعرض و التقديم. البعض من هذه الأفكار و النظريات كان لها جاذبيّة و تأثير و رواج لدى شرائح من القراء و المتلقّين. يحرص العديد من هؤلاء و من بينهم كذلك حتى دارسون في أقسام الفلسفة على الأخذ بهذه الأفكار أخذا يغلب عليه طابع الحفظ و التلقين ثمّ العرض و التقديم. قد ينسجم هذا الشكل المشار إليه من التعاطي مع الأفكار مع تقاليد تربوية و ربما منهجية معيّنة تحرص على ممارسة الاستنساخ الفكري و تكريس واقع هيمنة ذهنيّة فكرية ثقافية معيّنة إلاّ أنّه يتعارض حتما مع الممارسة الفلسفية في منطلقاتها و غاياتها. فالأفكار و النظريات ليست في آخر المطاف إلاّ أمثلة متشكّلة لأنماط التفكير المختلفة في مقدماتها و بُنى الاستدلال فيها، فالمهمّ في هذه الأفكار و المدارس الفكرية الفلسفية المختلفة هي كيفيات و طرائق التفكير التي ابتدعتها و طوّرتها و طبّقتها. إذن فالتفكير بما هو عملية مركّبة، تعتبر أحد أوجه تمظهراته طرق الاستدلال و بناء البرهان في تثبيت أو نفي قضية معيّنة، يحتلّ مكانة متقدّمة عن الأفكار بحدّ ذاتها. فالأفكار بما هي تجسّد و تمظهر للمُفكَّر فيه تكتسي أهمية إضافية إذا تعاطينا معها بالتزامن مع استحضار اللاّمفكَّر فيه الذي ربّما يكون حضوره المسكوت عنه أو الغير المنطوق ذا أثر بالغ. فالفلاسفة و المفكرون عبر التاريخ يحظون بالحضور و الاهتمام من خلال طرائق تفكيرهم و استدلالاتهم لتثبيت أفكارهم، فلا هؤلاء و لا أفكارهم و نظرياتهم لها قداسة في ذاتها و أهميتها مرتبطة بتماسك الاستدلال و عدم تهافته النظري و المنهجي. هنا يبدو التفلسف كممارسة فكرية مرتبطا بالتفكير في في عملية التفكير في ذاتها من حيث المنهج و الموضوع، و حدود المفكَّر فيه و بالأحرى اللّامفكَّر فيه ، أي أن أفكّر كيف أفكّر فيما أفكّر عندما أفكّر.
فالأخذ بأفكار ما دون تفكّر و تفكير فيها و السعي إلى منحها سُلْطة و مكانة أو قداسة و هيمنة معيّنة لا يجوز التفكير فيها هو سمة ممارسة الخطاب الديماغوجي الدوغمائي سواء كان إيديولوجيّا سياسيّا حزبيّا أو وعظيّا دينيّا أخلاقويّا. فالإنسان بما هو كائن مفكِّر ليس مجرد حامل لأفكار مهما كانت هذه الأفكار و إنّما هو في حالة صيرورة فكرية أو تفكيرية متواصلة تتحقّق من خلال التجاوز الذاتي المستمرّ و عدم الارتهان السّكوني لأيّ حال.
ربما يتجلّى بهذا المعنى السبب الخفي لغياب و منع تعليم و دراسة الفلسفة في بعض البلدان العربية أو تدريسها بشكل مناقض و مغيّب لدورها و غرضها المشار إليه. فالحرص على سيادة الأفكار مع تغييب التفكير أمر نعيش جميعنا تجلياته و تبعاته في الكثير من مناحي حياتنا الخاصة و العامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض