الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة الواقع و قراءة النصوص

جمال الدين بن عبد الجليل

2007 / 4 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



علاقة الانسان بالواقع الخارجي بمختلف تمظهراته محكومة بدءا بالإدراك الحسّي لها لتنتقل إلى الذهن كصور مجرّدة تنطبع فيه. إلّا أنّ هذا الطرح التبسيطي يعتبر غير مُجْزِ ذلك أنّ الملكات
الحسيّة و الإدراك المرتبط بها مختلفة و متفاوتة، نسبيّة و ذاتية باختلاف البشر و لا يمكن التعويل و الاعتماد عليها بالإطلاق لتحقيق الاتفاق. إلّا أنّ واقع الأمور يشهد بخلاف ذلك و هو أننا معشر البشر نتّفق في إدراكنا للكثير من الأمور بشكل حاصل، من قبيل الوحدة و التعدّد و الذات و التغاير مثلا. و يرجع الفلاسفة ذلك إلى أنّ القدرة الذهنيّة أو ملكة العقل هي نفسها على السواء عند جميع البشر، و محكومة بقواعد و قوانين أو مقدّمات ما قَبْلٍيّة موجودة لا تحتاج إلى استدلال لإثبات وجودها، و تُسمّى هذه عند المناطقة بالبديهيّات. إضافة إلى البديهيات يقدّم علماء المنطق مقدّمات ثانويّة و يفرّقون بين أشكال الاستدلال المختلفة ضمن النسق المنطقي الواحد أو الأنساق المنطقية المتعدّدة، لإثبات صحّة قضية معيّنة أو خطئها. إلى هنا يتزحزح الإدراك الحسّي الانطباعي الأوّلي من الذاتية و النسبية ليتّخذ صبغة موضوعية مُتوافَقٌ و متوَاضَعٌ على صحّتها. تتأكّد من خلال إمكانيّة و حصول تمحيصها و اختبارها بشكل أوسع و أكثر. أحد أوجه تحقيق ذلك هو النقاش و الحوار المفتوح حيث تتلاقى وجهات النظر المتباينة بتباين براهينها و اختلاف أشكال الاستدلال المبنيّة عليها. هنا يصبح ثبات و ثبوت صحّة قضيّة و أحقّيتها أو حقيقيّتها منوطا بإمكانيّة إثبات ما يغايرها فيتحقق تجاوزها. و الواقع أنّ صيرورة المعرفة و العلوم البشرية متّسمة بهذه الخاصية فأمكن لذلك تحقيق التجاوز فيها بما هو تطوير لما توصّلت إليه. فأمام تغيّر الواقع و عدم سكونيّته و عدم ثباته على حال، تتغيّر هذه المعارف من حيث تعددها و تراكمها و تلاقيها مع بعضها البعض. فحقيقة المعرفة هي من حيث أنّها صيرورة مفتوحة يتحقق فيها التّجاور و التجاوز لمختلف تعبيراتها و ليست لحظة مُنجَزَة نهائيّة سكونيّة ثابتة.
هذه العلاقة المعرفية بالواقع بمختلف تجلّياته على جميع المستويات الاجتماعية و الثقافية و الفردية ، هي علاقة تعتمد قراءة الواقع و النظر فيه لتحقيق إدراكه بشكل سليم و للتمكّن من حلّ يتوالد فيه من مشاكل بشكل أنجع و أكثر جدوى، أمام هذه القراءة للواقع بهذه الصورة و على خلاف ذلك يعمد بعض الناس لتحديد علاقته بالواقع الموجود فيه لتحقيق إدراكه له على قراءة مستندة إلى نصوص هي في ذاتها إفراز و نتاج لواقع مغاير ارتبطت به. الإشكال هنا ليس في قراءة هذه النصوص بنسبيّتها و لكن في الاستعاضة بها كلّيا عن النظر في الواقع و علاقاته المركّبة كما هي. فالانطواء داخل فضاء نصّي منغلق على ذاته و الاعتقاد بأنّ ذلك يمكّن من إدراك سليم للواقع يقود إلى حالة من الفصام تعيق إمكانيّة تَفَتُّق الإمكانيات و انطلاق الطاقات و القدرة على تحقيق نموّها و تطوّرها كمطلب حيويّ.
د. جمال الدين بن عبد الجليل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو