الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرد و الجماعة و المجتمع

جمال الدين بن عبد الجليل

2007 / 4 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تحظى مفردات و مفاهيم الفرد و الجماعة و المجتمع في نظريات الفلسفة الاجتماعية و مباحثها بمكانة مركزية. إذ أنه برغم حضور الفرد في كلّ من النسقين المفاهيميين للجماعة و المجتمع إلاّ أن دلالة هذا الحضور و الوظائف و الأدوار المناطة به متغايرة و مختلفة عن بعضها البعض. فأواصر الارتباط بين الأفراد ضمن الجماعة (و ليس المجتمع) تتميز بأنها ذات طبيعة عاطفية مشاعرية اعتقادية تقود إلى الإحساس بالانتماء المشترك فيما بينهم. تتمايز الجماعات وفقا لهذا التحديد فيما بينها من جهة و تمارس بشكل آلي سلوكا إقصائيا مانعا للاختراق و الدخول لها، تجاه الأفراد الغير منتمين لها من جهة أخرى، و يتجلّى هذا بدرجة من الوضوح من خلال الجماعات الأسريّة (العشائرية، القبليّة) أو جماعة الأصدقاء مثلا. يمكن أن يكون انتماء أو ارتباط الفرد ضمن الجماعة ذات صبغة لا إرادية و إكراهية أو اختيارية متّسمة بالحرية النسبيّة، و مثال ذلك حالة زوجين اختارا الارتباط فيما بينهما إلاّ أنّ أبناءهما يعتبرون أطرافا رغما عن إرادتهم و دون اختيارهم ضمن هذه العلاقة.
فتعريف الفرد و تموضعه و أدواره ضمن الجماعة تخضع عموما لشروط و تعريفات ما قبليّة تُلزم الفرد و تخضعه لها. مع هذا التعريف للفرد ضمن نسق الجماعة يتقاطع التصور الديني عموما و في شأننا الحالي الإسلامي خصوصا. إذ أنّه بالرغم من التأكيد الواضح و المتكرر ضمن السّياق الديني العقائدي على أنّ علاقة الفرد بالإلاه علاقة خاصة جدا و ذات طبيعة حميمية، علاقة بين الفرد و ربّه مباشرة و دون واسطة، نجد على المستوى الاجتماعي آنّ هناك ضمورا إلى حدّ الغياب لحضور الفرد مقابل التأكيد على أهمّية الجماعة (الأسرة، القوم، جماعة المؤمنين مقابل جماعة غير المؤمنين). فللفرد هنا حضور و مكانة بقدر تماهيه مع جماعة معيّنة و ذوبانه فيها متمايزا بشكل كامل عن بقية الأفراد أو بالأحرى الجماعات الأخرى المناوئة. و ربّما يشي تاريخ الأديان و المذاهب من الملل و النّحل و تكشف القراءة المتمعّنة فيه عن هذه الارتباطات البنيوية داخل و بين الجماعات الدينية، المذهبية، العائلية، القبليّة... و تلعب هذه الترابطات و التداخلات في تعريف الفرد و الجماعة دورا هامّا في تشكل نظام اجتماعي سياسي معيّن و لعلّ مصطلح " العصبيّة " الخلدوني يساعد هنا على تيسير الوصول إلى فهم أكثر وضوح. في المقابل نجد مصطلح " العقد الاجتماعي " الذي ينبني على تصور مغاير للفرد و المجتمع .
عني علماء الاجتماع و الفلاسفة الاجتماعيون بمفهوم "العقد الاجتماعي" و تناولوه بالدراسة و البحث بشكل وصل إلى بناء نظرية علمية مستندة عليه. و تمّ الاصطلاح على تعريفه على أنّه اتفاق مجموعة من "الأفراد" فيما بينهم لتكوين "مجتمع" بناءا على قاعدة الفائدة المتبادلة و تجنّب الإضرار مقابل تسليم الفرد لإرادة الجماعة ممثلة بالسلطة. من خلال هذا التعريف يرتبط تحديد مفهوم المجتمغ بتحقق تعريف للفرد أو لمجموعة الأفراد المكوّنين له. يّتفق الفلاسفة الاجتماعيون هنا على أنّ "المجتمع" كنسق تنتظم داخله العلاقات بين الأفراد وفق تعريف العقد الاجتماعي هو مرحلة أو حالة تلي و تلحق ما يطلقون عليه الحالة الطبيعية أو الأصليّة و هي حالة يختلفون في تقييمها فيعتبرها البعض حالة همجيّة محكومة من الغرائز و المصالح الذاتية التي تتصادم و تتناقض مع بعضها البعض. و يعتبرها البعض الآخر حالة يعيش فيها الناس حياة و علاقات بسيطة في اكتفاء ذاتي و سلام. و يعتبر المجتمع بالتعريف السابق إنّما هو نتاج لعوامل اقتصادية و لعلاقات إنتاجية أكثر تعقيد و تطور لما سبقها و إفراز لتقسيم للعمل يعتمد على كفاءات و مهارات معيّنة و متباينة يتمكن الأفراد من اكتسابها. و يتحصّل الأفراد من خلال أداء هذه الأدوار حسب توزيعها و تقاسمها على مردود مادي يعبّر كذلك عن مكانة مشاركتهم في البناء و الصرح العام لمركّب "السلطة" من حيث الجانب الاقتصادي فيها. فحلّت هنا الشريحة أو الطبقة الاجتماعية كفضاء و نسق يعرّف فيه انتماء الفرد الفعليّ محلّ العشيرة و القبيلة و الجماعة الإثنيّة. فمناط تعريف الفرد هنا هو تموقعه ضمن مركّب العلاقات الاجتماعية القائمة في آخر الأمر على قيمة العمل التي تعبّر عن الانتماء الفعليّ للفرد و أدائه لدوره ضمن هذا المركّب.
المحدد الآخر لانتماء الفرد ضمن النسق المجتمعي هو الفائدة أو المصلحة المتحققة، لذلك يسعى الأفراد إلى التنظم ضضمن هياكل مؤسّستيّة للدفاع عن المصالح التي تجمع بينهم ولتحقيقها و لضمان عدم استئثار طرف على حساب البقية. فالأفراد هنا متساوون من حيث المبدإ من ناحية أحقّيتهم و حقوقهم و تعتبر السلطة أو الحكومة هنا الخلاصة المؤسّستية التي ترعى هذه المصالح و تحمي هذه الحقوق. تعتبر هنا مشاركة الأفراد ضمن المؤسسات المجتمعية على جميع مستوياتها و قدرتهم على التعبير داخلها عن اختياراتهم الفردية تمظهرا لمشاركتهم في أطوار صناعة و تشكّل القرار. فاتخاذ القرار ضمن هذا السياق لا يكون نتيجة تفرّد بالرأي أو حالة مزاجية بل هو نتيجة تدافع بين علاقات مصالح متعددة و الآراء المعبّرة عنها من خلال مؤسسات المجتمع المختلفة. هذه الأرضيّة الاجتماعية و الثقافية هي التي تسمح بتشكّل نظام ديمقراطي و ممارسة ديمقراطية من خلال رمزية وواقعية شعارها في آن واحد القائل: شخص (فرد) واحد، صوت واحد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - falsafa
lamyae ( 2012 / 2 / 20 - 17:48 )
chokran 3ala lma3loumat


2 - falsafa
nassima elyamani ( 2012 / 3 / 22 - 13:01 )
merci bbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbbccccccccccccccccccccccccccpppppppppppppppppppppppppppppppppppppp

اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟