الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرافعة اثينا الفصل الثالث بضعة من المواقف الفلسفية - السياسية ، المساهمة في تهيئة اجواء المؤامرة 3-1

عبدالله اوجلان

2007 / 4 / 23
القضية الكردية


يكمن الخطر الأصلي لفلسفة الاشتراكية المشيدة المادية البحتة، والجبرية التعيينية (التحديدية المطلقة determinizm)، في مطابقتها ومساواتها بين قوانين المجتمع والقوانين الفيزيائية. أي استسلامها لمفهوم التطور التلقائي أوالقَدَرية المعاصرة، وامتثالها لها. بيد أن الحقيقة الجديدة التي تتفق فيها وتوصلت إليها الماكروفيزياء (fizik makro) والميكروفيزياء (mikro fizik)؛ لا وجود لقوانين تطور تسير في مسار مستقيم معين ثابت وبدون انقطاع، بل ثمة مساحة "فوضى" تفصل بين الظواهر كلها. وقد أُدرِكَ وعُلِمَ أنه بدون هذه المساحة البينية (الفراغ) لا يمكن تحقيق أي تطور نوعي .

إن الحاجة إلى تحقيق تحول جذري في وجهات نظرنا إلى الكون والطبيعة في يومنا الحالي، وبقدر يماثل على الأقل ما حصل من تحول في عصرالنهضة، هو نتيجة منبثقة عن المعطيات العلمية المتراكمة. وعلينا أن نعلم علم اليقين أنه، من المحال تجاوز الفوضى المستفحلة في النظام القائم ما لم نقم بإطراء تحولات نوعية على وجهات نظرنا الأساسية إلى العالم. وهذا هو المقصود بثورة الذهنية .

لا داعي إلى ميثيولوجيا سومرية جديدة. كما لن نلجأ إلى نفس الحقائق الموجودة في المعبد على الطراز السومري. إلا أننا من الجهة الثانية لن نستصغر هذه المعابد. وعلينا التفهم بكل عمق أن الزيكورات السومرية هي المعابد الإلهية الأصلية، سواء كانت كنيسة أم جامعاً أم ديراً. فالزيكورات هي المراكز التي تعمَّق فيها الكهنة فكوّنوا أشكال البنى الأساسية والمصطلحات الرئيسية للحضارة. أما المعابد الأخرى وما ظهر بعدها من مراكز الزهد الكبرى، التصوف، بيوت الذِّكْر (البيوت الباطنية)، مراكز التكهن، الصيام والصلاة؛ فهي ليست إلا أشكالاً منحلة ومتطورة عن هذه العادة. وقد تشكلت المنتديات الفنية، المسارح، الأنظمة والقواعد الأدبية- الفلسفية والعلمية، مقتفية الأثر عينه. وهذا ما أود قوله عندما أقول بضرورة عدم استصغارها .

السؤال المصيري في راهننا هو: أين معابد النفاذ والخلاص من الفوضى؟ وما الذي يجب عمله؟ لا شك في أنه لا يمكن عيش الماضي بتقليده، إلا أنه من المحال أيضاً بناء الجديد وخلقه دون اعتماد التراث أساساً. لكن الجامعات الحالية ومراكز العلوم ومؤسسات البحوث والدراسات المتعددة لا تزال بعيدة عن خدمة هذه الأهداف. ذلك أنها تحولت إلى أماكن لتوزيع الأوراق والأحجية للخلاص الفردي. في زمن ما، كانت "مستندات إنقاذ اليوم الآخِرة " تُوزَّع في الحضارة المصرية. وما الديبلومات وشهادات التخرج في يومنا الحالي سوى نوع من "مستندات إنقاذ الحياة الدنيا". ولا يمكن للتكوينات الاجتماعية الجديدة أن تنبثق من الفوضى القائمة عبر هذه الأساليب والمواقف. فمن يمتلك الذهنية عينها ليس بمستطاعه خلق الجديد، سواء كان معارضة أو حزباً تابعاً للنظام. وأقصى ما يمكنه عمله حينذاك هو المساهمة في إصلاح أو ترميم النظام الموجود. بيد أن الأحزاب والحركات الثورية المتأسسة، لم تَنْجُ من مواجهة العاقبة والنهاية نفسها .

لأجل تحقيق تجدّد اجتماعي جدي وتأسيس نظام ذي شأن، قد يكون من المفيد البدء من الأبسط،أي ما نسميه "مراكز العلوم الاجتماعية"، ومن مراكز الإدراك والإدارة الأساسية. ويستَلزِم جوهر المسألة أن تتكون "مراكز العلوم الاجتماعية" من أشخاص فاضلين كما الكهنة المقدسين، ويمتلكون القدرة على تجسيد الخصائص النبيلة الموجودة في العلماء العصريين، وتمثيل القدرة على العمل الانضباطي والمنتظم في شخصياتهم؛ ويجهدون لبلوغها. بمعنى آخر، ستجتمع مدرسة الفيلسوف، ومعبد الناسك، وأكاديمية العالِم في هذه المراكز لتشكل تركيبة جديدة تُعنى وتهتم بالبحث عن حلول كل المشاكل المصيرية التي يعاني منها المجتمع البشري، حتى ولو تطلَّب ذلك الانزواء والزهد والجفاء أربعين عاماً .

لا يمكننا الحدّ من المجازر التي ترتكبها الرأسمالية بحق المجتمع والفرد، إلا بقوة هكذا مراكز. ومثلما أن هذه المراكز ليست مكاتب أيديولوجية للأحزاب الثورية، فمن المستحيل أيضاً أن تكون مكاناً للعلماء الذين يكتفون بعدة ابتكارات بسيطة لتشكيل طرح ما. هذا إلى جانب أنها ليست مراكز إدارية للفلاسفة الموجِّهين للسياسة. لكنها من الجانب الآخر تُعَدُّ مؤسسات رفيعة المستوى وقديرة بحيث تستطيع تمثيل قوة التغيير لكل العناصر المؤسساتية والفردانية الموجودة في المجتمع، وإمدادها بالوعي والإرادة اللازمين عندما تدعو الضرورة. ومثلما هي الحال في الماضي، فاليوم أيضاً تعد مراكز العقل المدبِّر التي لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للمجتمع الإنساني. ومن الضروري المبادرة في إنشاء هذه المراكز كحاجة ماسة ربما لم تفرض نفسها في أي وقت من الأوقات بهذه الحدّة. ذلك أن مراكز المؤسسات الذهنية في المجتمع هي الأكثر تعرضاً للتخريب والتشويه في أحشاء النظام الرأسمالي .

هذه هي إحدى أهم النتائج التي استخلصتُها من صراعي القائم مع الحضارة الأوروبية. وبقدر قناعتي وإيماني بضرورة كون الرد على المؤامرة والخيانة الحاصلة بهذا النحو الفاضل والسامي؛ فإنني أواصل بكل فخر عزمي ونضالي الدؤوب في سبيل ذلك، داخل هذه الحُجْرة الانفرادية .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا كشف التقرير السنوي لمنظمة -مراسلون بلا حدود- عن حرية ال


.. استشهاد الطبيب عدنان البرش إثر التعذيب بعد اعتقاله




.. الأمم المتحدة: الدمار في غزة لم يحدث منذ الحرب العالمية الثا


.. Thailand: How online violence and Pegasus spyware is used to




.. مداخلة القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في غزة حول تطو