الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين السؤال و الجواب

جمال الدين بن عبد الجليل

2007 / 4 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أعتقد أن مفردتي السؤال و الجواب على درجة كبيرة من الأهمية و لا تُختزلان في حدود صيغة أو تركيبة لغوية فقط. لهاتين المفردتين وظائف و دلالات أخرى تتجاوز الاختزال اللّغوي إلى مناطق تأثير تصبغ الجهاز المفاهيمي و الأنماط السلوكية بصبغتها.
فالسؤال يستبطن غالبا الإجابة من حيث تحديد أفقها و احتمالاتها و من حيث موضوعها. فالسؤال يضبط مسبقا فضاء الإجابة بل إنّه يخلق الإجابة من حيث إمكان مقاربتها و توفير رحم لنشأتها و تطويرها. فالتفكير في السؤال هو تفكير محدِّد و مهئّ لاحتمالات الجواب و فضائه بشكل ما قبليّ.
لذلك يكتسي السؤال حول أهمية التساؤل من حيث مشروعيته المنطقية و الواقعية أهمية قصوى سأحاول لاحقا تبيانها من حيث مساهمتها في صياغة جهاز مفاهيمي معيّن و تحديد ملامح عقلية معيّنة و توجهاتها.
و كذلك الجواب فهو يعبّر بهذا المعنى عن الانخراط و الارتهان المسبقين ضمن فضاء و حدود تشكلت ملامحها من خلال السؤال المطروح صراحة أو المُضمَر ضمنا. فالكشف هنا عن التساؤل يمكن أن يوضح أو يفضح تماسك الجواب من عدمه في بنيته و مشروعيّته. غالبا ما يعتمد الخطاب الديماغوجي سواء كان سياسيا، عقائديا أو تسويقيا على بنية خطاب الجواب، إذ أنه بعتمد الإيحاء و الإيهام بإيجاد و توفير حلول تدّعي تقديم الخلاص و الإنقاذ في ذاتها دون تشجّم عناء طرح السؤال حول الأسئلة التي توجب طرحها و مدى ضرورتها. فخطاب الجواب في بنيته يشي لدى متلقّيه بعقلية تميل إلى تقبّل الحلول الجاهزة و الرّغبة الملحّة في الإحساس بالأمان من دون توتّر أو تعقيد حتى و إن كان هذا الشعور تبسيطيّا ساذجا بمنأى عن تعقيدات الواقع في علاقاته و تركيبته. ولعلّ من أمثلة هذا الخطاب هي أشكال الخطاب الوعظي و الخطاب الشعبوي.
فنحن هنا أمام نسقين أو توجّهين، أحدهما يستند على التساؤل و الإشكال و الآخر يعتمد على الإجابة و التسليم بها جاهزة. العقل الإشكالي المتسائل يعيش حالة توتر و قلق معرفيّين و يرفض الركون إلى إجابة تدّعي الإطلاقية لنفسها، بل يحيطها دوما بأسئلة تزيد من نسبيّتها و يجعل من الإجابة صيرورة متواصلة مدعوّة إلى تجاوز ذاتها عند مقاربتها، فالإجابة هنا لا تتحقق بما هب لحظة منجَزَة ساكنة.
أما العقليّة الحاملة لخطاب الإجابة فتتسم بميل جامح يكاد يكون طفوليّا نحو الاستقرار و الاحساس الغريزي بالاطمئنان و الأمان و الوضوح البسيط في أحضان إجابة جامعة مانعة ناجزة جاهزة تعد بالخلاص و الوصول لفردوس الراحة بعيدا عن قلق السؤال و اهتزازاته.
أعتقد أنّ هذين النمطين من الخطاب يعكسان من خلال تحققهما سواء على مستوى العقل الفرديّ أو الجماعي صيرورة نضج من عدمه تصبغ الأنساق و الشخصية المتسمة بها بصبغتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة