الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرافعة اثينا الفصل الثالث بضعة من المواقف الفلسفية - السياسية ، المساهمة في تهيئة اجواء المؤامرة 4-1

عبدالله اوجلان

2007 / 4 / 25
القضية الكردية


ب) لقد أصبحت مواقف إدارات الجمهورية التركية من الظاهرة والقضية الكردية أكثر رجعية واستنكاراً وانسداداً من التي سلكتها إدارة الإمبراطورية العثمانية. وذلك على الرغم من التصريحات الفصيحة التي أدلى بها مصطفى كمال بالذات في الكثير من برقياته وأوامره، والتي أفاد فيها بأن الكرد هم أعضاء مؤسسون للجمهورية. ولا ريب في أن العصيانات والتمردات الحاصلة في فترة ما بين 1925-1938، والتي زرعت بذور الشك والقلق تجاه كيان الجمهورية ووجودها، لعبت دوراً بارزاً في ذلك. آخر مرة تحدث فيها مصطفى كمال أتاتورك عن هذا الموضوع، كانت في كونفرانس إزميت عام 1924، ومفادها باختصار هو الاعتراف بحرية شاملة للكرد. أما في اللمرحلة اللاحقة للتمردات، فكانت السياسة الأساسية تتمثل في التفسخ والاهتراء واستنكار المسألة. وتحول التلفظ حتى بحرف كردي واحد، أو إصدار شريط أغاني كردية إلى موضوع للتحقيق والمحاكمة. أما القول "أنا كردي" فأصبح سبباً للاتهام، بالتالي يخاف كل كردي من وجوده، ليتهرب منه فيما بعد. وتحولت الظاهرة أو المعضلة إلى كابوس مرعب على وجه التمام. ولم يتمزق هذا الكابوس المريع إلا على يد الشبيبة الثورية ممثلة في دنيز كزميش، حينما أبدى موقفه الأبيّ الأصيل صارخاً وهو يتجه نحو حبل المشنقة "إنني أتوجه نحو الموت بشرف، في سبيل حرية الأتراك والكرد وتآخيهم" .

أما فيما يتعلق بتأسيس PKK وقفزة 15 آب المجيدة في عام 1984، فقد مهد السبيل للنظر إلى هذه اليقظة كرعب يقض مضاجع الإدارة. لذا، وبدلاً من معالجة القضية بأبعادها التاريخية والاجتماعية، واجهتها بشكل مريع فقامت بالتمشيطات العسكرية والممارسات التعذيبية على نحو لا عَدَّ له ولا حصر. وكل من يحاول تلمُّس المشكلة أو الدنوّ منها، فكان يُعامَل كخائن للوطن. واستنفرت كل السياسات الداخلية والخارجية، الاقتصادية والثقافية، لتكون على أساس التنكر للمشكلة ومجابهتها بالقمع. وأكثر السياسات الملفتة للنظر ضمن هذا الإطار هي تلك المطبقة في الميدان الديبلوماسي. ذلك أن كل السياسات الخارجية لتركيا قد تم ضبطها وتعييرها على أساس تجريد ونبذ الكرد عموماً PKKعلى وجه الخصوص. ولم يبقَ أحد في العالم لا علم له بذلك. بالطبع، فقد استُخدِمَت كل الإمكانات الموجودة في قبضة تركيا واستُثمِرت، في سبيل النجاح والتوفيق في هذه السياسة. وتشبثت بسياسة منح أي دولة ما تريد، في سبيل جرها إلى الموقف المراد اتباعه أو اتخاذه، لتحولها إلى قاعدة يجب الامتثال لها لإحراز النجاح في سياساتها تلك. وعظَّمت من شأن هذا المنطق وكأنه مبدأ حياتي مقدس ونبيل. وبلغ الأمر درجة محزنة، تبعث على الأسى، وتتضمن المفارقة والتعقيد، بحيث أُرغمِت الجمهورية التركية بالذات على تهيئة الأجواء في أحشائها، لتلد دُوَيْلة (نصف دولة) كردية في شمال العراق. بمعنى آخر، إنها أنجبت بيديها هي، ما لا تشاء إحياءه. ومن الضروري التمعن في مسألة كيفية الوصول إلى هذه النقطة، عن كثب .

وباعتقادها أن مساعَدَةً استراتيجية ما قد تعالج المشكلة، توجهت إلى عقد اتفاق استراتيجي مع إسرائيل في عام 1996، حيث صعَّدت عبره الحرب التهديدية والتوعيدية تجاه سوريا إلى ذروتها. وبنفس المنطق ارتقت بشراكتها مع أمريكا إلى المستوى الاستراتيجي. وكانت مستعدة لقبول كل ما تشاء، مقابل أن تعلن عن PKK بأنه إرهابي، لا غير. ونخص بالذكر هنا بلدان الاتحاد الأوروبي، حيث كانت تنفِّذ كل مطالبها كما تحبذ وتود. وتقربت من روسيا ومنظومة الدول المستقلة بنفس المنطق، فلكي لا تحتويني روسيا أو تقبل مكوثي لديها، قدَّمتْ إليها المصالح الاقتصادية الواسعة، وعلى رأسها "مشروع الطاقة الزرقاء" (مشروع خط أنابيب الغاز). هذا بالإضافة إلى أنها ضَحَّت بالعلمانية وتخلت عنها، وفصلت سياساتها نحو إيران والمملكة العربية السعودية عن وجهة نظر الجمهورية الأساسية، في سبيل الحصول على نتائج مضادة ومناوئة لـPKK. وانزلقت في براديغمائيات (فرضيات مثلى) لا علمية تحت ذريعة "طرح الإسلام التركي الجديد". أما في المناطق التي لم تنفع أو تكفِ فيها هذه السياسات المخملية، فأُدخِلَتْ سياسة التهديد والتوعيد إلى الميدان حتى آخر درجة. هذه هي الطريق المسلوكة تجاه سوريا واليونان، وأيضاً تجاه إيطاليا أثناء مكوثي فيها.

أما محصلة هذه السياسات، فكانت مثل "نصر بيروس" بكل معنى الكلمة. فبإبداء التنازلات تلو الأخرى دون انقطاع، أقحم تركيا في أعمق أزمة وأشدّها خلال تاريخها، فاختنقت تحت وطأة ديون مقدارها مائتان وخمسون ملياراً من الدولارات. ورغم إمكانية انتسابها إلى الاتحاد الأوروبي إلا أنها أُبقِيتْ خارجه. وتعمقت النظرات الشكّاكة المليئة بالمخاوف في سائر البلدان العربية. وقد اندرجت كل من إسرائيل وأمريكا أيضاً في هذه النظرات المليئة بالشك بعد مسألة التذكرة (الرخصة) بخصوص العراق مؤخراً. أما علاقات تركيا على الصعيد العالمي فقد تدنت إلى الحضيض. وفيما يتعلق بإيران، دعك من اكتسابها لجانبها، فقد تضامنت مع سوريا لتقولا سوية "إما نحن أو أمريكا وإسرائيل"، فوصلت العلاقات إلى مفترق حرج للغاية. هكذا فإن الجمهورية التركية التي أضعفت من ذاتها وأصابتها بالوهن، ابتعدت داخلياً عن المدار الأيديولوجي الأساسي، بينما دفعت بيديها بالقضية الكردية - التي تعتبرها بلاء وخطراً رئيسياً عليها- لتدخل في في وضعية حرجة وحساسة للغاية على الصعيد الخارجي.

ما معنى المؤامرة التي دبّرتها أمريكا- التي تراقب أوضاع تركيا المتخبطة ضمن واقع كهذا عن كثب- لي على يد اليونانيين؟ لقد اعتقدت أمريكا تماماً أن تركيا الهزيلة الخائرة القوى ستخضع لها لدرجة الاستسلام، مقابل "شخصي أنا". والثالوث "أمريكا واليونان وحتى إسرائيل" الذي يدرك جيداً أنني سأكون كالقنبلة في يد تركيا، سواء بقيتُ أم متُ؛ أمََّن بذلك وضَمِنَ أن تلبي تركيا كل ما يرغبه بكل سهولة. فمهما يكن الأمر، إنهم وضعوا "ألَدّ عدو لها" في قبضة يدها. وكانت الأيدي ستطال عندئذ مسألة قبرص ومسألة إيجه على نحو أسهل، وسيسري نهج إسرائيل على أرض الواقع بأكثر الصداقات الموثوق بها، وكانت تركيا ستلهث وراء تلبية طلبات أمريكا أياً كانت، باعتبارها الحليف الموثوق به.

كنتُ قد قلتُ بيني وبين نفسي أثناء مكوثي في إيطاليا "أليس من الأعقل أن يطلبوني مني أنا مقابل حقوق الإنسان الأساسية، بدلاً من المطالبة بي من كل هذه القوى؟". في الواقع إن المراسلات غير المباشرة مع كل من أوزال وأربقان بالإضافة إلى الجيش، كانت تشير إلى انتباههم - ولو متأخراً - إلى أن الحقيقة والصواب يمران من هذه الطريق. إلا أن قوة السياسة المترسخة لم تساعدهم في أن يكونوا جسورين ومحللين للأمور بما فيه الكفاية. هكذا يصبح اللاحل هو الحل، تماماً كما هي الحال في المثال المبسَّط له في قبرص، حيث تتم رؤية اللاحل على أنه حل. وفي المحصلة تُقحَم المصالح الحيوية والمصيرية للوطن في الخطر، تماماً مثلما لوحظ في موضوع الاتحاد الأوروبي والعراق أيضاً. ولا تختلف العلاقة مع الجمهورية الهيلينية عن ذلك بشيء.

في المحصلة، وصلت التقربات المؤثرة تجاهي ضمن إطار الظاهرة الكردية، إلى حدود الهُراء والهذيان. وما تم جنيه ونيله كان نقيض المراد المرتقب. وأنا أصر على أن المشكلة الكردية المتروكة لمراقبة وإشراف النزعة القومية الكردية في العراق، قد تم وضعها في أسفل بطن (رحم) تركيا كأضعف منطقة فيها وأكثرها حساسية، لتكون من الآن فصاعداً كقنبلة موقوتة نُزِعَ منها صمَّام الأمان لتكون مهيأة للانفجار بها في كل لحظة. هذه المرحلة تماثل نظيرتها الحاصلة أثناء التمردات المفروضة في أعوام 1925، حيث ستمهد لخسارات فادحة وفواجع كبرى تلحق بالجمهورية لتستمر حتى ثمانين عاماً. فالتقرب الغلط عينه حساس بدرجة أكبر وسينمُّ عن خسائر كبرى.

دنيز كزميش وأمثاله كانوا هائمين لدرجة الهوى بـ"تركيا المستقلة والحرة". والكرد أيضاً كانوا يطالبون بنصيبهم من هذا الشرف. ولا يمكن لأحد إنكار كون هذا هو الشعار الطبائعي لمصطفى كمال أتاتورك أيضاً. يجب البحث عن السياسة السليمة داخل هذا الشعار. فأتاتورك عقد صداقته مع "فنزلوس Venezelos" رجل الدولة المشهور في الجمهورية الهيلينية، تحت لواء هذا الشعار، وعمل بذلك على حل المشاكل. هذا أيضاً كان صُلب مواقفه من الكرد. ولكن حينما أَفرَغَت مؤامرات الانكليز هذه السياسة عبر استفزازها لتمردات عام 1925 استناداً إلى مصالحها في الموصل وكركوك؛ لم يخسر في النهاية من ذلك سوى كلا الطرفين. أي أن النتائج دوماً كانت مثل "نصر بيروس". وإذا كان استنباط الدروس والعبر من التاريخ هو الأساس الحتمي للنجاح في الحياة، إذن من الحتمي عندئذ ألا تكون الحرب إطلاقاً في سبيل إحراز انتصارات بيروس، وألا تُعطى الفرص أو يُسنح المجال لمؤامرات أو مكائد قد تمهد لمثل هكذا حروب. كما من الضروري حتماً عدم السقوط مرة ثانية في مواقف تترك الأبواب مفتوحة لمثل هكذا مؤامرات. وألا نفسح المجال لأحداث كهذه على الإطلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كم عدد المعتقلين في احتجاجات الجامعات الأميركية؟


.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين




.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في


.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال




.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال