الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البداوة والحضارة والأرهاب عند الوردي

يحيى الشيخ زامل

2007 / 4 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




حالما يسمع أحدنا لفظة (البداوة ) حتى يقفز إلى ذهنه صورة البدوي الذي يجوب الصحراء بناقته حاملاً معه سيفه وزاده وربابته وهو ينظر بعين العاق إلى هودج حبيبته ويترنم بقصائد غزلية متناغمة مع خطوات بعيره ، ويطلق بين الفينة والفينة صرخات النصر والنخوة والعصبيات القبلية .
هذه الصورة البسيطة المتكونة في الأذهان نتيجة وسائل الإعلام المرئية وما تنقله عن حياة البدو في الصحراء وكيف يعيشون ؟ وكيف أن القبيلة والعشب والماء تشكل محورية حياتهم القاسية والمتنقلة .
بينما يترأى أمامنا حينما نسمع عن معنى (الحضارة )كل ما هو حضاري وثقافي ومتطور وجميل وأنيق ومريح من بناء وعمارات وشوارع ومؤسسات ثقافية ودينية واجتماعية وإنسانية راقية تدفع بالإنسان نحو الرقّي والرفعة .
وتشكل تلك الجسور الحضارية والتي تنتقل فيها القيم والأفكار والرؤى والأعراف والأخلاق من جيل إلى جيل ، وبموجب هذه الجسور تنتقل الحضارة عبر الأجيال فيبدأ الجيل الجديد حياته من حيث انتهى الجيل السابق ، ومن خلال هذا الامتداد ينتقل ألينا هذا التيار الحضاري الكبير من عصر آدم ( ع) وعصور نوح وموسى وعيسى ورسول الله ( صلى الله على نبينا وآله وعلى جميع الأنبياء وآلهم ) ، ونحن قطعة من هذا الماضي العريق وفرع من تلك الجذور الممتدة في عمق التاريخ . ( الجسور الثلاثة :ص/7) .
ومهما يكن الحال فأننا حين نفهم ماهية البدواة نستطيع أن نفهم شيئاً عن ماهية الحضارة بصورة غير مباشرة، فالحضارة معاكسة للبداوة في كثير من خصائصها، وقد ذهب المؤرخين العرب وعلى رأسهم ( ابن خلدون )إلى تصنيف الناس إلى فئتين متناقضتين هما ( البدو والحضر ) ، إلا إن الأستاذ (علي الوردي ) وصف الحضارة : ( بالظاهرة الاجتماعية المتغيرة التي تختلف في كثير من معالمها وخصائصها باختلاف الزمان والمكان في اليوم تشبه ما كانت عليه قبل مائة سنة أو قبل عدة مئات من السنين ، وهي كذلك تتشابه في المناطق المختلفة تقريباً . (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي : الوردي ص30) .
فيما يصف المؤرخ ( توينبي ) متناغماً معم ما ذهب إليه (الوردي ) إلى وصف البداوة بأنها ( حضارة مجمدة ) وأختلف علماء الاجتماع في ترجمة المصطلح الاجتماعي ( Calture) فبعض ترجمه إلى (ثقافة ) والذي يستعمله الآن كثير من المؤلفين في مصر وغيرها والتي تعني المعرفة او التهذيب و النضوج العلمي وبعض ترجمها إلى ( حضارة ) إذ لفظة الحضارة استعملت في اللغة العربية منذ قديم الزمان بمعنى ( المدنية ) .
وعند النظر إلى طبع الشخصية البدوية عند علماء الاجتماع والأنثرولوجيا وهؤلاء قد قدموا لن في هذا الشأن دراسات كثيرة نافعة وأنهم دأبوا على ذكر أجزاء الثقافة البدوية ليتعرفوا على الطابع لعام الكامن ورائها .
قال ( براون ) وهو أحد المستشرقين : ( أن الفضائل في البداوة هي الشجاعة والكرم والولاء للقبيلة والثأر ) ، فيما حاول ( مور ) أن يحصر تلك الفضائل في أثنين هما ( الشرف والثأر ) ، أما ( غولدزيهر ) فقد حصرها في واحدة هي ( المرؤة) مع ما تشتمل من شجاعة وشهامة والكرم إلى حد الإسراف والإخلاص التام للقبيلة والقسوة في الانتقام والأخذ بالثأر ممن اعتدى عليه أو على قبيلته بقول أو فعل . فجر الإسلام : أحمد أمين ص76.
ولكن الوردي يذهب إلى أن مركبات الثقافة البدوية هي ثلاث : 1ـ العصبية 2ـ الغزو 3ـ المرؤة ، والملاحظ أن طابع ( التغالب) موجود في جميع هذه المركبات الثلاثة .
أن نزعة التغالب تبدوا واضحة الأثر في شخصية كل رجل بدوي قليلاً أو كثيراً ، فالبدوي يحب من صميم قلبه أن يكون غالباً لا مغلوبا في كل شأن من شؤون حياته .
ويطلق الوردي على ظاهرة غريبة في تاريخ العراق الاجتماعي والتي أسماها بـ ( ظاهرة المد والجزر ) والتي يرى فيها أن البدوية تستفحل في حيناً ثم تتقلص عنه حيناً خر وذلك تبعاً لوضع الدولة فيه من حيث ضعفها أو قوته ، ان الدولة أساس مهم من أسس الحضارة فذا قويت الدولة في بلد ما بحيث أستطاعت أن تقمع النزاع الداخلي فيه وتضرب على أيدي للصوص وقطاع الطريق أزدهر الأنتاج الزراعي والتجاري والصناعي وعمّرت المدن وأنهمك الناس في حرفهم المحتلفة لا يخشون شيئاً ، وقد حدث هذا في تاريخ العراق مرات عديدة كما لا يخفى وعندئذ وجدنا القيم البدوية تتقلص تدريجياً حيث تظهر مكانها القيم الحضرية القائمة على الطاعة والاحتراف .
ولامشاحة أن هذه الظاهرة قد أخذت بالظهور في زماننا بعد سقوط الصنم الصدامي وفي غياب سلطة قوية تفرض هيبتها على المجتمع العراقي ككل إذ نشطت العصابات والجماعات الإرهابية التي قطعت الطرق وسلبت الأموال وعطلّت الكثير من المشاريع الحضارية والعمرانية ( ولله در الوردي ) من مقاله هذا وكأنه حاضر في ظهرانينا أو هو تنبؤ سابق للأحداث . !!
ويرى الوردي : أن مشكلة العراق أنه حين ينحسر عنه للمد البدوي لا يستطيع أن يتكيف للحضارة سريعاً حين تأتي إليه ، فهو يبقى متمسكاً بقيمه البدوية زمناً يقصر أو يطول تبعاً للضروف التي تواجهه عند ذاك من طبيعة القيم الاجتماعية بوجه عام أنها تبقى فعالة زمناً بعد ذهاب الظروف المساعدة لها ، فالناس إذا تعودوا على قيم معينة صعب عليهم بعد ذلك أن يتركوها دفعة واحدة ، لاشك نها تضعف فيهم بالتدريج بعد ذهاب العوامل المساعدة لها ، ولكن ذلك يحتاج إلى زمن ، وفي خلال هذا الزمن يحدث الصراع بين القيم الجديدة والقيم القديمة وقد تظهر من جراء ذلك مشكلات اجتماعية لا يستهان بها .
ولا ندري متى ينحسر عن عراقنا هذا المد البدوي ، متى يعي شعبنا هذه الحالة الشاذة لينتهي الصراع الدامي من جراء هذه الظاهرة ومشكلاتها .
ويعود ( الوردي ) فيصنف المنطقة العربية إلى ثلاث أصناف رئيسية : وهي أكثر مناطق العالم معاناة للصراع بين البداوة والحضارة ، أولها : هو الصنف الذي يشبه العراق شبهاً كبيراً من حيث وجود الحضارة والبداوة فيه جنباً إلى جنب كالأردن والشام والمغرب وتونس والجزائر واليمن ،والعراق يتفوق على كل هذه الأقطار في شدة ظهور الصراع والازدواج فيه .
وأما الصنف الثاني : والذي تكون فيه البداوة أشد وأكثر تأثيراً من الحضارة ولهذا فالصراع فيه ضعيف مثل ( نجد والإحساء والعسير وليبيا والجزء الصحراوي من الجزائر وعمان وحضرموت ) .
وأما الصنف الثالث : وهو على النقيض من الصنف الأول والثاني ، حيث تكون فيه الحضارة أقوى أثرأ من البداوة وأكثر تغلغلاً في الحياة الاجتماعية وهي ( مصر ولاسيما الوجه البحري منه أما القبلي وهو الذي يسمى بالصعيد فمن الممكن عده من الصنف الأول وهو بذلك يشبه العراق إلى حد كبير . ( دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ص17 ) .
ولعل ما يؤيد هذه الأقوال وهذا التصنيف ما تأتينا من هذه الأقطار من أنتحاريين وقتلة والتي أفرادها بمنتهى البداوة والجهل والتخلف إذ تسوّغ لنفسها قتل الأبرياء بذرائع مختلفة وتحت عباءات وغطاءات متعددة ما أنزل الله بها من سلطان تحاكي الهجمات التي أغارت بها الوهابية في بداية نشأتها في العراق في أيام الدولة العثمانية وخاصة في النجف وكربلاء حتى أنهم سلبوا محتويات المراقد المقدسة في هذين المدينتين وأبيحت تلك المدن للأجلاف القساة الغلاظ التي نزُعت الإنسانية من قلوبهم وضمائرهم فصيّرتهم وحوشاً كاسرة .
ولاشك ن ظاهرة قدوم العربان من هذه البلدان المجاورة والتي أستفحلت فيها البداوة والتخلف والجهل إن هي إلا امتدادا لتلك الحقبة المظلمة من تاريخ القتل والسلب والنهب ، وأن الانفلات الأمني أتاح لهذه المجموعات في ممارسة شهوتها للقتل والإبادة تحت غطاء المقاومة واستمرارها .
ومما لاشك فيه أن هذه البداوة المتجددة هي من مخلفات الأنظمة الفاسدة والمتسلطة على رقاب الشعوب والتي تساهم مساهمة كبيرة في نشر الجهل والتخلف الحضاري والأمية بين أفراد شعبها خوفاً من أصابتها بجرثومة الحضارة والرقي التي تنتشر في مختلف البلدان سوى البلدان العربية التي تعمدت طمس الحقائق في دهاليزها المظلمة .
وأخيراً أصبح لزاماً على كل واع ٍ ومثقف من أبناء هذه البلاد في نشر مكارم الأخلاق الفاضلة والتي أساسها الشريعة السمحاء للإسلام الخالد بخطه الصحيح والأعراف التي أقّرها الإسلام والعقل الراجح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج