الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التابو المسكوت عنه

جمال الدين بن عبد الجليل

2007 / 4 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا أجد لمفردة التّابو مرادفا لها غير مركّب " المسكوت عنه في الخطاب العام أو بالأحرى الممنوع الخوض فيه بشكل مسبق ما قبليّ في الفضاء العام لتشكّل الخطاب" ، و للتّابو بهذا التعريف وظائف و أدوار هامّة و خطيرة في تشكّل بنى العلاقات على مستوى اجتماعي، أخلاقي و نفسي و حتى سماتها الثقافية و تداعياتها في الخطاب السياسي. من بين هذه الوظائف التي تؤدّيها التّابوهات و تقوم بها من خلال سياق اجتماعي و ثقافي معيّن يوجدها و يرعاها، هو المحافظة على راهنيّة و هيمنة واقع سائد يحمل في داخله تناقضات و تضادّات يعجز عن حلّها دون تجاوز ذاتيّ.
فالتّابو هنا يكرّس استقرارا مموّها لبنى معيّنة مهيمنة على الواقع و يخفي اهتزازها و تهافتها و عدم تماسكها، فهو يبدو هنا كالمسكّن للآلام في حال الإصابة بمرض عضال دون طلب الشفاء. و من أشدّ خصوم التّابو في هذا المقام تأتي هنا المصارحة العلنيّة و وضع الإصبع على الجرح مباشرة دون تورية أو تمويه. للتّابو خطوط دفاع أمامية تمنع و تعيق حصول المصارحة و المكاشفة العلنيّة، تتلبّس أحيانا لبوس الأخلاق و الأعراف و العادات ووجوب الصمود دفاعا عنها و المحافظة عليها و تحمي أحيانا أخرى من الإحساس بالخوف من الوقوع في الخطيئة و من التعرّض للإهانة أو الاستصغار في أنظار الآخرين.
لعلّ من أبرز الأجهزة الدفاعية عن التّابو و المكرّسة لاستمرار بقائه و هيمنته هي عقدة الذنب و عقدة الفضيحة، و لعلّ الثانية تلعب دورا أكثر حضورا و تأثيرا في المجتمعات الشرقية بما فيها المجتمعات االعربية (مسلمين و مسيحيين) المتسمة عموما بأنّها مجتمعات محافظة اجتماعيّا و ثقافيّا. و أقتصر هنا في هذا المقام على تناول التّابو على مستوى استقراء الواقع الاجتماعي و العلاقات المشكّلة له و المتشكّلة فيه.
أرى أنّ العلاقات الاجتماعية كتعبير و انعكاس لمجموعة بُنى قيميّة و ذهنيّة و نفسيّة مهيمنة و مستحكمة يمكن أن تعتبر مؤشّرا ذا أهمية لما يمكن أن نعبّر عنه بالتنمية البشرية من حيث أحد أهمّ أوجهها. فالظواهر الاجتماعية و السلوكية تكشف عند تناولها بوعي و التوقّف عندها بتروٍّ عن مجموع هذه البُنى القيميّة و النفسية و الذهنية التي تعبّر عنها.
فالمواضيع و الثيمات المتعلّقة بعناوين مثل الدين، المرأة ، الجنس، العنف و غيرها في المجتمعات العربية تكشف عند التوقّف عندها و تأمّلها عن عمق الأزمة و حالة التوتّر التي تسود المجتمع العربي الذي تتجاذبه بُنى تقليديّة من جهة بما تحمله من قيم و مفاهيم، و مظاهر حداثية من جهة أخرى بما تفرضه من تبعات و تأثيرات على هذه البُنى. فالمجتمعات العربية بقيت في مجملها في حالة تأرجح متوتّر بين بُنى علاقات تقليدية و أخرى حداثية متداخلة فيما بينها يصعب تعريفها، فلا هي تقليدية باقية على حالها و لا هي حديثة حققت نقلتها التحديثية على جميع المستويات.
هنا يؤدّي مركّب التّابو وظيفة هامّة في المحافظة على حالة التوتّر و الفصام البنيوي هذه التي تسود المجتمعات العربية.
د. جمال الدين بن عبد الجليل









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اختتام مناورات الأسد الإفريقي بسيناريو افتراضي استخدمت فيه م


.. بعد ضربات أمريكية على اليمن.. يمني يعبر عن دعمه لفلسطين




.. فرق الإنقاذ تنتشل جثمانين لمقاومين استشهدوا في جباليا


.. واشنطن: بلينكن دعا نظراءه في السعودية وتركيا والأردن للضغط ع




.. فرق الإسعاف تنتشل جثامين مقاتلين فوق سطح منزل بمخيم جباليا