الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


--تأملات حول التشيع السلفي-

نذير الماجد

2007 / 4 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


""تأملات حول التشيع السلفي"

إن أول ظهور للسلفية كان على هيئة مدرسة فكرية و رؤية عقائدية تطالب بالعودة إلى الأصول الدينية كما هي عند السلف من دون أن تتأثر بالاتجاهات الفكرية الأخرى الوافدة، وذلك في مواجهة الإتجاهات الفلسفية و الكلامية التي تفاعلت مع المنجز الفلسفي الإغريقي، وإذ ذاك لم تكن بهذه السلبية التي تحملها الآن. كانت فكرة السلف تتلخص في الرجوع إلى نهج السلف الصالح كما يرونه والتمسك به باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل، ولم يكن يعرف عنها آنذاك تعارضها مع فتح باب الإجتهاد -على الأقل عند البعض- غير أن هذا المفهوم قد اكتسب معنى آخر في عصرنا الراهن، يحمل دلالة سلبية بمعنى الماضوية ومنهاضة التطوير والتجديد وعدم الإستفادة من المنجزات العلمية المعاصرة واغلاق باب الإجتهاد.

إذاً اصبح لهذه الكلمة معنىً مختلفا يرتكز على ظاهر النص بعيدا عن التأويل، والعمل بحرفيته ومعناه المباشر، ومناهضة القراءة التزامنية للنص ومفرداته.

إن الفهم السلفي للدين هو الفهم المتزمت والمنغلق، إنه نشأ وترعرع في بيئة اجتماعية وسياسية واقتصادية تتسم بالإنحطاط والركود خاصة بعد سقوط الدولة العباسية في بغداد على يد المغول بحسب المفكر "محمد أركون" فمنذ تلك اللحظة أخذ الضعف يدب في جسد الحضارة الإسلامية بثقافتها بعدما كانت في أوج عظمتها في الفترة الكلاسيكية التي ساد فيها جو من النشاط والحرية الفكرية في القرن التاسع الميلادي. وكلما شاع الإنحطاط والتخلف كلما نمت السلفية وترسخت في وجدان الجماعة، خاصة وإن كل النظم السائدة في مثل هذه الوضعية المأزقية تتواطأ من أجل استمرار هذا الفهم الجامد للدين، و هذا ما يفسر ظاهرة التعايش والإنسجام الدائم بين النظام السياسي مهما كان شكله وبين زعماء واتباع السلفية والاتجاه اليميني المحافظ. وبذلك ستبقى السلفية العقبة الكئود أمام أي تغيير سياسي واجتماعي أو تجديد وتحرر ديني، رافضة السعي نحو تكييف الإسلام مع الحداثة، بسبب توفر عوامل عديدة لترسخها و تجذرها في الواقع الاجتماعي، و لذلك فهي قد تمكنت من اخضاع المجتمع باحتلالها المركز والخطاب الديني السائد، بينما يتموقع الخطاب التجديدي والحداثي في الهامش والأطراف غالبا..

و عندما نتحدث عن تيار سلفي فإننا لا نعني بذلك عدم صلاحية المباني الإستدلالية والإجراءات المتخذة في صياغة الموقف الشرعي أو العقدي أو التاريخي، وإن كان ذلك يشكل أحد أهم العوامل والمعايير لهذا المفهوم، إلا أن المقصود بشكل أساسي هو ذلك التفسير و التعليل و الأثر الناتج عن تلك المواقف و المسبقات و المباني الذهنية التي تشكل بدورها مدرسة فكرية ورؤية متكاملة عن الحياة والكون والإنسان، بالإضافة إلى ارتباط ذلك بنسبية الفهم البشري للدين، فالسلفية مهما كان انتمائها تتصف بالتمامية والإطلاق والوثوق والدمج بين الدين ذاته وبين ما تمخض عنه من فكر اسلامي وثقافة وليدة الجهد والمحدودية البشرية وبالتالي فإنها حتما ستتسم بالنسبية والتاريخية، ويمكن من هنا جعل الفكر المرتكز على الوعي التاريخي كمقابل للفكر السلفي بوصفه امتدادا مطلقا ومهيمنا للتراث الذي يجب أن تكون له المرجعية العليا في كل عمليات إنتاج الفهم الديني دون الأخذ بالاعتبار تاريخيته ونسبيته.

ولا يعني هذا أن كل عودة للماضي والإستفادة من الإرث المعنوي للحضارة العربية والإسلامية هي عودة سلفية.. إن العودة للماضي بصفته العصر الذهبي ونموذج العمل التاريخي الأحادي دون مراعاة العصر المعاش هي ما يمكننا الجزم بسلفيتها أما الإستفادة من التراث والتجارب الفكرية والإنسية الثرية في تاريخنا فهذا أمر مختلف تماما، إنه ياتي في سياق الديمومة الزمنية والترابط التاريخي كما هو معروف.

إن القراءة التبجيلية والتفخيمية للتاريخ والتصلب العقائدي والتقوقع والإنكفاء على الذات والسكون وعدم الإكتراث بحقائق التاريخ البشري وغيرها من أمور تعتبر من أبرز خصائص الفهم السلفي للدين، في المقابل فإن القراءة التاريخية والتطورية للتاريخ والإنفتاح على متطلبات المرحلة المعاشة والتموضع في الأفق المعرفي المعاصر والإذعان بنسبية الفهم البشري للدين وبالتالي توفر الإمكانية العملية للإنسجام ومواكبة الصيرورة التاريخية هي من أبرز خصائص الفهم التاريخي للدين، أو لنقل الفهم الواقعي للدين.

تعتمد المدرسة السلفية في فرض سيطرتها وديمومتها على وسائل عدة من أهمها: التعصب الديني بما هو فوبيا الاختلاف وإنكار الآخر، والتجهيل والتضليل والدعم الخفي للسلطة وتكريس الوضع القائم مهما كان متخلفا وسوداويا، والثقافة الدينية التلقينية مما يكرس نزعة "الإتكالية الدينية" وتجميد العقل والتفكير الحر الذي هو وحده القادر على فرض التغيير والإصلاح والتطوير.

يذهب الدكتور "مصطفى حجازي" أحد المتخصصين في علم النفس الاجتماعي إلى أن بنية الإنسان والمجتمع المقهور تعتبر بيئة ملائمة لنمو الفكر السلفي والتقليدي في المجتمع، فهو من أبرز خصائص المجتمع المتخلف الذي يرزح تحت نير القهر والإذلال بل إن التخلف يستلزم التطرف والتزمت في فهم وتفسير الدين. و يشير إلى أن شيوع السلفية يعتبربمثابة أحد "الأساليب الدفاعية التي يواجه بها المجتمع حالة المأزقية الناجمة عن نظام "القهر - الرضوخ المسيطر على المجتمع المتخلف، لذلك فالسلفية بمثابة نمط حياة و مدرسة فكرية ليست خاصة بدين أو مذهب بعينه، و لا تنحصر بالسنة دون الشيعة، فكما أن هنالك اتجاها سنيا سلفيا هنالك أيضا اتجاه شيعي سلفي. نلمس فيهما نفس الأدوات ونفس الثقافة والفكر الذي يدعو للقطيعة مع العصر ومنجزات الفكر البشري وتجميد العقل ومحاربة الفن أو الهيمنة عليه و الريبة منه و مناهضة الفكر الحر الخلاق واحتكار فهم النص والقراءة الاسقاطية للتاريخ وأسطرته وأسطرة الرموز الدينية العظيمة لكي تخلع على الواقع السيء مزيدا من الشرعية بعدما تفرغها من فعاليتها الرمزية باعتبار أن كل أولئك الرموز والأئمة الصالحين ليسوا بشرا و لا يمكن الاحتذاء بهم أو التأسي بالجوانب المهمة في حياتهم التي يمكن أن تؤثر ايجابيا على الحياة الإنسانية، بل هم فوق الفهم و التأسي ولا يعلم بمقامهم سوى الله تعالى. بل أكثر من ذلك، حيث حجبْ حياتهم التي عاشوها في أزمانهم وإظهار وإبراز الظلامة والاضطهاد الذي أصابهم، واختزال كل حياتهم وجهادهم ونضالهم وعلمهم في المصيبة فقط، حتى أن المرء يكاد لا يعرف السبب الحقيقي وراء هذه المعاناة وذلك الاضطهاد.

السلفي الشيعي لا يعرف من حياة الأئمة سوى يوم المأساة، لا يعرف من نضالهم ومن أخلاقهم ومن معارفهم شيئا. و ليس لهم من حضور سوى في النشاط الكلامي المتمحور حول الإثبات و في الطقوس المصطبغة بتأثيرات صوفية تدعو لجلد الذات و الهروب من الواقع بدل محاولة تغييره، نجد ذلك جليا في الإصرار على طقوس كالتطبير و هوس المزارات رغم أن ذلك له تبريره الخاص في سياق و ظروف اجتماعية متغيرة .. هذه هي الثقافة الدينية التي يروجها ويدعو لها التيار السلفي الشيعي.

وإن أراد مفكر إسلامي نفض الغبار عن التراث والتحقيق في الوقائع التاريخية جوبه بحرب شرسة تستهدف قمع فكره والحد من طموحه التصحيحي، وهذا ما حصل كثيرا في التاريخ المعاصر، لدينا من النماذج الإصلاحية التي عانت ما عانت فقط لأنها أرادت أن تقدم رؤية دينية تقوم على الإيمان الصافي والزلال والنقي بعيدا عن افرازات واكراهات تاريخ الدين أو "الدين في التاريخ".

ومنذ عصر النهضة، منذ الأفغاني والكواكبي وغيره كان التنافس محتدما بين التيار التجديدي والتيار السلفي، وكان كل تيار يخوض حربا باردة ضد الآخر، وما إن تبرز مرجعية دينية تأخذ على عاتقها كل المبادرات الرامية لتجديد الفكر الديني تبدأ تلك العناصر النافذة في الحوزة بشن الهجوم عليها، فساد جو من القمع والإرهاب حتى أن النائيني قد تنصل من كتابه الشهير "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" وهو الكتاب الذي عالج فيه طبائع الاستبداد وفق المدارس المعرفية السائدة آنذاك، فهذا شأن لا يتناسب مع المرجعية كما كان يشاع في أوساط الحوزة.

إن المعاناة التي جعلت الخوئي يتوقف عن مواصلة دروس التفسير بعدما أتم الجزء الأول فقط، و حرمت المتعطشين للفكر من الاستفادة من تعليقات العلامة الطبأطبائي على أكبر موسوعة شيعية هي "بحار الأنوار" للمجلسي بعدما أنجز بعضا منها ثم توقف عن اكمال العمل نتيجة الضغوط التي تعرض لها من قبل "اللوبي السلفي" في الحوزة، هي نفسها المعاناة والمحنة التي ألمت بمحمد باقرالصدر، و أوقعته بين سلطتين ديكتاتوريتين، هي السلطة السياسية و السلطة الدينية المتمثلة بالتيار السلفي السائد في الحوزة كما يعبر الكاتب العراقي "عادل رؤوف" وهي التي تعرض لها السيد الأمين حين تصدى لتنقية الشعائر الحسينية من الخرافات والبدع والتطرف، إذ كانوا يطلقون على أتباعه: "الجماعة اليزيدية" تشفيا وانتقاما من فكره التصحيحي.

إن وجود سلفية شيعية أمر لا يمكن إنكاره، ولكن في اعتقادي أننا نمر في مرحلة انتقالية نحو انحسار هذا الفكر الذي يرتكز على العنف الفكري والحجر العقدي، وبزوغ الفكر التجديدي الذي يسعى نحو الإيمان والعقيدة الصافية والتسامح الديني.. على رغم استعار الحملة السلفية التي بقيت إلى وقت قريب تنشط في جعل ممثلي هذاالتيارالتجديدي بمثابة "أسطورة شر" و "وباء سرطاني" ينبغي اجتثاثه إلا أن هذا المخاض لولادة خطاب ديني جديد قادرعلى التغلغل في أوساط المجتمع أمر بات محسوما .

التشيع السلفي يعتاش على تجييش المشاعر البدائية التي تتسم ببعد و هالة دينية كبيرة عند الناس،، كما يجيد توظيف العاطفة الدينية في محاربة الغرماء و يسعى لترسيخ ثقافة دينية ترتكز على التلقين والعاطفة المجردة بخلاف تلك الثقافة التي تبنى على التفحص والتأمل، ويخيل لي أن بعض خبراء التقديس (رجال الدين) يحاولون ابقاء "البدائية الفكرية" مسيطرة على المجتمع، و يخشون التغيير ويرفضونه وذلك حفاظا على امتيازاتهم، إلا أن الواقع يثبت أن الأمية الفكرية في طريقها إلى الزوال، فمن حق الجميع التزود بالوعي والتفكير الحر والمبدع، لنتمكن من خلق مناخ يتسم بروح النقد والمراجعة الذاتية، والتعددية الفكرية والتفاعل الإيجابي مع المنجز العلمي والفلسفي المعاصر، تماما مثلما كان يفعل أسلافنا في مرحلة الإجتهاد والفكر المبدع كما أسلفت.. لا شك أننا بحاجة إلى تجاوز الأحادية والمركزية الفكرية حتى نتمكن من تحقيق قفزات نوعية في التطور والتقدم المستمر نحو الأفضل.

كم هو جميل قول "بوذا" لأتباعه: أخضعوا ما أقوله للاختبار، فإن صح فاعملوا به، والا فلا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال